فقه الثقلین فی شرح تحریر الوسیلة

یوسف صانعی؛ شارح: روح الله خمینی(ره)

نسخه متنی -صفحه : 118/ 95
نمايش فراداده

فيما إذا كان الوليّ صغيراً أو مجنوناً

وإن كان الوليّ صغيراً أو مجنوناً ، ففيه وجوه بل أقوال ثلاثة :

أحدها : أنّ للوليّ الولاية على القصاص مع رعاية المصلحة أو عدم المفسدة ، كما هو المحكي عن الفاضل في «الإرشاد»[1351] وحجر «القواعد»[1352] ، وولده في «الإيضاح»[1353] هنا وفي الحجر[1354] ، والشهيدين في الحواشي[1355] و «الروضة»[1356] و «المسالك»[1357] ، والكركي في حجر «جامع المقاصد»[1358] ، والكاشاني في «المفاتيح»[1359] ، قضاءً لعموم أدلّة الولاية ، من العمومات الآمرة بالبرّ والإحسان[1360] وعمل المعروف[1361] والمسارعة إلى المغفرة[1362] وغيرها .

فكما أنّ له التصرّف في مال المولّى عليه بالمعاملة ، بل في نفسه أيضاً كجعله أجيراً مثلاً ، فكذلك له التصرّف في حقّه القصاص من قتله القاتل أو العفو بدية أو أزيد مع رعاية المصلحة للمولّى عليه .

نعم ، ليس له العفو مجاناً إلاّ مع كونه ذا مصلحة للطفل بأزيد من مصلحة الدية ، وهذا وإن كان نادراً لكنّه على فرض تحقّقه يكون جائزاً .

وليس له العفو لما في العفو من الخيرية والمصلحة ; لأ نّها غير مربوطة بالمولّى عليه ، بل إنّما تكون ثابتة لأصل العفو وترغيباً لمن له القود بنفسه كالكامل ، أي البالغ العاقل الرشيد .

ثانيها : ما عن الشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» من أ نّه ليس للوليّ الاستيفاء ، ولابدّ من الصبر إلى أن يبلغ الصبي أو يفيق المجنون أو يموتا ، ويحبس القاتل حتّى يبلغ الصبي ويفيق المجنون ، مقدّمة لحفظ حقّهما وجمعاً بين مصلحة العيش والاستيثاق ، بل عنه في «الخلاف»[1363] وعن ظاهر «المبسوط»[1364] الإجماع عليه كما في «الجواهر» .

وفيه أيضاً : «لعلّه لعدم ثبوت الولاية على مثل ذلك ممّا لايمكن تلافيه ، كالعفو عن القصاص ولو على مال والطلاق والعتق ، فهو على استحقاقه بعد الكمال»[1365] .

وفيه : لا دليل على تقييد الولاية بما يكون قابلاً للجبران والتلافي حتّى يتمّ هذا الوجه أوّلاً ، وإنّ عفوه على المال من الدية أو الزائد عليها جبران للقصاص وتلاف له ثانياً ، لأنّ المال يكون عوضاً عن القصاص مثل الثمن المقابل للمثمن في معاملة الوليّ على مال المولّى عليه . فكيف ذكره في أمثلة ما لا يمكن تلافيه .

هذا مع أنّ ما في حبس القاتل خصوصاً في المجنون الذي لا ترجى افاقته ضررٌ وتعجيل عقوبة لا دليل عليهما ، بل لكونهما ضرراً وظلماً وعدواناً عليه محرّم غير جائز .

ثالثها : أنّ له العفو على مال مع استحقاق الصغير والمجنون القصاص بعد كمالهما ، وهو المحكي عن «المبسوط»[1366] أيضاً .

ففي «اللثام» : «ولذا قال «المبسوط» : إنّ للوليّ العفو عن القصاص على مال ; لأنّ المولّى عليه إذا كمل كان له القصاص»[1367] .

والوجه في ذلك العمل بأدلّة الولاية المقيّدة بما فيه الجبران والجمع بين حقوق القاتل ووليّ الدم ، وأنّ المال في المورد كالمال في بدل الحيلولة ، فكما أنّ الضمان فيه مقيّد بالحيلولة وبارتفاعها ورفع الحائل عن العين المضمونة يرجع المال إلى الضامن ، فكذلك المورد ، كما لايخفى .

وفيه : مضافاً إلى ما مرّ من عدم الدليل على تقييد الولاية بما يكون فيه القدرة على الجبران فإنّ أدلّتها عامّة ، وأنّ أخذ المال من القاتل على ذلك النحو ضرر عليه ، فلا يجوز إجباره عليه .

هذا مع أنّ العفو كذلك موجب لحرج التحيّر عليه ، فإنّه لايدري ما يفعل به في الغد ، وذلك حرج ، فجواز العفو كذلك استناداً إلى الجمع بين الحقوق على تسليمه منفيّ بقاعدتي نفي الضرر والحرج .

هذا كلّه بحسب القواعد ، وقد ظهر أنّ الأقوى بحسبها من الوجوه والأقوال الثلاثة ، الأوّل .

وأ مّا بحسب الرواية فليس في المسألة إلاّ رواية واحدة ، وهي معتبرة إسحاق ابن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه(عليهما السلام) : «أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : انتظروا بالصغار الذين قتل أبوهم أن يكبروا ، فإذا بلغوا خيّروا ، فإن أحبوا قتلوا أو عفوا ، أو صالحوا»[1368] .

ودلالتها على عدم جواز الاستيفاء ولزوم الصبر إلى بلوغهم ظاهرة ، إلاّ أ نّها مخالفة للقواعد ; لأنّ حفظ القاتل عن الفرار ليس إلاّ بالحبس إلى بلوغهم وإن كانت المدّة إلى بلوغهم طويلة ، وذلك ضرر على القاتل وعقوبة زائدة عليه ، فكيف يصار إليه ؟ !

وتوهّم أ نّه يمكن حفظ القاتل عن الفرار بأخذ التعهّد والوثيقة المالية منه ، مدفوع بأ نّه غير مانع عن فراره ونجاة نفسه من القصاص الموجب لتضييع حقوق الصغار في القصاص .

نعم حملها على ما كانت المدّة قليلة بحيث تكون مدّة الحبس قصيرة لابأس به ; لكون الضرر قليلاً قابلاً للتحمّل ، كما مرّ .

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرناه وقوع الخلط بين المسألتين في المتن ، كما أنّ ما فيه من رعاية الوالي ما هو مصلحة عنده أو مصلحة الغائب غير تامّ أيضاً ، حيث إنّ اللازم رعاية مصلحة القاصر وهو الغائب فقط لاغيره .

(مسألة 16) : لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود فدفعها القاتل ، لم يسقط القود لو أراد غيره ذلك ، فللآخرين القصاص بعد أن يردّوا على الجاني نصيب من فاداه من الدية ; من غير فرق بين كون ما دفعه أو صالح عليه بمقدار الدية أو أقلّ أو أكثر ، ففي جميع الصور يردّ إليه مقدار نصيبـه ، فلو كان نصيبه الثلث يردّ إليه الثلث ولو دفع الجاني أقلّ أو أكثر ، ولو عفا أو صالح بمقدار وامتنع الجاني من البدل ، جاز لمن أراد القود أن يقتصّ بعد ردّ نصيب شريكه . نعم لو اقتصر على مطالبة الدية وامتنع الجاني ، لايجوز الاقتصاص إلاّ بإذن الجميع . ولو عفا بعض مجّاناً لم يسقط القصاص ، فللباقين القصاص بعد ردّ نصيب من عفا على الجاني (19) .