فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 70
نمايش فراداده

فيما كان المدّعي أو المدّعى عليه أكثر من واحد

(5) ظاهر «الخلاف»[1094] وصريح «الجواهر»[1095] كون الكفاية في مفروض المسألة ، وهو ما إذا كان المدّعي أكثر من واحد إجماعيّة ، ويدلّ عليها النصوص :

ففي صحيح بريد بن معاوية : فقالت الأنصار : إنّ فلاناً اليهودي قتل صاحبنا ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للطالبين : «أقيموا رجلين عدلين من غيركم» إلى أن قال : «فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيده برمّته»[1096] .

ومثله غيره من الأخبار الواردة في تلك القضيّة ، بل تدلّ عليها أيضاً مثل مـا في موثّقـة مسعدة بـن زياد عـن جعفر (عليه السلام) ، ففيها : كان أبـي (رضي الله عنه) إذا لم يقم القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم ولم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه ، حلّف المتّهمين بالقتل[1097] .

و «القوم» ظاهر في التعدّد ، بل ويدلّ عليه ثالثة إطلاقات أخبار القسامة .

هـذا كلّه مـع أنّ الحـقّ في إقامة الدعـوى لعلّه للمقتول وتنقل منـه إلى الوارث ، فهو واحد .

وأ مّا الكفاية فيما كان المدّعى عليه أكثر من واحد ففيها خلاف وإشكال :

ففي «المبسوط»[1098] وغيره ومـن تأخّـر عنه عدم الكفاية ، وأنّ على كلّ واحـد خمسين يميناً .

وفي «الخلاف» الاكتفاء بخمسين منهم أجمع مدّعياً عليها الإجماع ، ففيه :

«مسألة 13 : إذا كان المدّعي واحـداً فعليه خمسون يميناً بلا خلاف ، وكـذلك المدّعى عليه إن كان واحداً فعليه خمسون يميناً ، وإن كان المدّعون جماعة فعليهم خمسون يميناً عندنا ، ولا يلزم كلّ واحد خمسون يميناً ، وكذلك فـي المدّعى عليه إن كان واحـداً لزمته خمسون يميناً وإن كانوا جماعـة لم يلزمهم أكثر من خمسين يميناً .

وللشافعي فيه قولان في الموضعين :

أحدهما : مثل ما قلناه في الموضعين .

والثاني : يلزم كلّ واحد خمسون يميناً في الموضعين ، إلاّ أ نّه قال : أصحّهما أنّ في جنبة المدّعي خمسين يميناً بالحصص من الدية ، للذكر مثل حظّ الانثيين ، فإن ينقص في واحد كمل يميناً تامّة ، وأصحّهما في جنبة المدّعى عليه أن يلزم كلّ واحد خمسون يميناً .

دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضاً : الأصل براءة الذمّة ، وما قلناه مجمع على لزومه ، وما قالوه ليس عليه دليل»[1099] .

واستدلّ للأوّل : بأنّ كلّ واحد منهم تتوجّه عليه دعوى بانفراده ، فهو حينئذ منكر يلزم باليمين والفرض أ نّها هنا خمسون .

واستدلّ للثاني بما في خبر أبي بصير مـن أ نّـه «فإذا ادّعى الرجل على القوم أ نّهم قتلوا كانت اليمين لمدّعي الدم قبل المدّعى عليهم ، فعلى المدّعي أن يجيء بخمسين يحلفون أنّ فلاناً قتل فلاناً ، فيدفع إليهم الذي حلف عليه . . . وإن لم يقسموا فإنّ على الذيـن ادّعـى عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا له قاتلاً»[1100] .

وظاهره كفاية الخمسين فيما كان المدّعى عليه أكثر من واحد ; لكون المفروض فيه ادّعاء الرجل على القوم : «فإذا ادّعى الرجل على القوم» .

مع ما في بيان قسامة المدّعى عليه الإشعار بل الظهور في ذلك ; لمكان ضمير الجمع في قوله : «ادّعى عليهم» ، وفي «الجواهر» «بل لعلّ إطلاق غيره»[1101] .

وبجملة[1102] من الأخبار الواردة في قضيّـة سهل[1103] ; لظهورها فـي دعـوى الأنصار علـى اليهود أ نّهم قتلوا صاحبهم ، ومـع ذلك فقد اكتفى منهم بأن يحلفـوا خمسين :

ففي صحيح عبدالله بن سنان : «خرج رجلان من الأنصار يصيبان من الثمار فتفرّقا فوجد أحدهما ميتاً ، فقال أصحابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما قتل صاحبنا اليهود . . .»[1104] الحديث ، ومثله غيره .

وفي الاستدلال بهما ما لا يخفى ، أ مّا خبر أبي بصير ففيه ـ مضافاً إلى ضعفه بأبي بصير ; لاشتراكه بين الثقة وغيره ، وعدم الجابر له من عمل الأصحاب من أصله ، مع وجود أخبار معتبرة في القسامة ، فمن المحتمل بل الظاهر استناد الأصحاب إليها دونه ، فضلاً عمّا يكون عنه مربوطاً بمحلّ البحث ـ موضع اختلاف بين «الخلاف» و «المبسوط» وغيره ممّن تأخّر عنه .

وإجماع «الخلاف» موهون سيّما مع مخالفة التأ مّل بنفسه سيّما مع ما فيه من إضافته الأخبار إلى الإجماع ، فلعلّ نظر المجمعين إلى أخبار قضية سهل ، بل الظاهر ذلك ; لانحصار الدالّ من الأخبار فيها .

وأ نّه لا ظهور له في ذلك ; لاحتمال حمله على كون الدعوى على القوم على واحد منهم ، لصحّة الإضافة لأدنى ملابسة ; لمكان قوله (عليه السلام) في آخرها : «يحلفون أن قتل فلاناً فيدفع إليهم» ، وهو ظاهر في أنّ المدّعى عليه واحد ، وإنّما أضاف الدعوى إلى القوم ; لكونه منهم .

وأ مّا الأخبار الواردة في قضية سهل : ففي صحيح بريد بن معاوية «فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً ، فقالت الأنصار : إنّ فلاناً اليهودي قتل صاحبنا»[1105] وهو صريح في المخالفة لتلك الأخبار ، والقضيّة واحدة ، والجمع

(مسألة 6) : لو لم يحلف المدّعي أو هـو وعشيرتـه ، فله أن يردّ الحلف على المدّعى عليه فعليه ـ أيضاً ـ خمسون قسامة ، فليحضر من قومه خمسين يشهدون ببراءته ، وحلف كلّ واحـد ببراءته ، ولو كانوا أقلّ مـن الخمسين كرّرت عليهم الأيمان حتّى يكملوا العدد ، وحكم ببراءته قصاصاً ودية . وإن لم يكن له قسامة من قومه يحلف هو خمسين يميناً ، فإذا حلف حكم ببراءته قصاصاً ودية (6) .

بينهما يقتضى إرجاع تلك إلى هذا ; لصراحته دونها ، لاحتمالها الحمل على المجازيّة في النسبة لأدنى الملابسة على نحو ما مرّ ، ممّا يرجع إليه دونه .

ويظهر ممّا ذكرناه من النقض والإبرام عدم الكفاية ولزوم خمسين قسامة كلّ واحد من المنكرين مع القاعدة والدراية ، ولا حجّة على خلافه من الرواية ، فهو المتعيّن ، لكنّ مع ذلك كلّه القول بكفاية خمسين قسامة من كلّهم لا يخلو من وجه بل من قوّة ، مع كون القسامة على نفي القتل عن الجميع ، فإنّه لا وجه لتعدّدها كما لا يخفى ، ومحض كون كلٍّ من المنكرين والمدّعين عليهم منكراً غير مقتض للإلزام بالقسامة المتكرّرة غير المفيدة شيئاً .

وإلزام المنكر المتعدّد بالحلف إنّما يكون من جهة أنّ كلّ منكر يحلف لنفسه ولا يصح له الحلف لغيره ، وذلك بخلاف باب القسامة التي تكون العمدة في حلفها للغير ، كما هو أوضح من أن يبيّن ، ولعلّ ما في المتن من قوله : «والاكتفاء بالخمسين لا يخلو من وجه» ناظر إلى ذلك .

(6) أدلّـة الأحكام المذكـورة فـي المسألـة ظاهـرة ممّا مـرّ ، فلا احيتاج إلى بيانها .

وإن لم تكن له قسامة ونكل عن اليمين اُلزم بالغرامة ، ولايردّ في المقام اليمين على الطرف (7) .