فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 53
نمايش فراداده

هل القود على النائم والمغمى عليه ؟

(60) عدم القود فيهما لا إشكال ولا كلام فيـه ، بل الإجماع بقسميه عليـه فـي النائم ; لانتفاء التعمّد فيهما بعدم القصد الـذي يدرجهما في اسم العمد ، وكونهما معذورين من حيث التسبيب .

هذا مع حديث رفع القلم عن النائم ، وقوله (عليه السلام) : «كلّما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر في المغمى عليه»[779] .

نعم ، الكلام والخلاف واقع في ضامن الدية ، فهل هو النائم أو عاقلته ؟

فعـن الشيخين[780] ويحيى بـن سعيد[781] والحلّـي[782] : أنّ الديـة فـي مالـه ، بـل عـن «السرائـر» نسبته إلـى أصحابنا[783] . وفـي «السرائـر» في أوّل كلامـه[784] و «الـقواعـد»[785] و «كشف الـرمـوز»[786] و «الإيضـاح»[787] و «التنقيـح»[788] و «الروضـة»[789] و «المسالك»[790] ـ على مـا حكـي عـن بعضها ـ أنّ الديـة على العاقلـة ، بل نسبه بعض إلى عامّة المتأخّـرين[791] .

واستُدلّ للأوّل ـ وهو الأقوى ـ بأصالة ضمان المتلف دون غيره ، وبمرسل «السرائر» : «وروي أنّ من نام ، فانقلب على غيره فقتله ، كان ذلك شبيه العمد ، يلزمه الدية في ماله خاصّة ، وليس عليه القود»[792] .

وللثاني : بأ نّه خطأ محض والدية فيه على العاقلة ، نصّاً وإجماعاً .

وفيه : على تسليم كون الدية على العاقلة في الخطأ المحض ، لما أنّ الحكم على خلاف القاعدة الشرعيّة والعقليّة من ضمان المتلف ، وأ نّه (لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرى)[793] ، فلابدّ من الاقتصار على مورد النصّ ، وهو في غير النائم ، فإنّه لا نصّ فيه .

هذا كلّه في النائم غير الظئر ، وأ مّا هي ففيها أقوال ثلاثة ، ثالثها : التفصيل بين الإظئار للفخر والعزّة وبينه للحاجة ، فالأوّل : في مالها ، والثاني : على العاقلة ، وهو الأقوى عندي ; للرواية ومناسبة الاعتبار ، وتمام الكلام في ذلك كلّه في كتاب الديات ، إن شاء الله تعالى .

وممّا ذكر في النائم يظهر حال المغمى عليه ، فالأقوى فيه أيضاً كون الدية عليه لا على العاقلة .

ثمّ إنّ للعـلاّمة في «المختلف» في ضمان العاقلة واستقراره عليها أو على القاتل كلام جيّد جدّاً ، لابدّ من نقله في المقام وإن كان محلاًّ للبحث ، كما أنّ ما ذكرناه من مسألة الدية في النائم كان خارجاً عن المقام ، ومقام البحث عنها كتاب الديات ، لكنّنا تبعنا «الجواهر» واقتدينا به في الاستطراد ، وكيف كان ففي «المختلف» :

«مسألة : المشهور بين علمائنا أنّ دية الخطأ تجب على العاقلة ابتداءً ، ولا يرجع بها على القاتل ، سواء كان موسراً أو معسراً ، اختاره الشيخ في كتبه[794] وابن البرّاج[795] وأبو الصلاح[796] .

قال الشيخ في «الخلاف»[797] و «المبسوط»[798] : الدية في قتل الخطأ تجب ابتداءً على العاقلة . وفي أصحابنا مَن قال : ترجع العاقلة على القاتل بها ، ولا أعرف به نصّاً .

وقال ابن الجنيد : ولا أعلم خلافاً في أنّ دية المقتول خطأ ـ إذا قامت بالقتل البيّنة ـ على عاقلة القاتل ، سواء كان القاتل ذا مال أو معدماً . ثمّ قال : ولا يدخل الجاني في ضمان دية مَن قتله خطأً مع عاقلته .

وقال ابن إدريس[799] : دية الخطأ على العاقلة ، ولا ترجع العاقلة بها على القاتل . سواء كـان في حـال الأداء موسراً أو معسراً . وذهب شيخنا المفيد[800] إلى أنّ العاقلة ترجع بها على القاتل ، قال : وهذا خلاف إجماع الاُمّة . وهذا جهل من ابـن إدريس ، وتخطئة لشيخنا الأعظم ، مـع أ نّـه الأصل فـي إنشاء المـذهب وتقريره ، والعارف بمذاهب الناس ، والمجمع عليه والمختلف فيه ، القيم بالاُصولين ، المهذّب لهما ، الباحث مع الخصوم ، العالم بما يجوز له فيه المخالفة والموافقة . مع أنّ هذا القائل الجاهـل إنّما يعتدّ بإجماع الطائفة ، ويعتقد رئاسـة شيخنا المفيد ، وأ نّـه رأس هذه الطائفة ، وأوّل من أظهر علم الإماميّة وفقه آل محمّد (عليهم السلام) بعد السلف .

وسلاّر (رحمه الله)[801] ذهب إلى ما ذهب إليه شيخنا المفيد . ولا بُعد فيه ، بل فيه أيضاً الجمع بين المعقول والمنقول ، فإنّ الإجماع لما دلّ على تضمين العاقلة ، والعقل لما دلّ على أنّ العقوبة إنّما تجب على الجاني ، جمع شيخنا المفيد بذهنه الثاقب وفكره الصائب بين الدليلين ، وألزم العاقلة ضمان الدية ; لدلالة الإجماع عليه ، وجعل لها الرجوع على الجاني ، تعويلاً على دليل العقل .

وشيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) أصاب حيث قال : «لا أعرف به نصّاً»[802] ، فإنّه لا يقتضي نسبة شيخنا إلى تخطئة وتغليط ومخالفة للإجماع ، فإنّ عدم معرفته لا يستلزم عـدم النصّ ، فلعلّ شيخنا المفيد وقف عليه ، أو عوّل على دليل قاده العقل إليه»[803] .

وفي الأعمى تردّد (61) .