فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 51
نمايش فراداده

قصاص القاتل بقتل الصبي

(48) بل هو المشهور نقلاً وتحصيلاً ، وفي «الجواهر»[745] وفي «المسالك»[746] : هو المذهب ، وفي محكي «السرائر»[747] : هو الأظهر بين أصحابنا ، والمعمول عليه عند المحصّلين منهم ، بل لم أجد فيه خلافاً بين المتأخّرين من الأصحاب ولا بين قدمائهم ، عدا ما يحكى عن أبي الصلاح الحلبي[748] من عدم قتله به . وعليه ، فعدم كون المقتول صبيّاً يكون من الشرائط عنده ، كعدم كونه مجنوناً .

وكيف كان ، فحجّة المشهور عمومات القصاص وإطلاقاته كتاباً وسنةً ، وخصوص مرسل ابن فضّال ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كلّ من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أن يتعمّد فعليه القود»[749] . وضعفه منجبر بما عرفت من الشهرة وغيرها .

وحجّة الخلاف عموم الموصول فيما يكون بمنزلة العلّة في صحيح أبي بصير ـ أي المرادي ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً مجنوناً ، فقال : «إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه ]فقتله[ فلا شيء عليه من قود ولا دية ، ويعطي ورثته ديته من بيت مال المسلمين» ، قال : «وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يُقاد منه ، وأرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون ويستغفر الله ويتوب إليه»[750] .

قوله (عليه السلام) : «فلا قود لمَن لا يُقاد منه» موصوله عامّ شامل لجميع مصاديقه ، وتكون الجملة بياناً لضابطة كلّية ، وخصوصيّة المورد غير مضرّة بالإطلاق إن لم تكن مؤ يّدة له ، كما حقّقناه في محلّه ، فإنّ في إعراضه (عليه السلام) عن الجواب المختصّ بمورد السؤال بالجواب عنه على العموم والإطلاق شهادة على العموميّة ، وأنّ غرضه (عليه السلام) من الجواب بيان ضابطة كلّية ، كما لا يخفى .

لا يقال : عموم الموصول في الصحيح غير قابل للأخذ ولابدّ من الاقتصار على مورد السؤال فيه ; لاستلزامه التخصيص الأكثر استهجاناً ، فإنّه يقتل الكافر بالمسلم والعبد بالحرّ والابن بالأب ، واللازم من العموم في الموصول عدم القتل بعكس الجميع ، كما لايخفى ، فقتلهم فيه لابدّ من كونه تخصيصاً لذلك العموم ، ويكون لكثرته تخصيصاً مستهجناً .

لأ نّه يقال : على تسليم كون باب الإطلاق كالعموم في الاستهجان ، وعلى تسليم كون التخصيص في تلك الموارد من الكثرة بمرتبة الاستهجان ، تلك الموارد خارجة عن العموم تخصّصاً لاتخصيصاً ; وذلك لأنّ المراد من الموصول المنفي فيه القود القود المطلق لا القود الخاصّ بنوع من الأنواع ، حيث إنّ المنفي ماهية القود وطبيعته ، وانتفاء الطبيعة بانتفاء جميع الأفراد ، كما لا يخفى .

وعدم القود في قتل الكافر مختصّ بما كان القاتل مسلماً ، وكذلك الأمر في العبد والابن ، كما يظهر بالدقّة . وهذا بخلاف عدم القود في قتل الصبي أو المجنون فإنّه غير مختصّ بنوع من القتلة ، بل حكم عامّ لمطلق من قتلهما .

وبما ذكرناه يظهر ضعف ما في «اللثام» فإنّه بعد نقله خلاف الحلبي قال : «ولم نظفر له بمستند ، والحمل على المجنون قياس ، ولا دليل على أ نّه لا يقتصّ من الكامل للناقص»[751] .

وضعفه ظاهر ممّا ذكرناه ، فلا نعيده ، فإنّ المستند صحيح أبي بصير وفيه الكفاية ، ومعه لا حاجة إلى القياس .

لا يقال : الصحيح معارض بمرسل ابن فضّال ، فعمومات القصاص وإطلاقاته في محلّها وتكون محكّمة ; لتساقط الخبرين بالتعارض .

لأ نّه يقال : المرسل غير مكافئ الصحيح من جهة الإرسال تارة ، والاختلال في المتن اُخرى ، حيث إنّ التعبير عن الإنسان بالشيء بعيد وغير مأنوس في المكالمات ، وأنّ الصغير أعمّ من غير البالغ ثالثاً ، ومن الاختلاف في نقل «الفقيه»[752] مع «التهذيب»[753] رابعاً ، ففيه : وفي رواية ابن بكير قال : قال أبوعبدالله (عليه السلام) : «كلّ من قتل بشيء صغير أو كبير بعد أن يتعمّد فعليه القود»[754] .

ومن المحتمل بل الظاهر ـ كما فهمه المجلسي الأوّل في «روضة المتقين»[755] ـ كون الصغير والكبير صفة للشيء ، فيكون مضمونه عدم الفرق في قتل العمد بين أن تكون الآلة كبيرة قتّالة أو صغيرة غير قتّالة ، كالحجر الصغير ، والترجيح مع نقل «الفقيه» ، وأنّ في نقل «التهذيب» حصل غلط ، وإلاّ فالشيء مجرور بالباء ، وكأنّ الصغير والكبير مجروران وصفتان له ، فعلى هذا لا ارتباط للحديث بمحلّ البحث ، كما إنّه واضح .

ثمّ إنّه لما كان المختار عدم القود للصغير إذا لم يكن مميّزاً ، فعدم قتل البالغ به مختصّ بالصبي إذا كان غير مميّز ، كما لا يخفى ، فإنّه صغرى ; لعموم «لا قود لمن لايقاد منه» ، نعم على المعروف من عدم القود في الصبي مطلقاً ، فعدم قتل البالغ به يكون في مطلق الصبي ، فإنّه الصغرى لتلك الكبرى على ذلك المبنى ، كما لا يخفى .

وفي «مجمع الفائدة والبرهان» : «قوله : (ويقتل البالغ . . . إلى آخره) دليل قتل البالغ بغير البالغ عموم الكتاب ، والسنّة[756] ، والإجماع الدالّ على وجوب قصاص النفس بالنفس ، من غير مخصّص صريح في إخراج قتل البالغ الصبي من العقل والنقل ، وليس عدم تكليفه مانعاً ، وهو ظاهر .

وما في صحيحة أبي بصير المتقدّمة (فلا قود لمن لايُقاد منه) عامّ لم يصلح مخصّصاً ; لعموم ذلك كلّه ، لما تقدّم من أنّ الخبر الواحد الصحيح إن سُلّم التخصيص به إنّما يُخصّص إذا كان خاصّاً صريحاً دلالته يقينياً لا ظنيّاً ، وظاهر أ نّه ليس هنا كذلك ، فإنّه يُحتمل أن يكون مخصوصاً بالمجنون .

ويؤ يّده أنّ البحث في المجنون في لزوم الدية في ماله ، وهو قوله (عليه السلام) : (وأرى أنّ على عاقلته[757] الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون) ، على أنّ أبا بصير مشترك ، فتأ مّل»[758] .

وفيه : أنّ الخبر الواحد بما هو حجّة مخصّص لعموم الكتاب الذي هو حجّة مثله ، من دون الفرق بين النصّ والظهور ، وكيف الفرق مع بناء العقلاء على تخصيص العامّ بالخاصّ مطلقاً ؟ ! وكيف الفرق مع أنّ سيرة الفقهاء على التخصيص مطلقاً ؟ !

اللهمّ إلاّ أن يقال بأ نّه ليس مراده من التفصيل التفصيل بين الظنّ واليقين في تخصيص العامّ الكتابي بعدم جوازه بالأوّل دون الثاني ، حتّى يرد عليه ما ذكرت من عدم الفرق ووجود السيرة ، بل إنّما يكون تفصيله بين اليقين والظنّ في تخصيص مثل عمومات القصاص في الكتاب ممّا تكون كثيرة محكمة ، فإنّ الاكتفاء وإن كان في تخصيصه بالظنّ حجّة في نفسه غير صحيح ; لعدم إحراز بناء العقلاء في التخصيص كذلك فضلاً عن إحراز عدمه ، كما مرّ تحقيقه في أمثال المورد .

هذا كلّه مع أنّ ظهور الموصول في العموم غير ثابت مع اختصاص الإمام(عليه السلام) البحث بعده بالمجنون بقوله(عليه السلام) : «وأرى أنّ على قاتله الديه في ماله

وإن كان الاحتياط أن لايختار وليّ المقتول قتله ، بل يصالح عنه بالدية (49) ، ولايقتل العاقل بالمجنون وإن كان أدواريّاً مع كون القتل حال جنونه (50) ،

يدفعها إلى ورثة المجنون» ، فإن كان الموصول عامّاً كان الأنسب بل المتعيّن له(عليه السلام) بيان الحكم على نحو الكلّي بأن يقول : وأرى أنّ على قاتل من لايقاد منه الديه في ماله يدفعها إلى ورثة المقتول .

وكيف كان فتخصيصه(عليه السلام) المجنون بالذكر في التفريع على الكبرى الكلّي و «من» الموصولة ، إن لم يكن قرينة على عدم العموم في الموصول ، فلا أقلّ من كونه صالحاً للقرينيّة ولاحتمال الاختصاص في الموصول ، ومعه لايتمّ الاستدلال ، فإنّه إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال .

فما في المتن «من كون قتل البالغ بالصبي هو «الأشبه» تامّ وفي محلّه ; لكونه موافقاً مع القواعد والعمومات ، حتّى على المعروف بين الأصحاب من شرطيّة البلوغ في القصاص ، فضلاً عمّا هو المختار من عدم شرطيّته ، وإنّما الشرط التمييز . والموصول في صحيح أبي بصير لم يثبت ظهوره في العموم حتّى يكون مخصّصاً لهما على الإطلاق على المبنى المعروف بين الأصحاب ، وهو عدم القصاص للصغير وغير البالغ أو في المميّز على المختار ، فتدبّر جيّداً .

(49) وجه الاحتياط ظاهر ممّا مرّ من احتمال العموميّة في الموصول .

(50) بلا خلاف أجده فيه ، كما عن «الغنية»[759] وغيرها الاعتراف به ، بل في «كشف اللثام»[760] نسبة قطع الأصحاب إليه .

بل عن «كشف الرموز»[761] الإجماع عليه .

والحجّة قبل الإجماع صحيح أبي بصير سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً مجنوناً ، فقال : «إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه ]فقتله[ فلا شيء عليه من قود ولا دية ، ويعطي ورثته ديته من بيت مال المسلمين» ، قال : «وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه ، وأرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون ، ويستغفر الله ويتوب إليه»[762] .

وفي خبر أبي الورد : قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أو لأبي جعفر (عليه السلام) : أصلحك الله ، رجل حمل عليه رجل مجنون فضربه المجنون ضربة فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله فقال : «أرى أن لا يُقتل به ، ولا يُغرم ديته ، وتكون ديته على الإمام ، ولا يبطل دمه»[763] .

وبالجملة : فالحكم مفروغ منه لو كان القاتل أدواريّاً فقتل حال عقله آخر ، كذلك حال جنونه ; عملاً بإطلاق النصّ والفتوى ، وإن كان لا يخلو من إشكال احتمال انصراف المجنون المقتول في الصحيح وغيره إلى الدائم . هذا مع وجود الفرق بين الدائم والأدواري في النقص ، لكنّ شمول إطلاق الكبرى الكلّية في الصحيح الأدواري لا يخلو من قوّة ; لعدم القود للمجنون الأدواري حال جنونه بقتله العاقل أيضاً .

ويثبت الدية على القاتل إن كان عمداً أو شبهه (51) ، وعلى العاقلة إن كان خطأً محضاً (52) ، ولو كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه ، فلا شيء عليه من قود ولا دية (53) ، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين (54) .

(51) للقاعدة ، ولصحيح أبي بصير في الأوّل : «وأرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون»[764] .

(52) للقاعدة المعروفة فيه .

(53) لما دلّ عليه صحيح أبي بصير[765] .

(54) فلصحيح أبي بصير ، فقال (عليه السلام) : «إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه ]فقتله[ فلا شيء عليه من قود ولا دية ، ويعطي ورثته ديته من بيت مال المسلمين»[766] ، بل ولخبر أبي الورد أيضاً ، : «وتكون ديته على الإمام»[767] .

فما في المتن من الأحكام للدية ولغيره لا إشكال ولا كلام فيه ، وهو على القاعده والنصّ كما بيّناه .

نعم ، يقع الكلام في المقام في أمرين :

أحدهما : أنّ دم المدفوع هدر ، نصّاً وفتوىً ، فكيف يوجّه ما في النصّ والفتوى من دية المجنون من بيت المال فيما كان مقتولاً دفاعاً للعاقل عن نفسه حينما أراده ؟ !

وفيه أوّلاً : أنّ إطلاقه منصرف عن المدفوع المجنون ، ومختصّ بغيره من المتعارف في الدفاع .

وثانياً : على تسليم منع الانصراف ، فعموم ذلك الهدر مخصّص في المقام بالخبرين ، فلا إشكال في المسألة .

ثانيهما : أنّ في الخبرين تعارضاً واختلافاً في محل الدية ، ففي الصحيح : أ نّه على بيت مال المسلمين ، وفي خبر أبي الورد : أ نّه على الإمام ، ومن المعلوم أنّ ما في بيت المال من الزكوات والخراجات لمصالح المسلمين ، وما للإمام كالخمس فهو له ، وعونه لدينه وعياله ، فكيف الجمع بين الحديثين ؟ !

أقول : يمكن الجمع بإرادة التأدية والتنفيذ على الإمام في خبر أبي الورد ، وبكون محلّه من بيت المال في الصحيح ، فكأنّ المعصوم (عليه السلام) قال : على عهدة الإمام التنفيذ (فإنّه الحاكم والتنفيذ عليه) ، وتأدية ديته من بيت المال .

كما يمكن الجمع بالعكس ، بكون المراد أنّ الدية على الإمام ، أي في ماله ، لكنّه مع ذلك على بيت المال باعتبار كونه محلاًّ لأمواله في الواقع .

لكن الجمع الأوّل أولى بل متعيّن ; قضاءً لوظيفة الإمام الحاكم المنفّذ للشرائع والقوانين ، بل لا قائل بالثاني ، والله العالم .

ثمّ إنّ للمقدّس الأردبيلي هنا نكتة ينبغي نقلها وبيانها :

ففي «المجمـع» : «والمراد بـدفعها إلى ورثـة المجنون كونها مـن متروكـات المجنون ، يخـرج منها الديـون والوصايا إن كان ، ثمّ القسمة بين مـن يرث الديـة»[768] .

(مسألة 6) : في ثبوت القود على السكران الآثم في شرب المسكر ـ إن خرج به عن العمد والاختيار ـ تردّد (55) ،

هذا لبيان أنّ دفع الدية إلى الورثة ليس من جهة استحقاقهم لها بما هي هي ، بل الدفع من باب دفع تركة الميّت إلى وارثه ، فاللازم منه إخراج الديون والوصايا منها ، كما أنّ استحقاقهم لها لما كان من باب الإرث ، فالديون والوصايا قبله ، فتدبّر جيّداً وانظر إلى الدقّة في الفقه ، وكم له في «المجمع» من هذه الدقائق ؟ فعليك بمراجعته في كلّ ما فيه من المباحث والكتب الفقهيّة .

(55) عبارة المتن شبيهة لما في «الجواهر» ، ففيه : «وفي ثبوت القود على السكران الآثم في سكره تردّد وخلاف ، ولكنّ الثبوت أشبه ; وفاقاً للأكثر ، كما في «المسالك»[769] .

بل قد يظهر من «غاية المراد» نسبته إلى الأصحاب ، مشعراً بالإجماع عليه ، بل في «الإيضاح» دعواه صريحاً عليه ، ناسباً له مع ذلك إلى النصّ ، ذكر ذلك في مسألة شارب المرقد والمبنج»[770]

منشأ التردّد : من انتفاء العمد والقصد فيه والاحتياط في الدم فلا قود عليه ، ومن أ نّه كالصاحي في تعلّق الأحكام ، فإنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فهو من الخارج عن الاختيار بسوء اختياره ، المعامل معه معاملة المختار في إجراء الأحكام ، حتّى طلاق زوجته وغيره من الأحكام فعليه القود .

والأقرب الأحوط عدم القود (56) .