فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 29
نمايش فراداده

الإكراه على قتل نفسه

(53) ما في المسألة من أمره بقتل نفسه بأن قال له : «اقتل نفسك» قد يكون مع فرض كونهما كاملين أو غير كاملين ، أو أحدهما كامل دون الآخر ، والمراد من الكمال التمييز فما فوقه . فإن كانا كاملين فلا قود ولا دية على الآمر ; لأنّ المأمور هو المباشر لقتل نفسه ، وليس السبب الآمر بأقوى مع فرض عدم الإكراه من رأس ، ولا الإكراه بما دون القتل .

نعم ، مع فرض الإكراه بالقتل بأن يقول الآمر للمأمور : «اقتل نفسك وإلاّ قتلتك» فالظاهر تحقّق الإكراه والاضطرار ; لعدم الفرق بين الإكراه بقتله نفسه أو بقتله الغير مع التوعيد فيهما بقتله .

نعم ، على المشهور من عدم الإكراه في القتل ولو مع التوعيد به فلا إكراه هنا أيضاً ; لعدم الفرق بينهما من تلك الجهة .

وفي «الشرائع» : «وفي تحقّق إكراه العاقل هنا إشكال»[267] ، وفي «الجواهر» في شرحه : «باعتبار أ نّه لا معنى للاضطرار إلى قتل نفسه خوفاً من قتله ، لكن في «المسالك»[268] و «كشف اللثام»[269] : نعم ، لو كان التخويف بنوع من القتل أصعب من النوع الذي قتل به نفسه فدفعه به اتّجه حينئذ تحقّق الإكراه ، وترتّب القصاص حينئذ على المكرِه الذي هو أقوى من المباشر .

وقد يناقش بأنّ ذلك لا يقتضي جواز قتله لنفسه المنهي عنه ، فلا حكم لإكراهه المزبور ، وحينئذ يكون المباشر أقوى من السبب . واحتمال الجواز باعتبار شدّة الأمر المتوعّد به مناف لإطلاق دليل المنع ، وإلاّ لجاز للعالم بأ نّه يموت عطشاً مثلاً أن يقتل نفسه بالأسهل من ذلك ، فتأ مّل جيّداً»[270] .

ولا يخفى أنّ إشكال «الشرائع» وجهه غير بيّن ولا مبيّن ، وكيف يكون محلاً للإشكال مع عدم إشكاله تبعاً للمشهور في عدم الإكراه في القتل ، وما في «الجواهر» وجه لعدم جريانه أيضاً لا بيان المنشأ للإشكال ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه ناش من عدمه في القتل مطلقاً ; لإطلاق الدليل كقوله(عليه السلام) : «إذا بلغت التقيّة الدم فلا تقية»[271] ، ومن انصراف ذلك الدليل إلى قتل الغير ، كما لا يخفى عليك أيضاً أ نّه على المختار يجوز له قتل نفسه وإن لم يكن بين القتلين تفاوت أصلاً ، فضلاً عمّا لو كان التخويف بنوع أصعب من النوع الذي قتل به نفسه كما في «المسالك» و «اللثام» ، ولقد أجادا فيما ذكراه .

وما في «الجواهر» من منافاة احتمال الجواز باعتبار شدّة الأمر المتوعّد به مع إطلاق دليل المنع ، ففيه : منع الإطلاق ، فإنّ العمدة فيه قوله تعالى : (وَلاَ تَقْتُلُوا أنْفُسَكُم إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً)[272] ، والتعليل في الأوّل تعليل للنهي ، بمعنى أنّ نهيه تعالى وتحريمه إنّما هو لكونه (بِكُمْ رَحِيماً) ، وقوله : (وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ . . .)إلى آخره تخصيص للحرمة بالعدوان والظلم ، فالقاتل نفسه كان إقدامه دفعاً لقتله الأصعب وليس قتله ظلماً ، مقتضاه عدم الحرمة والجواز في كلّ ما كان قتله نفسه أسهل من القتل والموت الحاصل من غير نفسه . فعليه يجوز للعالم المشرف على الموت عطشاً ـ مثلاً ـ أن يقتل نفسه بالأسهل من ذلك ، ولعلّه أشار إلى ذلك بقوله : «فتأ مّل جيّداً» .

ثمّ إنّ التوجّه إلى الآيتين يسهّل الأمر في قتله نفسه فيما كان في يد العدو ويريد قتله بنحو أصعب ، أو يريد الضغط عليه بشدّة وبصورة غير قابلة للتحمل .

وبالجملة : الحرمة مشروطة بتحقّق العدوان والظلم ، فتأ مّل جيّداً وكن على ذكر من الآيتين في فروع المسألة .

هذا كلّه في الكاملين ، وأ مّا إن كانا ناقصين بلا تخويف من الآمر فلا شيء على الآمر ، لا على نفسه ولا على عاقلته ، كما هو أوضح من أن يبيّن .

وأ مّا مع تخويفه بحيث المأمور مضطرّاً إلى ذلك بقدر إدراكه وتمييزه الناقص فالدية على عاقلة الآمر ; نظراً لأقوائيّة السبب .

(مسألة 37) : يصحّ الإكراه بما دون النفس ، فلو قال له : «اقطع يد هذا وإلاّ قتلتك» كان له قطعها وليس عليه قصاص (54) ، بل القصاص على المكره (55) ، ولو أمره من دون إكراه فقطعها فالقصاص على المباشر (56) ،

وممّا ذكرناه في الصورتين يظهر حكم الثالثة ، وهي صورة الاختلاف ، ونترك البحث عنها ونحيله إلى ذلك الظهور .

(54) لعموم دليل الإكراه ، وعدم كون القطع عدوانيّاً .

وفي «الجواهر» : «يصحّ الإكراه فيما دون النفس ; لعموم دليله المقتصر في تخصيصه على المتيقّن الذي هو النفس ، فلو قال : «اقطع يد هذا وإلاّ قتلتك» كان له قطعها ; دفعاً لإتلاف نفسه بما ليس إتلافاً ، فلا قصاص حينئذ عليه ; لعدم العدوان ، نعم هوعلى المكرِه الذي هو أقوى حينئذ من المباشر .

لكن في «القواعد»[273] الإشكال فيه من ذلك ومن عدم المباشرة ، فتجب عليه الدية دون القصاص . وفيه : أنّ وجوبها ليس إلاّ لقوّة السبب على المباشرة ، وهو مقتض للقصاص دونها ، كما هو واضح»[274] .

(55) لأقوائيّة السبب وضعف المباشرة بالإكراه .

(56) وجهه ظاهر ، إلاّ أن يكون الأمر من الآمر القانوني الذي يكون تخلّفه موجباً للعقوبة من جهة القانون أو من جهة ظلمه ، فالظاهر كون القصاص على الآمر ; لأقوائيّة السبب بإنجرار التخلّف عن الأمر بالعقوبة ، وضعف المباشرة ;

ولو أكرهه على قطع إحدى اليدين فاختار إحداهما ، أو قطع يد أحد الرجلين فاختار أحدهما ، فليس عليه شيء ، وإنّما القصاص على المكره الآمر (57) .

(مسألة 38) : لو أكرهه على صعود شاهق فزلق رجله وسقط فمات ، فالظاهر أن عليه الدية لا القصاص ، بل الظاهر أنّ الأمر كذلك لو كان مثل الصعود موجباً للسقوط غالباً على إشكال (58) .

بالاضطرار والخوف فإنّه رافع لجميع الآثار إلاّ في الدم ; لعدم التقيّة فيه كما مرّ .

(57) لما مرّ في الفرع الأوّل من الفروع الثلاثة في المسألة ، وفي «اللثام» : «ولو قال : «اقطع يد هذا أو هذا وإلاّ قتلتك» ، فاختار المكرَه أحدهما ، ففي القصاص على المباشر إشكال ينشأ من تحقّق الإكراه على الآمر المردّد بينهما ، والأمر بالكلّي وإن لم يكن أمراً بجزئي من جزئيّاته تكليفاً كان أو إكراهاً . ولكن لا مخلص للمكره إلاّ بأحدهما ، فأ يّهما أقربه أتى فهو مكره عليه ، كما أنّ المكلّف بأيّ جزئي أتى من جزئيّات الواجب أتى بالواجب .

ومن عدم الإكراه على التعيين ، فبأ يّهما أتى صدق أ نّه غير مكره عليه . والأوّل أقوى كما في «التحرير»[275] ، وقوّى فيه القصاص على الآمر»[276] .

(58) في «اللثام» : «ولو أكرهه على صعود شجرة مثلاً فزلق رجله ومات وجب الضمان على المكرِه ، وهل عليه القصاص أو الدية ؟ استقرب الدية في «التحرير»[277] واستشكل في القصاص .

(مسألة 39) : لو شهد اثنان بما يوجب قتلاً كالارتداد مثلاً ، أو شهد أربعة بما يوجب رجماً كالزنا ، ثمّ ثبت أ نّهم شهدوا زوراً بعد إجراء الحدّ أو القصاص لم يضمن الحاكم ولا المأمور من قبله في الحدّ (59) ،

والتحقيق أ نّه إن كان الغالب في مثل هذا الإنسان إذا صعد مثل تلك الشجرة السقوط ، والغالب من السقوط الموت ، فالإكراه عليه كالإكراه على تناول السمّ ، وإلاّ فإن لم يقصد به القتل فلا إشكال في سقوط القصاص عنه ، وإن قصد فبناءً على ماتقدّم عليه القصاص ، ويحتمل الفرق بين فعل ما يقتل نادراً والإكراه عليه»[278] .

وجه احتمال الفرق لا بيّن ولا مبيّن ، بل الظاهر عدم الفرق ، فإنّ القصد سبب للعمد في أيّ فعل كان أو في الإكراه عليه ، فالمكرِه (بالكسر) بمنزلة المباشر في النسبة ، فكيف الفرق ؟ !

وبما ذكرناه ونقلناه من «اللثام» يظهر أنّ ما في المتن من الإشكال في القصاص في الصعود الموجب للسقوط في غير محلّه ; لأ نّه إن كان الغالب في مثل هذا الإنسان إذا صعد مثل تلك الشجرة السقوط غالباً والموت معه غالباً ، فالإكراه عليه كالإكراه على تناول ما يقتل بمثله غالباً ، فالضمان بالقصاص على السبب ; لأقوائيّته ، ولكون الفعل ممّا يقتل به غالباً على المفروض ، وإلاّ فإن لم يقصد به القتل فلا إشكال في عدم القصاص عنه ، كما أ نّه مع قصده القتل عليه القصاص ، ووجهه ظاهر .

(59) لعدم التقصير منهما ، وضعف المباشرة في المجرى بجهله .

وكان القود على الشهود زوراً مع ردّ الدية على حساب الشهود (60) .

(60) كما عليه النصوص والأخبار : ففي مرسل ابن محبوب عن أبي عبدالله(عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ، ثمّ رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل فقال : «إن قال الرابع : وهمت ، ضرب الحدّ وغرم الدية ، وإن قال : تعمدتُ ، قتل»[279] .

وفي خبر مسمع عن أبي عبدالله(عليه السلام) : «إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قضى في أربعة شهدوا على رجل أ نّهم رأوه مع امرأة يجامعها ، فيرجم ثمّ يرجع واحد منهم ، قال : يغرم ربع الدية إذا قال : شبّه عليّ ، فإن رجع اثنان وقالا : شبّه علينا ، غرما نصف الدية ، وإن رجعوا وقالوا : شبّه علينا غرموا الدية ، وإن قالوا : شهدنا بالزور ، قتلوا جميعاً»[280] .

وفي خبر الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن(عليه السلام) ، في أربعة شهدوا على رجل أ نّه زنى فرجم ثمّ رجعوا وقالوا : قد وهمنا : «يلزمون الدية ، وإن قالوا : إنّما تعمّدنا ، قتل أيّ الأربعة إن شاءَ وليّ المقتول وردّ الثلاثة ثلاثة أرباع الدية إلى أولياء المقتول الثاني ، ويُجلد الثلاثة كلّ واحد منهم ثمانين جلدة ، وإن شاء وليّ المقتول أن يقتلهم ردّ ثلاث ديات على أولياء الشهود الأربعة ويجلدون ثمانين كلّ واحد منهم ، ثمّ يقتلهم الإمام . . .»[281] .

إلى غير ذلك من النصوص .

ولو طلب الوليّ القصاص كذباً وشهد الشهود زوراً ، فهل القود عليهم جميعاً ، أو على الوليّ ، أو على الشهود ؟ وجوه ، أقربها الأخير (61) .

(61) وجه القود على الشهود والوليّ جميعاً هو كون الوليّ والشهود شركاء في الدم ، ووجه كونه على الوليّ الطالب أقربيّة الطلب إلى المباشرة من الشهادة ، ووجه كونه على الشهود كون الشهادة أقرب وأقوى من المباشرة في المباشر وكذا من الطلب للوليّ ، وأ نّها السبب في سببيّة الطلب ، فإن لم تكن الشهادة لم يكن الطلب من رأس .

هـذه هـي الوجـوه في المسألـة ، وأقربها كما في المتن الأخيـر ، فإنّ ما فـي الوجـه الأوّل مـن كونهم شركاء في الـدم ليس بأزيـد مـن ادّعاء ، وعـدم تماميتـه واضح .

وما في الثاني من الأقربيّة ، ففيه : عدم كونها دخيلة في القصاص ، وإنّما الدخيل النسبة والمباشرة وأقوائيّة السبب .

والأقوائيّة للشهادة ، بل كونها سبباً للطلب أيضاً ممّا لا يقربه الشكّ .

فرع : لو علم الوليّ بزور الشهود وباشر القصاص ، كان القصاص عليه دون الشهود ; لقصده إلى القتل العدواني من غير غرور ، فهو أقوى من السبب ولو لم يباشره .

فرع : لو أمر نائب الإمام(عليه السلام) العامّ أو الخاصّ بقتل من ثبت قتله بالبيّنة وهو يعلم فسق الشهود ، ففي «القواعد» و «شرحها» للأصبهاني : هو شبهة في حقّه من حيث إنّ مخالفة السلطان تثير فتنةً عظيمةً ، ومن كون القتل ظلماً في علمه . وفي

(مسألة 40) : لو جنى عليه فصيّره في حكم المذبوح ـ بحيث لا يبقى له حياة مستقرّة ـ فذبحه آخر فالقود على الأوّل ، وهو القاتل عمداً ، وعلى الثاني دية الجناية على الميّت ، ولو جنى عليه وكانت حياته مستقرّة فذبحه آخر فالقود على الثاني ، وعلى الأوّل حكم الجرح قصاصاً أو أرشاً ; سواء كان الجرح ممّا لايقتل مثله أو يقتل غالباً (62) .

الأخير : «فلو اعترف بعلمه فعليه القصاص ، إلاّ أن يعتذر بتلك الشبهة ، فيدرأ عنه ، ويثبت الدية»[282] .

قلت : لابدّ للعالم بفسقها إعلام الحاكم بذلك ، فإن قبل وردّ الحكم فبها ، وإلاّ فعليه الامتناع .

كما أنّ على الحاكم رفع التكليف عنه وإرجاع الأمر إلى غيره ، فإن فعل مع ذلك فعليه القصاص بلا إشكال ; لكون قتله ظلماً وعدواناً كما هو واضح .

وما فيهما من أنّ مخالفة السلطان تثير فتنة عظيمة ، ففيه : المخالفة مع إعلام العذر الموجّه لا تثير فتنةً ، فضلاً عن الفتنة العظيمة . هذا مع أ نّه كيف تكون الشبهة دارئة عن القصاص ، مع أ نّه حقّ الناس ؟ !

(62) ممّا ذكر في المتن يظهر حكم قتل المريض المشرف على الموت ، فإنّ القاتل ضامن قتله قوداً أو دية ، إلاّ أن لا تكون له حياة مستقرّة ، كما فيما كانت حياته بحركة كحركة المذبوح ، فلا قود ; لعدم صدق القتل عرفاً ، أو لانصراف أدلّته عن مثله ، وعليه ضمان الجرح على الميّت ; لأ نّه بحكمه .

(مسألة 41) : لو جرحه اثنان ، فاندمل جراحة أحدهما ، وسرت الاُخرى فمات ، فعلى من اندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها ، وعلى الثاني القود ، فهل يقتل بعد ردّ دية الجرح المندمل أم يقتل بلا ردّ ؟ فيه إشكال ; وإن كان الأقرب عدم الردّ (63) .

وفي «القواعد» : «ولو قتل مريضاً مشرفاً وجب القود»[283] ، وهو كذلك ; لصدق القتل عرفاً .

لكن في «كشف اللثام» : «وإن لم يكن بقيت له حياة مستقرّة لصدق القتل ، والفرق بينه وبين مَنْ جنى عليه جناية لم يبق له حياة مستقرّة وقوع جنايتين مضمونتين عليه ، وإنّما يوجب القصاص على أدخلهما فـي تلف النفس ; لأنّ المريض ربّما انتهى إلى مثل تلك الحالة ثمّ برئ للاشتراك ، نعم يصلح ضميمةً إلى ماقلنا»[284] .

وفيه : مع كون المفروض عدم استقرار الحياة على نحو ما عرفت ، لا وجه لاحتمال البرء مع تلك الحال ، كما لا يخفى . هذا كلّه فيما كان الفعلين مرتّبين واقعين على الطول ، وأ مّا لو فعلا معاً وكان فعل كلٍّ منهما مزهقاً فهما معاً قاتلان ، وكذا لو لم يكونا مزهقين ولكن مات بهما ، ولو كان أحدهما المزهق دون الآخر فهو القاتل .

(63) وجه الأقربيّة الاندمال وكون النفس بالنفس على الإطلاق .

(مسألة 42) : لو قطع أحد يده من الزند وآخر من المرفق فمات ، فإن كان قطع الأوّل بنحو بقيت سرايته بعد قطع الثاني ، كما لو كانت الآلة مسمومة وسرى السمّ في الدم ، وهلك به وبالقطع الثاني ، كان القود عليهما ، كما أ نّه لو كان القتل مستنداً إلى السمّ القاتل في القطع ، ولم يكن في القطع سراية ، كان الأوّل قاتلاً ، فالقود عليه (64) ،

(64) لأ نّه القاتل، كما أنّ القود عليهما في الفرع السابق على ذلك ; لاشتراكهما في القتل من جهة الهلاكة بالسمّ وبالقطع الثاني ، والاشتراك في مثل هذا ممّا لا كلام ولا إشكال فيه ، وإنّما الكلام والإشكال في الاشتراك إنّما يكون فيما إذا دخلت الأولى في الثانية ، كما لو قطع أحدهما يده من الكوع مثلاً وآخر ذراعه .

ففي «الشرائع»[285] تعرّضه للمسألة في الصورة السادسة من صور الاشتراك وذهابه إلى قتلهما به ; لأنّ سراية الأوّل لم تنقطع بالثاني بشياع ألمه قبل الثاني .

وفي «الجواهر» : «والاحتمال الآخر المقابل لذلك اختصاص القصاص بالثاني ; لانقطاع سراية الجرح الأوّل بالثاني ، لدخوله في ضمنه ، والألم السابق لم يبلغ حدّ القتل ، نعم يلحق الأوّل حكم جنايته خاصّة نحو ما لو جرحه شخص وأزهق نفسه آخر» .

ثمّ أورد عليه بقوله مزجاً بـ «الشرائع» : «وفيه أنّ ما نحن فيه ليس كذا ـ أي لو قطع واحد يده وقتله الآخر ـ ; لأنّ السراية انقطعت بالتعجيل للإزهاق ، بخلاف القطع من المرفق مثلاً ، فإنّ الروح معه باقية ، والألم الحادث على النفس والأعضاء الرئيسة باق من الجنايتين . وحاصل الفرق أنّ الجرحين إن كان

وإذا كان سراية القطع الأوّل انقطع بقطع الثاني كان الثاني قاتلاً (65) .

إهلاكهما بالسراية كالقطعين والاجافتين فالقود عليهما ، وإلاّ بل كان أحدهما القتل والآخر الجراحة السارية فالقود على القاتل ، وعلى الجارح الآخر القصاص في الطرف أو ديته»[286] .

ولا يخفى أنّ البحث كذلك ليس فقهيّاً ، بل موضوعيّاً محضاً ، ولابدّ فيه من مراجعة أهل الخبرة وغير ذلك من القرائن ونتركه لذلك . وأ مّا فقه المسألة ، فكما في المتن من التفصيل . هذا فيما علم الحال ، وأ مّا مع الشكّ في سراية الاُولى فليس على جارحها إلاّ ضمان الجناية ; لكونه معلوماً ومتيقّناً لا ضمان القتل ، فإنّه مشكوك مع أنّ باب الدماء باب الاحتياط .

(65) كما لايخفى ، فإنّ سراية الأوّل صار منقطعاً بقطع الثاني ، فكان الثاني هو القاتل فقط .