فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 50
نمايش فراداده

الاستدلال على عدم شرطيّة البلوغ وكفاية الإدراك والتمييز

وأ مّا ما يمكن أن يستدلّ به للقول بعدم شرطيّة البلوغ بما هو هو ، وكفاية الإدراك والتمييز ممّا يمكن حصوله بالبلوغ عشراً أو كون طوله خمسة أشبار أو بغيرهما وإن لم يحصل البلوغ الشرعي ، فوجوه :

أحدها : عمومات القصاص وإطلاقاته .

ثانيها : موثّق السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «في رجل وغلام اشتركا في ]قتل[ رجل فقتلاه ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إذا بلغ الغُلام خمسة أشبار اقتصّ منه ، وإذا لم يكن بلغ خمسة أشبار قضى بالدية»[719] .

والموثّق منقول في «الكافي» و «الفقيه» و «التهذيب» ، الكتب الثلاثة للمشايخ الثلاثة[720] .

وفي «اللثام» بعد نقله الموثّق قال : «وعليه الشيخان والصدوق وجماعة»[721] .

ثالثها : صحيح أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال سُئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلاً خطأً ، فقال : «إنّ خطأ المرأة والغلام عمد ، فإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما (ويردّوا على) أولياء الغلام خمسة الآف درهم ، وإن أحبّوا أن يقتلوا الغلام قتلوه وتردّ المرأة على أولياء الغلام ربع الدية ، (وإن أحبّ أولياء المقتول أن يقتلوا المرأة قتلوها ويردّ الغلام على أولياء المرأة ربع الدية)» ، قال : «وإن أحبّ أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية ، وعلى المرأة نصف الدية»[722] .

ومن المعلوم أنّ المراد من خطأ الغلام والمرأة ليس معناه الاصطلاحي الذي ليس فيه القصاص بالكتاب والسنّة والضرورة العقليّة والعقلائيّة ، بل والفقه ، بل والدين ; لكون الصحيح على ذلك مخالفاً للضرورة وهو كما ترى ، بل المراد منه الخطأ بنظر العرف وبالنسبة إلى الرجل الكامل البالغ ، حيث إنّ العرف لا سيّما في مثل زمان السؤال والرواية يرى الغفلة والجهالة في النساء والغلمان أكثر من الرجال ، فالتعبير بالخطأ نسبي لا حقيقي .

هذا مع ما ذكره الشيخ (رحمه الله) من حمل الصحيح وكذا صحيح الكناسي في قتل العبد والمرأة ، ممّا يكون مثله على كونهما في مقام الردّ على ما يعتقده بعض المخالفين من العامّة بعد بيان مخالفتهما للكتاب وأ نّهما غير حجّة ، ففي «التهذيب» بعد نقلهما قال ما هذا لفظه :

«قال محمّد بن الحسن : قد أوردتُ هاتين الروايتين لما تتضمنان مـن أحكام قتل العمد ، فأ مّا قوله في الخبر الأوّل : (إنّ خطأ المرأة والعبد عمدٌ) ، وفـي الرواية الاُخرى : (إنّ خطأ المرأة والغلام عمد) فهذا مخالف لقول الله تعالى ; لأنّ الله حكم في قتل الخطأ الدية دون القود ، فلا يجوز أن يكون الخطأ عمداً ، كما لايجوز أن يكون العمد خطأً إلاّ فيمن ليس بمكلّف ، مثل المجانين والذين ليسوا عقلاء .

وأيضاً قدّمنا من الأخبار ما يدلّ على أنّ العبد إذا قتل خطأ سُلّم إلى أولياء المقتول أو يفتديه مولاه ، وليس لهم قتله . وكذلك قد بيّنا أنّ الصبي إذا لم يبلغ فإنّ عمده خطأ ، وتتحمّل الدية عاقلته . فكيف يجـوز أن نقول في هـذه الروايـة : إنّ خطأه عمد ؟

وإذا كان الخبران على ما قلناه من الاختلاط ، لم ينبغِ أن يكون العمل عليهما فيما يتعلّق بأن يجعل الخطأ عمداً ، على أ نّه يشبه أن يكون الوجه في أنّ خطأهما عمد ، هو ما يعتقده بعض مخالفينا أ نّه خطأ ; لأنّ منهم من يقول : إنّ كلّ من يقتل بغير حديدة فإنّ قتله خطأ . وقد بيّنا نحن خلاف ذلك ، وأنّ القتل بأيّ شيء كان إذا قصد كان عمداً ، ويكون القول في قوله (عليه السلام) : (غلام لم يدرك) المراد به لم يدرك حدّ الكمال ; لأ نّا قد بيّنا أ نّه إذا بلغ خمسة أشبار اقتصّ منه»[723] .

رابعها : المقطوعة المرسلة المنقولة في طائفة من الكتب على ما في «اللثام» : «وروي أ نّه يُقتصّ من الصبي إذا بلغ عشراً ، كذا في طائفة من الكتب حكيت الرواية مرسلة مقطوعة ، وأفتى بمضمونها الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الاستبصار» ، ولم نظفر بها مسندة»[724] .

وفي «الجواهر» بعد ذكره مثل ما ذكره اللثام قال : «نعم ، النصوص المسندة بجواز طلاقه ووصاياه وإقامة الحدود عليه موجودة ، ولعلّ من رواها أراد هذه النصوص بإدخال القصاص في الحدود ، أو أ نّه مبني على ما تضمّنته على ثبوت البلوغ بذلك ، ولا فرق بينه وبين القصاص ، وكيف كان فلم نقف عليها بالخصوص .

نعم ، في المروي عن سليمان بن حفص والحسن بن راشد عن العسكري (عليه السلام) : (أ نّه إذا بلغ ثمان سنين فجائز أمره في ماله ، وقد وجبت عليه الفرائض والحدود)[725] ولم نجد به عاملاً»[726] .

وهذه الوجوه تامّة كافية للقول بعدم الشرطيّة ، والإرسال والقطع في الوجه الرابع غير مضرّ بحجّيته ; لما عرفت من كونها منقولة في كتب الجماعة ، وفتوى الشيخ بمضمونها في كتبه الثلاثة[727] لا سيّما «النهاية» التي هي متون الأخبار .

هذا مع أنّ في البقية كفاية ، والرابع وإن لم يكن حجّةً ودليلاً فلا أقلّ من كونه مؤ يّداً للبقية ، وما ذكره الشيخ من المحمل لصحيح أبي بصير غير مناف للاستدلال به ; لعدم شرطيّة البلوغ إن لم نقل بمناسبته مع عدمها ، كما لا يخفى .

وما في «الجواهر» من احتماله كون المبنى فيما تضمّنته النصوص المسندة «على ثبوت البلوغ بذلك ولا فرق بينه وبين القصاص» . ففيه : أ نّه احتمال تبرّعي لا دليل عليه ، بل الظاهر من تلك الأخبار كون البلوغ إلى عشرة مثلاً طريقاً للإدراك والتمييز الكافي في مواردها من الوصيّة والطلاق والقصاص وإقامة الحدود التامّة ، لا أ نّه أمارة على البلوغ .

وبالجملة : الظاهر منها طريقيّة ذلك القدر من العمر للكشف عن الإدراك والتمييز ، لا أماريّته على البلوغ الشرعي ، فتأ مّل جيّداً .

فتلخّص من جميع ما ذكرناه كفاية التمييز في القصاص ، وعدم شرطيّة البلوغ فيه ; قضاءً لإطلاقات القصاص وعموماته والأخبار الخاصّة من الصحيحة والموثّقة والمرسلة المقطوعة .

وبما أنّ المسألة من المسائل المهمّة التي جرّت صاحب «الجواهر» إلى نسبة الخرافة إلى ما في «مجمع الفائدة والبرهان» ، فيما ذكره (رحمه الله) وجهاً للترديد في شرطيّة البلوغ ، بل في ميله إلى عدمه مطلقاً ، فيما ذكره (رحمه الله) من احتمال الجمع بين النصوص بحمل ما دلّ على الاقتصاص منه في صورة القصد ، وحمل ما دلّ على عدمه على صورة عدم القصد ، فينبغي بل لابدّ من نقل ما في «الجواهر» في المقام وذكر بعد ذكره «فمن الغريب» ما فيه من النقض والإبرام ، ففيه :

«وعلى كلّ حال فالوجه أنّ عمد الصبي خطأ محض يلزم أرشه العاقلة حتّى يبلغ الصبي خمس عشرة سنة ، وفاقاً لمن عرفت ، لما سمعت ، بل في «المسالك» : (هذه الروايات مع ضعف سندها شاذة مخالفة للاُصول الممهّدة ، بل لما أجمع عليه المسلمون إلاّ مَن شذّ ، فلا يلتفت إليها)[728] .

كلّ ذلك مضافاً إلى ما مرّ في الحجر من النصّ والفتوى على عدم حصول البلوغ ، إلاّ بأماراته المعلومة التي يمكن حمل خبر السكوني[729] على ما إذا وجد أحدها مع الخمسة ، بل وخبر العشر وإن كان نادراً ، بل هي كافية في ردّه إن كان مراد القائل تحقّق البلوغ بالعشر وبالخمسة أشبار ، ضرورة قصورها عن تخصيصها بها من وجوه . وإن كان المراد أ نّه صبي يُقتصّ منه ، فقد عرفت قصورها عن تقييد ما دلّ على أنّ عمده خطأٌ[730] من وجوه .

فمن الغريب وسوسة الأردبيلي[731] في الحكم المزبور من تخصيص القرآن الكريم والأخبار المتواترة بالإجماع وأخبار الآحاد ، مع أنّ بناء الفقه عليه ، ومن احتمال اختصاص حديث رفع القلم بغير القصاص الذي قد يقال : إنّه من القلم الوضعي الذي لم يرفع عن الصبيان ، ولذا يضمن لو أتلف مال الغير ، ومن احتمال الجمع بين النصوص بحمل ما دلّ على الاقتصاص منه في صورة القصد ، وحمـل ما دلّ على عدمـه على صورة عدم القصد ، والكلّ كما ترى ، كاد يكون خرافة بعدما عرفت .

وأغرب من ذلك أ نّه غير موافق لما هو المعلوم من احتياطه وتقدّسه المانعين من التهجّم على الدماء بمثل ذلك ، خصوصاً بعد عدم الموافق له على ما ذكره من القصاص من الصبي مطلقاً .

نعم ، في «كشف اللثام» : (أطلق ابن زهرة أنّ ظاهر القرآن الاقتصاص من الصغير)[732] ، والموجود في غنيته : (ومنها ـ أي شروط القصاص ـ أن يكون القاتل بالغاً كامل العقل ، فإنّ حكم العمد ممّن ليست هذه حالة حكم الخطأ بدليل إجماع الطائفة ، ومنها : أن لا يكون المقتول مجنوناً بلا خلاف ، ومنها : أن لا يكون صغيراً على خلاف بينهم ، وظاهر القرآن يقتضي الاستقادة به)[733] ، ونحوها عن عبارة «السرائر»[734] ، وهما صريحان في خلاف ذلك ، وإنّما استند إلى ظاهر القرآن فيما إذا قتله البالغ ، لا فيما إذا قتل غيره .

وأ مّا صحيح أبي بصير[735] ـ المتقدّم في مسألة اشتراك الرجل والمرأة في القتل ، المتضمّن أنّ خطأالمرأة والغلام عمد جواب السؤال عن الغلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلاً ـ فهو محمول على قضية في واقعة يعلم الإمام (عليه السلام) حالها ، وأنّ الغلام فيها مدرك ، وأ نّهما تعمّدا القتل ، أو غير ذلك .

وبالجملة : فالمسألة خالية من الإشكال على وجه لايشكلها أمثال هذه النصوص المحتملة وجوهاً عديدة مع شذوذها والإعراض عنها»[736] . انتهى كلامه رفع في الخلد مقام من سبقه المقدّس الأردبيلي ومقامه .

وفيه موارد للإشكال والمناقشة :

أحدها : تسليمه تماميّة ما في «المسالك» من نسبة الروايات إلى الضعف وغيره ، مع عدم تماميّة النسبة في جلّها بل في كلّها لا سيّما الأخير منها . ففي تلك الأخبار رواية السكوني وهي موثّقة على التحقيق ، ورواية أبي بصير وهي صحيحة .

وأ مّا نسبة الشذوذ إليها مع ما في «اللثام» من حكاية العمل بالموثّقة عن الشيخين والصدوق وجماعة ، ومع ما في «المسالك» حكاية عمل الصدوق والمفيد كما ترى .

وأ مّا المخالفة مع الاُصول الممهّدة ، فتلك الاُصول غير بيّنة ولا مبيّنة في كلامه ، فكيف يصح الحكم والإذعان الجزمي بالمخالفة ؟ فتأ مّل .

ثانيها : ما في كلامه من حمل خبر السكوني ، بل وخبر العشر ، على ما إذا وجد معهما إحدى أمارات البلوغ وعلائمه وإن كان نادراً ، ففيه : أ نّه حمل تبرّعي بعيد جدّاً ; لعدم الخصوصيّة لهما في ذلك ، فإنّه على ذلك ، تلك الأمارات والعلائم أمارات البلوغ وعلائمه كلّما تحقّقت كانت مع خمسة أشبار أو مضي عشر سنين ، أو لم تكن معهما مثل ما كانت مع ثلاثة أشبار أو مضي سبع سنين من عمره مثلاً ، فما في خبر السكوني وخبر العشر لاخصوصيّة لهما ، ولم يبق لمثل قوله(عليه السلام) : «واذا لم يكن يبلغ خمسة أشبار قضى بالدية» معناً موجّهاً كما لايخفى .

وبالجملة : على ما ذكره (رحمه الله) من الحمل لاخصوصيّة لما في الخبرين ، وذلك مخالف للظاهر جدّاً ، فإنّ الظاهر عرفاً في القيود المأخوذة لاسيّما العدد منها القيديّة والخصوصيّة ، واللازم في حمله (رحمه الله) عدمها ، وهو كما ترى .

ثالثها : ما فيه من قصور تلك الأخبار ; لتقييد ما دلّ على أنّ عمد الصبي خطأ من وجوه ، ففيه : أ نّها قابلة للتقييد كما بيّناه على تسليم دلالته على أنّ عمده في القتل خطأ ، لكنّه قد مرّ منع دلالته على ذلك وحقّقناه بما لامزيد عليه ، فلا تغفل وكن على ذكر ممّا ذكرناه يفيدك في غير واحد من الموارد .

رابعها : ما فيه بعد نقل ما كان سبباً لوسوسة الأردبيلي (قدس سره) في الحكم المزبور من قوله : «والكلّ كما ترى» ، وفيه : أنّ مراجعة «المجمع» والدقّة في عباراته قاضية وحاكمة بما في مطالبه من الدقّة والمتانة المختصّة به ، وكم له (رحمه الله)في ذلك الكتاب من المطالب الدقيقة الموجبة للفتاوى النادرة المطابقة مع الكتاب والسنّة القائمة ، فجزاه الله عن الإسلام خيراً وحشرنا الله معه ، ومع مثل صاحب «الجواهر» من العلماء المحقّقين ، ومع مثل سيّدنا الاُستاذ الإمام ـ سلام الله عليه ـ من الفقهاء المتّقين الموفّقين ، آمين ربّ العالمين .

(مسألة 1) : لو قتل عاقل ثمّ خولط وذهب عقله لم يسقط عنه القود (44) ;

خامسها : ما ذكره بقوله : «فهو ]أي صحيح أبي بصير[ محمول على قضيّة في واقعة يعلم الإمام (عليه السلام) . . . » إلى آخره ، ففيه : أنّ الحمل كذلك حمل لما هو كالصريح أو الصريح ، ففيه : «سُئل عن غلام لم يدرك» ، فمع التصريح بقوله : «لم يدرك» كيف يُحمل على أنّ الغلام فيها مدرك ؟ ! وهذا مع أنّ مقتضى عموم الكبرى الكلّية فيها ، وهو قوله (عليه السلام) «خطأ المرأة والغلام» أ نّها بيان لضابطة كلّية ، ولا يضرّها القول بكون مورد السؤال قضيّةً شخصيّةً ، فتدبّر جيّداً ، ووكّل الأمر في القضاء بين هذين العلمين في أزيد من ذلك إلى الله العالم الخبير ، وفيما ذكرناه لنا كفاية .

(44) بلا خلاف فيه إلاّ من العامّة ، حيث منع بعضهم من الاقتصاص حال الجنون ، وآخرون حيث قالوا : إن جَنّ حين قُدّم للقصاص اقتُصّ منه ، وإن جَنّ قبله لم يقتصّ منه .

والدليل على القصاص إطلاقاته وعموماته ، وخبر بريد بن معاوية العجلي ، قال : سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً عمداً فلم يقم عليه الحدّ ولم تصح الشهادة عليه حتّى خولط وذهب عقله ، ثمّ إنّ قوماً آخرين شهدوا عليه بعدما خولط أ نّه قتله ؟ فقال : «إن شهدوا عليه أ نّه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علّة من فساد عقل قتل به ، وإن لم يشهدوا عليه بذلك ، وكان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل ، وإن لم يكن له مال اُعطي الدية من بيت المال ، ولا يبطل دم امرء مسلم»[737] .

سواء ثبت القتل بالبيّنة أو بإقراره حال صحّته (45) .

(مسألة 2) : لايشترط الرشد بالمعنى المعهود في القصاص (46) ، فلو قتل بالغ غير رشيد فعليه القود .

وضعف الحديث بجهالة خضر الصيرفي منجبر بعمل الأصحاب وبموافقته مع الكتاب والسنّة والعقل ، وبكونه منقولاً عن المشايخ الثلاثة في «الفقيه»[738] و «الكافي»[739] و «التهذيب»[740] من الكتب الأربعة المعتمدة ، كما لا يخفى .

والاستدلال بالأصل ، بمعنى الاستصحاب غير تامّ ; لكون الشبهة حكميّة ، وفي العمومات والإطلاقات كفاية ، ولا احتياج إلى الأصل ولا إلى خبر بريد أيضاً وإن كان حجّة ، كما مرّ .

وفي خلاف العامّة مع ما ذكر من الدليل ما ترى .

(45) قضاءً للإطلاق ، وإنّما السقوط بإسقاط الوليّ ، وهذا بخلاف الرجم الثابت بالزنا ، فإنّه لو ثبت الزنا الموجب له بالإقرار ثمّ جَنّ لم يرجم ; لدرئ الحدود بالشبهة ، ولكون البناء فيها على التخفيف ، ولسقوطه بإنكاره إقراره الرجم ـ أي بالإنكار بعد الإقرار ـ بأن يقول : ما أقررتُ أو كان إقراري فاسداً .

(46) في «الجواهر» : «نعم ما عن «التحرير»[741] من اشتراط الرشد مع البلوغ لا وجه له ، إلاّ أن يريد به كمال العقل لا الرشد بالمعنى المصطلح ، والله العالم»[742] .

ونفيه الوجه له باعتبار عدم الدليل عليه في القصاص ، بل إطلاقات القصاص دليل على عدم الشرطيّة ، وذلك بخلاف باب العقود والأموال ممّا دلّ الكتاب على اشتراط الرشد فيه .

هذا ، ولكن القول باعتباره وِفاقاً لـ «التحرير» لا يخلو من قوة وتحقيق ، وتوضيح ذلك يتوقّف على بيان أمرين :

أحدهما : أنّ الرشد في كلّ أمر من الاُمور مقابل للسفاهة فيه ، فالرشد في التجارة مقابل للسفاهة فيها ، وفي النكاح للسفاهة فيه ، وهكذا في بقيّة الاُمور ، فإنّه ليس للرشد إلاّ معنى واحد ومفهوم واحد مقابل للسفاهة ، وذلك المفهوم تختلف مصاديقه باختلاف الموارد ، كما هو أوضح من أن يُبيّن .

ثانيهما : أنّ العلّة في القصاص على ما في كتاب الله تعالى الحياة للمجتمع ، (وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيـوةٌ يَا أُولِي الاَْلْبَابِ)[743] ; وذلك لكون القصاص مانعاً لمريد القتل من القتل ; خوفاً منه ، فالعلّة في الحقيقة خوف المريد للقتل من القصاص ، ومن المعلوم في تحقّق الحياة ، والعلّة لزوم كون القاتل مدركاً لعواقب قتله وقصاصه به ، وإلاّ فمع عدم إدراكه ذلك لا يكون القصاص مانعاً ورادعاً ، ولا تكون العلّة التي يدور الحكم مدارها متحقّقة .

وعلى هذا ، فلا قصاص مع عدم ذلك الإدراك من القاتل ; لعدم العلّة ، والمعلول يدور مدارها وجوداً وكمّيةً وكيفيّة ، كما لا يخفى .

(مسألة 3) : لو اختلف الوليّ والجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته ، فقال الوليّ : «قتلته حال بلوغك أو عقلك» فأنكره الجاني ، فالقول قول الجاني بيمينه . ولكن تثبت الدية في مالهما بإقرارهما لا العاقلة ; من غير فرق بين الجهل بتاريخهما أو بتاريخ أحدهما دون الآخر . هذا في فرض الاختلاف في البلوغ . وأ مّا في الاختلاف في عروض الجنون ، فيمكن الفرق بين ما إذا كان القتل معلوم التاريخ ، وشكّ في تاريخ عروض الجنون ، فالقول قول الوليّ ، وبين سائر الصور فالقول قول الجاني ، ولو لم يعهد للقاتل حال جنون فالظاهر أنّ القول قول الوليّ أيضاً (47) .

إذا عرفت الأمرين فنقول :

إنّ القاتل السفيه وغير الرشيد في القتل وعواقبه ، بمعنى عدم إدراكه ، وعدم التفاته إلى عقوبة القصاص ، وبمعنى أنّ إدراكه ليس بأزيد من كون القتل عمداً مذموماً ، جزاؤه عدد من الضربات والجلدات ، ليس في قصاصه حياة ولا سببيّة ، لخوف أمثاله من القتل ; لأ نّهم غير ملتفتين إلى القصاص ، ولا يصير القصاص سبباً لخوفهم من القتل ، فعلّة القصاص ـ أي الحياة ـ غير متحقّقة في قصاصهم ، فلابدّ من عدم المعلول ، أي عدم جواز القصاص ، ولعلّ ذلك مراد «الشرائع»[744] من كمال العقل في عبارته ، فتدبّر جيّداً .

(47) ما ذكره وبيّنه في المسألة تامّ وواضح ، وغير محتاج إلى الشرح .

نعم ، ما فيه من إمكان الفرق في فرض الاختلاف في عروض الجنون لا بيّن ولا مبيّن ، فالحقّ عدم الفرق بينه وبين بقيّة الفروض ، فتدبّر جيّداً .

(مسألة 4) : لو ادّعى الجاني صغره فعلاً وكان ممكناً في حقّه ، فإن أمكن إثبات بلوغه فهو ، وإلاّ فالقول قوله بلا يمين ، ولا أثر لإقراره بالقتل ، إلاّ بعد زمان العلم ببلوغه وبقائه على الإقرار به .

(مسألة 5) : لو قتل البالغ الصبي قتل به على الأشبه (48) ;