فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 82
نمايش فراداده

في وجوب بذل الدية على الجاني

(3) مرّ ميل جماعة من الأصحاب إلى وجوب البذل على الجاني ، وهو الأقوى ; لوجوب حفظ النفس عليه المعلوم من العقل والنقل .

أ مّا النقل ، فأكثر من أن يحصى ، وقد طفحت فتاواهم أ نّه إذا اُريد قتله يجب عليه بذل ماله وتخليص نفسه ، وقد قالوا في باب الدفاع عن المال والعرض :إنّه لا يجوز التغرير بالنفس إلى غير ذلك . وليس لك أن تقول هنا : القاتل كالمرتدّ ، فكما أنّ الشارع أمره بإتلاف نفسه فكذلك القاتل كالمرتدّ ; لأ نّه لو كان كذلك لما صحّ الصلح على الدية ولا العفو . ولا أن تقول : إنّه جوّز له إتلاف نفسه كما في إعزاز الدين ; لأنّ الجواز هنا محل النزاع .

وأ مّا العقل ، فإنّه يحكم بذمّ من لا يفكّ نفسه بالمال القادر عليه ، كما أ نّه لو أبرأه أو عفا عنه فإنّه يذمّه لو قال : ما اُريد العفو والإبراء بل اقتلني قصاصاً ، وليس في المقام ـ كما في بعض المقامات ـ ما يقتضي عدم وجوب حفظ النفس ببذل المال حتّى تخصّص به أدلّة حفظ النفس من عقل ونقل ، فليتأ مّل .

وقد تطابقت ظواهر الفتاوى والأخبار[1220] فيما إذا قتل جماعة رجلاً واحداً على أنّ لوليه أن يقتل واحداً ، وأ نّه يجب على الباقين أن يردّ عليه ما فضل له من ديته ، وأ نّهم هم المطالبون لهذا المقتصّ منه قوداً .

وظواهر النصوص والفتاوى أيضاً أ نّهم ليس لهم الامتناع بأن يقولوا : إنّا لا نؤدّي فليقتصّ منّا وليردّ علينا ما يفضل ، كما أنّ ظاهرهما أ نّه لو طلب الدية لم يكن لهم الامتناع .

ففي خبر ابن مسكان عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجلين قتلا رجلاً ، قال : « . . .فإن أرادوا قتل أحدهما قتلوه وأدّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول . . . وإن قبل أولياؤه الدية كانت عليهما»[1221] .

ونحوه خبره الآخر[1222] وغيره .

وفي صحيح أبي مريم عن أبي جعفر(عليه السلام) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل ، قال : «إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد ، واقتسماها ثمّ يقطعهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد»[1223] .

إلى غير ذلك من الأخبار ، ولا أقل من أن تخرج شواهد ومؤ يّدات إن لم تكن أدلّة . وما في «الجواهر»[1224] من الاستدلال لعدم الوجوب بصحيح ابن سنان[1225] وبالأصل وغيره ، وبأ نّه لا دليل على وجوب حفظ النفس في المقام بعد تعلّق حقّ الغير بها والأمر بإعطاء القصاص .

ففيه : أ مّا الصحيح ، فالقيد فيه وارد مورد الغالب كما عرفت بما لامَزيد عليه ، وأ مّا الأصل وعدم الدليل فلا محلّ لهما مع ما بيّنّاه من الأدلّة .

(مسألة 2) : يجوز التصالح على الدية أو الزائد عليها أو الناقص ، فلو لم يرض الوليّ إلاّ بأضعاف الدية جاز ، وللجاني القبول ، فإذا قبل صحّ ، ويجب عليه الوفاء (4) .

(مسألة 3) : لايجوز للحاكم أن يقضي بالقصاص ما لم يثبت أنّ التلف كان بالجناية ، فإن اشتبه عنده ولم يقم بيّنة على ذلك ، ولم يثبت بإقرار الجاني ، اقتصر على القصاص أو الأرش في الجناية لا النفس ، فإذا قطع يد شخص ولم يعلم ـ ولو بالبيّنة أو الإقرار ـ أنّ القتل حصل بالجناية ، لايجوز القتل (5) .

(4) جواز التصالح ووجوب الوفاء للجاني بعد القبول واضح غير محتاج

إلى البيان ، ولا خلاف ولا إشكال فيه ; قضاءً لعمومات العقود والشروط والصلح بخصوصه .

(5) وجه ما في المسألة من عدم جواز الحكم بالقصاص للحاكم مع الاشتباه ولزوم الاقتصار على المتيقّن واضح .

نعم في «الرياض» هنا بعد بيان وضوح الوجه قال : «والمراد باليقين ما يعمّ اليقين الشرعي الحاصل من نحو الإقرار والشهادة ، هذا بالنسبة إلى الحاكم ، وأ مّا بالنسبة إلى الشهود ووليّ الدم إذا أراد قتل الجاني حيث يجوز له فلابدّ من العلم الواقعي»[1226] .

ما فيه من الفرق بين علم الحاكم ووليّ الدم وجهه لابيّن في كلامه ولا معلوم بل خلافه معلوم ، فإنّ الظاهر أو المقطوع عدم الفرق فيهما ، فإنّ البيّنة والإقرار كما يكونان حجّة للحاكم فكذلك للوليّ لإطلاق أدلّتهما .

(مسألة 4) : يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة ، فإنّهما لايستحقّان قصاصاً . ومنهم من قال : لايرث القصاص الإخوة والأخوات من الاُمّ ومن يتقرّب بها . وقيل : ليس للنساء قود ولا عفو وإن تقرّبن بالأب ، والأوّل أشبه (6) .