فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 55
نمايش فراداده

حكم سابّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

منها : سابّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ففي «الشرائع» : «من سبّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) جاز لسامعه قتله ما لم يخف الضرر على نفسه أو ماله أو غيره من أهل الإيمان»[821] ، وعن «الغنية» : الإجماع عليه[822] .

وفي «المسالك» في ذيله : «هذا الحكم موضع وفاق ، وبه نصوص»[823] .

وفي «الرياض» في ذيل عبارة «النافع» ، وهو قوله : «يحلّ دمه ]أي دم سابّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد الأئمّة (عليهم السلام)[ لكلّ سامع» ، قال : «من غير توقّف على إذن الإمام ، كما هو المشهور ، بل عليه في «الغنية» الإجماع ، خلافاً للمحكي عن المفيد و «المختلف» فلم يجوّز قتله بغير إذنه»[824] .

وفي «المختلف» : «مسألة 141 : قال المفيد في «المقنعة» : ومـن سبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو واحداً من الأئمّة (عليهم السلام) فهو مرتدٌّ عن الإسلام ، ودمه هدر ، يتولّى ذلك منه الإمام (عليه السلام) ، فإن سمعه منه غير الإمام فبدر إلى قتله عصى الله ، ولم يكن عليه قود ولا دية ; لاستحقاقه القتل على ما ذكرناه ، لكنّه يكون مخطئاً بتقدّمه على السلطان . وقال الشيخ في «النهاية» : ومَن سبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو واحداً من الأئمّة (عليهم السلام) كان دمه هدراً ، وحلّ لمن سمع ذلك منه قتله ما لم يخف في قتله على نفسه أو على غيره . والوجه ما قاله المفيد ; لأ نّه حدٌّ ، والمستوفي للحدود هو الإمام ، ورواية أبي عاصم السجستاني دالة عليه»[825] . انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه .

والحقّ عدم جواز قتله للسامع من دون إذن الإمام ، وأنّ عليه القصاص ; لعدم هدر دمه على الإطلاق .

وما استُدِلّ به على الجواز والهدر من الإجماع ، وإطلاق النصوص ، وخصوصها غير تامّ :

أ مّا الأوّل ، فلوجود الخلاف ، لاسيّما مع أنّ المخالف مثل المفيد[826] شيخ مثل السيّد المرتضى والشيخ الطوسي[827] وغيرهما من أئمّة الفقه والحديث ، ومثل العلاّمة الملّقب به في ألسنة العلماء والفقهاء من غير ترديد وإنكار ، المؤلّف لغير واحد من الكتب الفقهيّة المعتمدة كـ «القواعد» و «التذكرة» وغيرهما ممّا يبلغ أزيد من خمسة عشر كتاباً[828] .

هذا مع أنّ الاتّفاق على تحقّقه وحجيّته غير حجّة في مثل المسألة من المسائل الاجتهاديّة والمسائل المنصوصة ، كما لا يخفى .

أ مّا الثاني ، الذي استدلّ به «الجواهر»[829] ، ففيه ما لا يخفى ; لأنّ الإطلاق في مقام بيان سببيّة السبّ للقتل ، كالرجم والارتداد وأمثالهما دون كيفيّة الإجراء وشرائطه .

وأ مّا الثالث ، أي النصوص الخاصّة الثلاثة من صحيح هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه سُئِل عمّن شتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال (عليه السلام) : «يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام»[830] .

وموثّق عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) ، ففيه : فقال أبوعبدالله (عليهما السلام) : «أخبرني أبي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : الناس في اُسوة سواء ، من سمع أحد يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني ولا يرفع إلى السلطان ، والواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال منّي»[831] .

وصحيح محمّد بن مسلم ، ففيه : قال محمّد بن مسلم : فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أرأيت لو أنّ رجلاً الآن سبّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أيقتل ؟ قال : «إن لم تخف على نفسك فاقتله»[832] .

ففيه : أ مّا صحيح هشام ، ففيه احتمال كون القضيّة شخصيّة ، وكون السؤال عن واقعة خارجيّة لا عن أمر كلّي فقهيّ ، حتّى يتمّ الاستدلال به حيث إنّه نقل عنه(عليه السلام) بكونه مسؤولاً عمّن شتم وهو هشام ، فالراوي ليس بسائل بل هو ناقل عن كونه(عليه السلام) نائباً للفاعل عن الفعل المبنيّ للمجهول عن مادّة السؤال ، فلعلّه(عليه السلام)كان عالماً بمن سئل عن شتمه ، ويؤ يّده التعبير في الحديث بالفعل الماضي من مادّة الشتم ففيه : سئل(عليه السلام) عمّن شتم الدالّ على وقوعه ، ومع هذا الاحتمال لايصّح الاستدلال ، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ، هذا مع أنّ دعوى ظهور الحديث في كونه قضيّةً شخصية ـ لما ذكر من الوجهين ـ ليست دعوى جزافيّة خالية عن القرينة .

وأ مّا موثّق علي بن جعفر فمعارض مع صحيح ابن مسلم ، حيث إنّ المتفاهم من سؤال ابن مسلم بقوله : «أرأيت لو أنّ رجلا الآن . . .» إلى آخره .

بعد نقله(عليه السلام) قضية رجل من هذيل ، أنّ ما فيها من جواز قتل سابّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن ظاهراً في الدوام ، وإلاّ لم يسأل ابن مسلم الفقيه عن الجواز في زمانه وفي الآن .

المتفاهم من توجيه الأمر والخطاب من أبي جعفر(عليه السلام) إليه شخصاً مع أنّ السؤال عن العموم ، كون الأمر إذناً شخصيّاً لا حكماً كلّياً إلهياً ، وإلاّ كان المناسب بل اللازم في الجواب ، الجواب بما يدلّ على الحكم الكلّي .

وعلى ذلك فلا دلالة للصحيح ـ لا من صدره وهو قضية هذيل ولا من ذيله وهو جواب الإمام(عليه السلام) عن سؤال ابن مسلم ـ على أزيد من جواز القتل مع الإذن الشخصي ، بل فيه الدلالة على اعتباره وشرطيته وعدم الإباحة وهدر الدم على الإطلاق ; حيث إنّه مع عدم اعتبار إذنه كذلك كان إذنه(عليه السلام) في غير محلّه وهو كما ترى ، فإنّ بعد إذن الله تعالى وإباحته لا احتياج إلى إذن الإمام(عليه السلام) كما لا يخفى .

فالصحيح كما أ نّه ظاهر في شرطيته عدم الخوف في جواز قتل السابّ فكذلك ظاهر في اعتبار الإذن في قتله فليس للسامع لسبّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قتله إلاّ مع الإذن .

وعلى هذا ، فصحيح محمّد بن مسلم معارض مع موثّق علي بن جعفر ، الظاهر في جواز القتل لكلّ سامع للشتم في كلّ الأزمنة من دون احتياج إلى الإذن والمراجعة إلى الحكومة ، والترجيح مع صحيح ابن مسلم ; لصحّة سنده . وسند

وكذا لا قود على من قتله بحقّ كالقصاص والقتل دفاعاً (63) ،

الموثّق وإن كان حجّة ومعتبراً ، لكنّه موثّق لا صحيح .

وبما ذكرناه يظهر عدم الدليل على ما هو المشهور من جواز قتل السامع لسابّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهدر دمه على الإطلاق . وعليه ، فعلى قاتله من دون إذن الحكومة والحاكم القصاص ، كما مرّ بيانه .

وما عن المفيد من عدم القود والدية عليه ; لاستحقاقه القتل ، فضعفه ظاهر ممّا مرّ .

ثمّ إنّ الجواز ـ على القول به ، كما هو المشهور ـ مقيّد بعدم خوف الضرر على القاتل نفسه وماله وعرضه ، وكذا سائر المسلمين ; لصحيح ابن مسلم السابق ، ولفحوى ما ورد في قتل السابّ لأمير المؤمنين(عليه السلام) أو أحد الأئمّة (عليهم السلام) ، ولقاعدة نفي الضرر والحرج ، بل لا ينبغي الإشكال في تقيّده بعدم الخوف على الضرر على الإسلام وعزّته أيضاً ، بتضييع حرمته وصيرورته متهماً بالفوضى وعدم الأمن والأمان فيه ، وبأ نّه مع كون المقتول غير قادر على الدفاع فكيف يحكم عليه بارتكابه السبّ واستحقاقه التعزير أو الحدّ ، وبغير ذلك ممّا يوجب الضرر بعزّته ، فضلاً عمّا يوجب الوهن فيه ، كما لا يخفى ؟ !

وعلـى أيّ حـال ، فعلى المشهور لا ينبغي الشكّ في القصاص في بعض تلك الصور ، ممّا يكون المنع من جهة الضرر على الإسلام ، أو من جهة الضرر العظيم على الغير ، كما يظهر بالمراجعة والدقّة في القواعد والضوابط التي بيّناها ، فتدبّر جيّداً .

(63) عدم القود فيهما ضروري ولابدّ منه بعد جواز القتل ، فإنّ اللازم من

وفـي القود على قتل مـن وجب قتله حـدّاً ـ كاللائط والزاني والمرتـدّ فطرةً بعد التوبـة ـ تأ مّل وإشكال (64) . ولا قود على مـن هلك بسرايـة القصاص أو الحـدّ .

جوازه بهما هو الهدر وعدم الحرمة لدم المقتول بهما ، كما هو أظهر من الشمس وأبين من الأمس .

وبالجملة : القصاص بهما مناف لجوازهما ومباين ذاتي لهما ، وإلى ذلك يشير خبر أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : سألته عن رجل قتله القصاص ، له ديـة ؟ فقال : «لو كان ذلك لم يقتصّ مـن أحد» ، وقال : «مـن قتله الحـدّ فلا ديـة لـه»[833] . هذا مع ما يدلّ على عدم القصاص في القصاص والحدّ ، مـن الأخبار الكثيرة المنقولة في «الوسائل» في الباب 24 مـن أبواب القصاص في النفس[834] .

(64) والظاهر كما مرّ في اللواحق القصاص بالقتل كذلك ; لعموم أدلّة القصاص ، وعدم الدليل على هدر دمهم بالنسبة إلى المسلمين على الإطلاق ولكلّ واحد منهم ، بل دليل هدرهم مختصٌّ بالحكومة والحاكم أو الإمام (عليه السلام) ، كاختصاص إجراء بقية الحدود بهما ، فكما لا دليل على هدر دمهم بالنسبة إلى الكفّار ، ولذلك كان على الذمّي القود في قتله المرتدّ كذلك بالنسبة إلى المسلمين ، فتدبّر جيّداً .

ولقد أجاد سيّدنا الاُستاذ ـ سلام الله عليه ـ في جعله القود فيهم محـلّ إشكال وتأ مّل ، بعد ما كان عدم القود في مثل «الشرائع» ـ الذي هو قرآن الفقه ـ وغيره مرسلاً إرسال المسلّم .

ففي «الشرائع» : «الشرط الخامس : أن يكون المقتول محقون الـدم ، احترازاً من المرتدّ بالنظر إلى المسلم ، فإنّ المسلم لو قتله لم يثبت القود ، وكذا كـلّ من أباح الشرع قتله ، ومثله من هلك بسراية القصاص أو الحدّ»[835] .

وممّا ذكرناه كلّه ظهر الوجه في قوله : «ولا قود على من هلك بسراية القصاص أو الحدّ» ، ولا حاجة إلى بيانه .