فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 49
نمايش فراداده

شرطيّة البلوغ أو التمييز في القصاص

وأ مّا البلوغ وهو الخامس منها على ترتيبه فنقول : شرطيّة التمييز ممّا لا كلام ولا بحث فيه أصلاً ، بل ضرورة العقل والعقلاء على شرطيّته ، وعدم القصاص على الصبي مع عدم تمييزه ، فإنّه ـ مع عدم التمييز ـ كالبهائم والجدران والآلات والأدوات الجمادات ، فكيف تصحّ نسبة القتل إليه ، وأ نّه قاتل ، وأنّ عليه القصاص ؟ !

وأ مّا شرطيّة البلوغ زائداً على التمييز والإدراك ففيها الخلاف :

ففي «الجواهر» : «البلوغ شرط في المشهور أيضاً ، بل عليه عامّة المتأخّرين ، بل نسبه بعض إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه ، بل عن «الغنية»[703] دعواه عليه صريحاً ، بل عن «الخلاف»[704] : عليه إجماع الفرقة وأخبارهم»[705] .

وفي «اللثام» بعد نقل ما رواه السكوني ، الدال على الاقتصاص إذا بلغ الغلام خمسة أشبار ، وعليه الدية ما لم يبلغ خمسة أشبار ، قال : «وعليه الشيخان والصدوق وجماعة»[706] ، وبعد نقله (رحمه الله) صحيح أبي بصير[707] قال : «فيحتمل أن يكون في غلام وامرأة علم أ نّهما تعمدا القتل ، وأنّ الغلام قد اُدرك ، وزعم السائل أ نّه لم يدرك ، وأ نّهما قتلاه خطأً»[708] .

وفي «الجواهر» : «ولكن في رواية مقطوعة ومرسلة في الكتب : يقتصّ من الصبي إذا بلغ عشراً ، وإن حُكي عن الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الاستبصار» الفتوى بمضمونها»[709] .

ولا يخفى أنّ المستفاد من عبارات «اللثام» مخالفة الشيخين والصدوق وجماعة في الصبي البالغ خمسة أشبار ، وأنّ عليه القصاص ، بل مخالفة الشيخ في «التهذيب» والصدوق في «الفقيه» والكليني في «الكافي» في عمد الغلام غير المدرك مطلقاً ، وأنّ في عمده القصاص[710] .

ومن عبارة «الجواهر» مخالفة الشيخ في كتبه الثلاثة بالنسبة إلى قصاص الصبي البالغ عشراً ، فالمسألة خلافيّة .

هذا كلّه في أقوال المسألة .

وأ مّا أدلّة الطرفين ، فقد استدلّ للمشهور بالأصل ، والاحتياط في الدماء ، وحديث رفع القلم[711] المجمع عليه ، كما عن «السرائر»[712] .

وخصوص قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم : «عمد الصبي وخطأه واحد»[713] وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمّار : «عمد الصبيان خطأ (يحمل على) العاقلة»[714] كقوله في المروي عن أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليه السلام)أ نّه كان يقول في المجنون والمعتوّه الذي لايفيق ، والصبي الذي لم يبلغ : «عمدهما خطأ تحمله العاقلة»[715] .

وفيه : الأصل والاحتياط لا محلّ لهما مع الدليل ولو على الوفاق ، فضلاً عن الخلاف ، فهما ليسا بدليل اصطلاحي قابل للمعارضة مع الدليل المخالف ، كما هو أوضح من أن يُبيّن .

وأ مّا حديث رفع القلم ، فمضافاً إلى عدم كونه بأزيد من عموم قابل للتخصيص ، أ نّه قد مرّ في الاستدلال به لشرطيّة العقل عدم كون القصاص مرفوعاً به بما هو هو ; لعدم كونه وضعاً على القاتل أوّلاً ، واحتمال اختصاصه بالتكليفيّات ثانياً ، بل غاية الأمر في الاستدلال به إنّما هو القول برفعه باعتبار رفع الحرمة ، وقد بدا لي الآن في الاستدلال به كذلك للمقام نظراً وإشكالاً ، حيث إنّ الحديث بما هو حديث امتنان لا يناسبه رفع التكليف والنهي في المحرّمات والمعاصي التي فيها مفاسدٌ عن الصبي ، وجعلها له مباحةً .

وهذا بخلاف التكاليف الواجبة ، فرفع التكليف فيها رفع مستلزم لعدم وجوب جلب المصلحة ، وذلك بخلاف رفع الحرمة ، حيث إنّه إذنٌ وإجازةٌ في جلب المفسدة ، وهو كما ترى غير مناسب في مقام التشريع من الحكيم الرؤوف اللطيف بعباده المحرّم للمحرمات ; ردعاً للناس عن الوقوع في المفاسد ونجاة لهم عن المهالك والخسران والخذلان في الدنيا والآخرة ، ومع أنّ الأحكام الشرعيّة ألطاف في الأحكام العقلية ، فضلاً عن مقام الامتنان فيه .

نعم ، شمول حديث الرفع لرفع قلم الحرمة عن المجنون أو الصبي غير المدرك قضاءً لإطلاقه لا بأس به ، ولا يتنافى مع الامتنان ; لعدم كون الحرمة بالنسبة إليهما زاجراً ومانعاً عن إرتكاب الحرام ودفع المفسدة ; لعدم التفاتهم وإدراكهم الحرمة والمفاسد المترتّبة عليها ، والعواقب اللازمة لها ، كما لا يخفى .

هذا مع ما في أخبار البلوغ من اشتراط الحدود التامّة به لا أصل الحدود ، وكذلك ما في مثل أخبار[716] سرقة الصبي من حَكّ أنامله وإدمائه وقطعه من التأييد ; لاختصاص الرفع بالواجبات وعدم شموله للمحرّمات ، كما لايخفى ، فراجعها .

وكيف كان ، فحديث رفع القلم ليس بأزيد من عموم وإطلاق قابل للتخصيص والتقييد .

وأ مّا صحيح ابن مسلم فعلى تسليم التنزيل في الآثار وإن كان مقتضى إطلاقه عدم القصاص في عمد الصبي كخطائه ، وكون ديته في العمد على عاقلته ، لكنّه ليس بأزيد من الإطلاق ، إلاّ أنّ الشأن مع ذلك في وجه التنزيل ، فمن المحتمل كون المراد : لا قيمة لأعماله ، بمعنى أ نّه كما لا قيمة لخطأ الصبي فكذلك الحال في عمده ، فلا قيمة لأفعاله وأقواله من حيث الحقوق المدنيّة ، فعقده وإيقاعه غير موجب للإلزام وترتيب الأثر ; لكونها فاقدة للقيمة ، فالصبي مسلوب العبارة والأفعال بذلك المعنى ، فالتنزيل في نفي القيمة وأنّ عمده كخطائه في ذلك .

ولعلّه إلى ذلك الإشارة والنصّ فيما يقال في شرائط المتعاملين : إنّ الصبي مسلوب العبارة ، فلا ارتباط للحديث بمسألة نفي القصاص وإثبات الدية على العاقلة من رأس . ومع هذا الاحتمال يبطل الاستدلال ، فضلاً عن القول بظهور الحديث في ذلك .

وأ مّا مثل خبر إسحاق بن عمّار ، فالظاهر أو المحتمل مع التوجّه إلى القواعد العقلائيّة في باب ضمان السبب إن كان أقوى من المباشر ، أن يكون مختصّاً بالصبيان الذين لم يكن لهم تمييز ولا إدراك ممّن تُنْتسب أعمالهم إلى أوليائهم ، ويكونون هم السبب الأقوى من المباشر عند العرف ، مثل ما مرّ في دية العاقلة في قتل المجنون .

وإن أبيتَ عن الفهم كذلك وجمدتَ على ظاهر الألفاظ فنقول : الإطلاق كذلك مخالف للكتاب والسنّة والقواعد ، فلابدّ من تقييد الحديث ، مثل ما مرّ من التقييد في حديث المجنون ، فتدبّر جيّداً .

وممّا ذكرناه يظهر عدم تمامية الاستدلال بخبر أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليه السلام) ، أ نّه كان يقول في المجنون والمعتوّه الذي لا يفيق والصبي الذي لم يبلغ : «عمدهما خطأ تحلمه العاقلة»[717] ، لأ نّه على تسليم إطلاقه ، وعدم انصرافه ـ بقرينة مقارنة الصبي مع المجنون ـ إلى الصبي غير المدرك المماثل للمجنون والمعتوه فإطلاقه غير حجّة ; للمخالفة مع الكتاب وقوله تعالى (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَى)[718] على ما مّر بيانه .

بل لك أن تقول : أنّ في الخبر بقرينة المقارنة شهادة على المراد من مثل خبر إسحاق بن عمّار كما لايخفى .