فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 42
نمايش فراداده

أدلّة القائلين بشرطيّة التساوي في الدين

إذا عرفت ذلك فنقول : استدلّوا على الشرطيّة بالكتاب والسنّة والإجماع :

الكتاب

أ مّا الكتاب فقوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)[524] ، والأصل في الاستدلال بالآية الشيخ في «الخلاف» : «لا يقتل مسلم بكافر ، سواء كان معاهداً أو مستأمناً أو حربيّاً ، وبه قال في الصحابة : علي(عليه السلام)وعمر وعثمان وزيد بن ثابت ، وفي التابعين : الحسن البصري وعطاء وعكرمة ، وفي الفقهاء : مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق ، وإليه ذهب أبو عبيد وأبو ثور ، وذهبت طائفة إلى أ نّه يقتل بالذمّي ولا يقتل بالمستأمن ولا بالحربي ، ذهب إليه الشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه . والمستأمن عند أبي حنيفة كالحربي .

دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضاً قوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ولم يفصّل . ومراد الآية : النهي لا الخبر ; لأ نّه لو كان المراد الخبر لكان كذباً»[525] .

ويرد على الاستدلال بالآية أنّ الظاهر كون النفي إخباراً لا إنشاءً ، وما استدلّ به(قدس سره) على الإنشائيّة باستلزام الإِخبار كذباً لوجود السبيل والسلطة منهم في الخارج في الأيام الماضية والحالية بل والمستقبلية ، ففيه : أنّ وزان الآية وزان قوله تعالى : (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسِكَ)[526] ، فكما أنّ الاختلاف في النسبة في الآية ليس بكذب ، مع أنّ الحسنة والسيئة كلاهما باعتبار العلّة الاُولى ومنشأ العلل من الله تعالى ، فإنّه لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله ، وباعتبار تحقّقهما بيد الإنسان واختياره وعمله فكلاهما من الإنسان ; لأنّ[527] النسبة في الحسنة باعتبار الأمر بها والتوفيق من الله تعالى فيها ، وهذا بخلاف السيئة ، فلا أمر من الله تعالى بها ولا توفيق منه إليها ، بل منه تعالى النهي عنها ، فكذلك الأمر في الآية ، فالإخبار بنفي السبيل إن كان على سبيل الإخبار عن التكوين وما هو الواقع في الخارج وعالم الحقيقة ، فلا شبهة في عدم كونه مراداً من الآية ; لاستلزامه الكذب لما ذكره (رحمه الله) .

أ مّا إن كان الإخبار بقوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) باعتبار عدم الأمر ، بل والنهي منه تعالى عن سبيلهم على المؤمنين بالمكر والحيلة بقولهم مع تربّصهم بالمؤمنين : (فَإن كَانَ لَكُمْ فَتحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَعَكُمْ) ، وبقولهم مع الكافرين إن كان لهم نصيب : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[528] ، فالمنفي هو السبيل بمعنى المكر والحيلة والنفي باعتبار عدم الأمر ، بل النهي منه ، مثل ما ذكرناه في اعتبار كون السيئة من أنفسهم حرفاً بحرف .

ولا يخفى أ نّه على هذا لا دلالة للآية على الحكم التشريعي والإنشائي من رأس ، لا حكماً مربوطاً بالمسألة ولا بغير المسألة ، فالآية ليست بأزيد من الإخبار .

وفي مناسبة صدر الآية مع ذيلها شهادة على ما ذكرناه من الظاهر والمراد منها كما لا يخفى ، فكما أنّ باب الصدر باب الإخبار عن الواقع لا الإنشاء والتشريع ، فكذلك الذيل ، هذا كلّه أوّلاً .

وثانياً : على تسليم الإنشائيّة والنهي عن سبيل الكفّار وضعاً وتكليفاً على المؤمنين ، فالاستدلال بالآية على شرطيّة التساوي غير تامّ أيضاً ، للاُمور التالية :

أ : بالنقض بمثل حدّ السرقة وغيره من الحدود والتعزيرات فيما لو كان السارق مسلماً والمسروق منه كافراً مثلاً ، فإن كان ثبوت القصاص على المسلم بقتله الكافر سبيلاً عليه كان منهياً عنه ومنفياً ، وكذلك حقّ حدّ السرقة ومطالبة الكافر المسلم من الحكومة سبيل أيضاً فلابدّ من عدمه .

وبباب الضمان فيما لو كان المضمون له كافراً والمضمون عليه مسلماً ضماناً قهريّاً أو جعليّاً ، فلابدّ من عدم الضمان من حيث نفي السبيل ، وبغيره من الموارد الكثيرة في الفقه ، فكما أنّ تلك الأحكام غير مشروطة بالمساواة من جهة نفي السبيل فكذلك الكلام في محل البحث ، وكيف كان الجواب فيها هو الجواب في المسألة .

ب : بالحلّ من حيث إنّه ليست القوانين المجعولة في شرع الإسلام وغيره لوصول الناس إلى حقوقهم عند العرف والعقلاء سبيلاً وسلطةً لمن له الحقّ على من عليه الحقّ أصلاً ، وإنّما السبيل والسلطة يكونان في موارد الظلم وعدم الحقّ ، فجعل الحقّ لأحدهما على الآخر في تلك الموارد ظلم وسبيل قطعاً ، كما هو واضح لمن يراجع الكتاب والسنّة والعرف والعقلاء ، فتدبّر جيّداً .

ج : على تسليم الشمول وصدق السبيل على القانون والشرع الموجب لوصول صاحب الحقّ إلى حقّه وكون قصاص المسلم بالكافر ، ففيه : أنّ الدليل أخصّ من المدّعى بوجهين :

أحدهما : أنّ الكافر ـ كما حقّقناه في مسائل متناثرة ـ أخصّ من غير المسلم ، فإنّه الساتر للإيمان ، وذلك لا يكون إلاّ مع علمه بالحقّ من التوحيد والنبوّة والمعاد وتقصيره في ذهابه إلى الخلاف والباطل ، وهذا ليس إلاّ في قليل من غير المسلمين .

ولتكن على ذكر من تلك الأخصيّة حتّى تفرّق في ترتّب الأحكام بين ما تكون لغير المسلم وما تكون للكافر ، والظاهر لمن يراجع الكتاب والسنّة أنّ الموضوع لغالب الأحكام المختصة بغير المسلمين كون الموضوع فيها الكفر ، فتدبّر جيّداً حتّى تعلم أنّ ما يكون موضوعاً في الإسلام للحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسية وغيرها هو الإنسان بما هو إنسان ، لا بما هو أهل العقيدة الحقّة والملّة الإسلاميّة ، ولا بما هو أهل اُمور اُخرى خارجة عن حقيقة الإنسانيّة ، وما ليس منها للكفّار بالمعنى المذكور فمن باب العقوبة والجزاء لشرّهم وعنادهم .

وهذا أمر صحيح عقلائي في كلّ الشرائع وواضح لكلّ عالم بحقوق البشر والإنسان ، ودونك عبارة «الفقيه» من الكتب الأربعة للمحدّث المتعبّد الخبير حتّى تطمئن بأنّ الإسلام دين الوحدة الإنسانيّة : «وأنّ الله عزّ وجلّ إنّما حرّم على الكفّار الميراث عقوبة لهم بكفرهم ، كما حرّمه على القاتل عقوبة لقتله»[529] .

ثانيهما : عدم جـريان الآيـة فيما لو كان الوارث للكافـر المقتول مسلماً ، فإنّ السبيل للمسلم على المسلم لا للكافر على الكافر ، ودعوى تماميّـة الاستدلال بعدم القول بالفصل بين ما كان الوليّ كافراً وبين ما كان مسلماً ، بأنّ القصاص ثابت في الكافر بالآية وفي المسلم بعدم القول بالفصل ، مدفوعة بعدم حجيّة الإجماع البسيط في مثل المسألة التي هي مصبّ الاجتهاد من الكتاب والسنّة ، فضلاً عن مركّبه .

د : مع الغضّ عن جميع ما مرّ من المحاذير الثلاثة وتسليم الدلالة فالآيـة غير تامّة في الاستدلال أيضاً ; لأنّ الآية ـ كحديث نفي الضرر وقاعـدة نفي الحـرج ـ ناظرة إلى السبيل من الله تعالى ، أي ما كان ناشئاً من حكمه تعالى ، لا الأعمّ منه وممّا كان بسبب المكلّف وإقدامه ، وقصاص المسلم بالكافر إنّما يكون بسبب قتله الكافر وإقدامه على القصاص .

وبالجملـة : كما أنّ قاعـدة نفي الحـرج والضرر منصرفان عـن المقدَمين (بفتح الدال) منهما ، فكذلك الآية منصرفة عن السبيل المقدَم كالقصاص مثلاً .