دروس فی الإمامة و القیادة

سید مجتبی موسوی اللاری؛ مترجم: کمال السید

نسخه متنی -صفحه : 4/ 4
نمايش فراداده

وعندما طولب الخليفه عثمان بتنفيذ حكم القصاص بالقاتل (عبيداللّه) اعتذر عن ذلك وانه لا يستطيع قتل من قتل ابوه بالامس.

خلق حصانه مطلقه للخلفاء: اصبحت الخلافه آنذاك منصبا حكوميا يخول صاحبه اجراء تغيير فى اسس الشريعه كما يمنحه صلاحيات واسعه فى سن قوانين فرعيه جديده. وفى تلك الفتره برزت فكره الاجتهاد كحق مسلم للصحابه فالصحابى يتصرف وفق رويته الشخصيه فان اصاب فبها وان اخطا فلا يخضع لعقوبه القانون.

بل اصبحت لفكره الاجتهاد ثوابا مطلقا حتى فى حاله الخطا اما فى حاله الصواب فله اجر مضاعف!! ومن هنا بدا التاسيس لنظريه عداله الصحابه من خلال دس روايات كاذبه على النبى من قبيل الحديث المزعوم: (اصحابى كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم).

هل توجد ضمانات قرآنيه فى عداله الصحابه؟ ان تمجيد القرآن الكريم لمواقف سابقه لبعض اصحاب النبى لا يعنى طهرهم من كل انواع الانحراف والفساد على مدى حياتهم، ذلك ان رضا اللّه والسعاده الابديه ستكون من نصيب من استمر فى ايمانه وفى عمله الصالح، ولقد خاطب القرآن الكريم النبى(ص) بقوله: (لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين). وهو ذات الخطاب الذى وجه الى ابراهيم(ع) وذريته: (وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه...ووهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا هدينا ونوحا من قبل ومن ذريته داود وسليمان...

وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم ذلك هدى اللّه يهدى به من يشاء من عباده ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون).

كما ان التاريخ قد سجل عكس ما ترمى اليه نظريه عداله الصحابه، وهناك مئات بل آلاف الشواهد على انحراف بعض الصحابه. وهذه كتب الحديث تزخر بعشرات الاحاديث فى هذا المضمار وفى طليعتها احاديث الحوض.

منها ما رواه ابن عباس عن النبى(ص) فى قوله: (...وان اناسا من اصحابى يوخذ بهم ذات الشمال فاقول: اصحابى؟.. اصحابى؟ فيقول: انه لم يزالوا مرتدين على اعقابهم مذ فارقتهم.

فاقول: كما قال العبد الصالح: (وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتنى كنت ان الرقيب عليهم).

كتب التفتازانى يقول: (ان ما وقع بين الصحابه من المحاربات والمشاجرات على الوجه المذكور المسطور فى كتب التواريخ والمذكور على السنه الثقات ، يدل بظاهره على ان بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق. وكان الباعث له الحقد والعناد، والحسد واللداد، وطلب الملك والرئاسه، والميل الى الملذات والشهوات، اذ ليس كل صحابى معصوما، ولا كل من لقى النبى بالخير موسوما).

ان منح الصحابى حاله من القداسه وعذره فى كل موقف وتصرف وتفسير ذلك بالاجتهاد الذى يثاب عيه اخطا ام اصاب، قد فتح الباب على مصراعيه امام التجاوزات والانتهاكات، وجرا الكثيرين من اصحاب الطموح والعقد الدفينه ليحققوا كل ما تصبو اليه نفوسهم باسم الاسلام من امثال: معاويه وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد، والمغيره بن شعبه، وسعيد بن العاص وبسر بن ارطاه. وفى هولاء من تمرس فى القتل والارهاب والوحشيه.

او لم يمرق (حرقوص بن زهير) من دين اللّه وكان صحابيا؟! او لم يقل رسول اللّه فيه: (انه يمرق عن دينه كما يمرق السهم عن رميته)؟ فكان مصيره الاسود ان يكون من زعماء الخوارج الذين عاثوا فى الارض الفساد. وعبداللّه بن جحش نموذج آخر فلقد كان من المسلمين المهاجرين الى الحبشه، فارتد عن دين الاسلام واعتنق النصرانيه، ومن هنا فليس هناك من ضمانات عن استمرار رضا اللّه الا باستمرار الايمان وتداومه فى قلوبهم.

فالانحراف والضلال وارتكاب الاثم سوف يذهب بالاعمال الصالحه كرماد اشتدت به الريح فى يوم عاصف.

ايقاف النشاط الفكرى: ومن الظواهر التى برزت بعد وفاه النبى(ص) توقف النشاط الفكرى ومصادره الحريه والوقوف بوجه البحوث العقليه.

فقد شهدت فتره صدر الاسلام وخاصه فى عهد الخليفه الاول والثانى تجميدا لهذا الجانب الثقافى، واعتبار ذلك جزء من البدع.

فقد سجل التاريخ ان احدهم ناظر الخليفه الثانى، مما دفع بالاخير الى ان ينهال عليه بالسياط حتى ادمى جلده.

كما ورد بان الخليفه الثانى فسر آيه فى القرآن الكريم تفسيرا يوحى بمفهوم الجبر، فاعترض عليه احدهم فتهدده الخليفه بالقتل لولا ان تدخل بعض من حضروا الواقعه وهدا من روع الخليفه. ولقد ادت هذه الاجراءات الى شل الاساليب العقليه فى الاستدلال واضعاف الاسس المنطقيه لعلم الكلام، وتهمشيه ومن ثم انحصار اساليب اثبات العقائد فى التقليد والاجماع الذى لا يعنى فى الواقع اجماع الامه بل اجماع قطاع من علماء فرقه ما.

وهكذا اصبح لكل فرقه اجماعها فى اثبات عقائدها. وبهذا تهمشت الادله الحقيقيه التى تتجسد فى منطق العقل ومعطيات الكتاب والسنه.

نتائج الوضع الاجتماعى بعد النبى(ص): كان للاتجاه الذى اعقب وفاه النبى آثاره المريره فى الامه الاسلاميه وهذه اشاره الى ابرزها: الف : زوال قداسه النظام الاسلامى: كان المحور العام للمصالح الاسلاميه منحصرا فى اطار الكتاب والسنه الشريفه، فطرات المصلحه الانيه لتعلب دورها فى الحياه الاجتماعيه متقدمه على الكتاب والسنه، ليتخذ النظام الاسلامى شكل النظام الاجتماعى المادى. وقد ظهر هذا واضحا لدى احلال مصلحه الحاكم والخليفه بدل مصلحه الاسلام والمسلمين.

فتكون المصلحه وفق رويه الخليفه الشخصيه، حتى لو اصطدمت مع سنه النبى(ص)، عندئذ يكون الخليفه قد اجتهد فى رايه. ومن هنا تزعزعت اسس النظام الاسلامى، حتى اننا نرى الخلفاء الاربعه الاوائل وكل منهم لديه اسلوبه فى الحكم.

ولما وصل الدور الى معاويه كانت الحاله اشبه ما تكون بانقلاب عسكرى واطاحه بالنظام الاسلامى ليحل مكانه نظام دكتاتورى غاشم.

لقد كان هناك تشابه فى سياسه الخليفه الاول والثانى ثم جاء الخليفه الثالث فكان له نهجه الخاص، ثم اعقبه الخليفه الرابع فكانت له سياسه تختلف عن الجميع. واما سياسه معاويه فكانت اقرب الى سياسه الاباطره والملوك المستبدين. وقد اسفر الوضع واضافه الى الانحراف فى النظام السياسى الى نتيجتين: الاولى: ظهور الطبقيه فى المجتمع والتى حاول الاسلام تذويبها نهائيا.

الثانيه: انصراف الجهد الحكومى الى التوسع وتعزيز السلطه والسيطره وعلى حساب جميع اهداف الاسلام العليا فى تربيه الامه وتكامل المجتمع .

ب : تغيير الاحكام الاسلاميه: وقد اشير الى نماذج فى هذا المضمار.

ج : منع حركه التدوين وزوال سنه النبى(ص): يمكن القول ان حركه تدوين الحديث قد بدات فى حياه النبى(ص)، وكان(ع) يشجع اصحابه على حفظ وتدوين الحديث النبوى. وما حصل بعد وفاه النبى ان الموسسه الحاكمه قد تصدت بعنف الى حركه التدوين وحاربتها دون هواده. وقد استمر الوضع على هذه الوتيره حتى اخريات العهد الاموى.

فقد اقدم الخليفه الاول على جمع الحديث النبوى ومن ثم اضرام النار فيه وجاء الخليفه الثانى ليصعد الحاله فتصدى بشده وتهدد المخالفين باقسى العقوبات. ونتيجه لذلك ضاع معظم تراث النبى(ص) بوفاه معظم الصحابه وبالتالى فتح الباب على مصراعيه امام حركه مضاده وهى تزوير الحديث ووضعه، وقد راجت هذه السوق فى زمن معاويه الذى انفق اموالا طائله فى هذا الاتجاه الخطير. وقد اتجه نقل الاحاديث اتجاها خطيرا كان معاويه قد حدد معالمه ضمن خطط واهداف وغايات مرسومه، فقد شجع معاويه على نقل الاحاديث واختلاقها فى ما يخص مناقب الخلفاء الثلاثه، والتركيز بشكل خاص على الخليفه الثالث لاعتبارات قبليه محضه.

فى نفس الوقت الذى سن فيه عقوبات قاسيه بحق كل من يذكر منقبه لعلى بن ابى طالب او على حد تعبير السلطه آنذاك: لابى تراب. وهكذا اتجهت حركه الحديث اتجاها بعيدا عن الشريعه وراحت تدور وتدور فقط حول تمجيد الخلفاء الثلاثه.

فمن مجموع اثنى عشر الف صحابى عاشوا بعد النبى ما يقرب القرن من الزمن لم ينقل التاريخ عنهم سوى خمسمئه حديث فقط فى الفقه وكمعدل لحجم الاحاديث يشترك كل اربعه وعشرين صحابيا فى نقل حديث واحد! وقد وصلت الامور حدا موسفا عندما نفتقد لبعض سنن النبى(ص) سندا اكيدا فى مسائل يوميه تتكرر مرات فى اليوم الواحد مثل مساله الوضوء والصلاه.

فما يزال الاختلاف والغموض والتضاد بين المذاهب فى هذه المسائل قائما حتى اليوم. ولا يوجد مذهب واحد يمكنه ان يقدم دليلا مسندا لارائه فى هذه القضايا وحسم الموقف فيها.

هذا مع التاكيد على ان الاوضاع الاجتماعيه الموسفه التى تعرض لها المجتمع الاسلامى لا تنحصر فيما مر آنفا.

نشاط التشيع فى الدفاع عن الحق: ما مر ذكره من اوضاع موسفه ومريره تنحصر فقط خارج اطار التشيع وهو عقيده اهل البيت(عليهم السلام).

فلقد التف الشيعه منذ ظهورهم المبكر فى التاريخ الاسلامى حول القرآن والعتره، وراحوا يشقون طريقهم فى توازن مستمد من احاديث موكده عن النبى تدعو الى التمسك بالثقلين معا كتاب اللّه والعتره الطاهره والى ركوب السفينه التى يغرق من لا يركبها و.. الامر الذى حفظ للاسلام خطه الاصيل وروحه وقلبه النابض بالحياه.

الخلاصه:

1 - بالرغم من تاكيدات النبى(ص) حول زعامه على بن ابى طالب(ع) للدوله الاسلاميه بعده، فقد ظهرت بوادر ووقعت حوادث موسفه غيرت من مسار النظام الاسلامى وجرته الى انحرافات خطيره.

2 - ان الانحراف قد بدا عندما حلت (المصلحه) محل (الحقيقه)، ثم تطورت فكره (مصلحه المسلمين) لتعنى (مصلحه الخليفه).

3 - ان الحكام ومن اجل تحقيق تلك (المصلحه) قد عمدوا الى اجراء تغيير فى الشريعه.

4 - بدا نقل الحديث باتجاه تاسيس حصانه للصحابه، تبرر لهم الخطا وتعتبره اجتهادا فى الراى يثابون عليه والتى تعرف اليوم بنظريه عداله الصحابه.

5 - ان القرآن لا يقف موقفا ايجابيا من نظريه عداله الصحابه وكذا هو موقف السنه والعقل.

6 - ان ايقاف النشاط الفكرى القائم على البحث المنطقى والاستدلال العقلى قد ادى الى ضياع القسم الاعظم من سنه النبى(ص).

اسئله ومناقشه:

1 - ماهى الاسباب التى ادت بالصحابه الى تجاهل وصايا النبى وتاكيداته فى ولايه على بن ابى طالب(ع)؟

2 - هل ان كل الصحابه مجتهدون؟ لماذا؟

3 - كيف بدا التاسيس لفكره عداله الصحابه؟

4 - اذكر موقف الخليفه الاول من نقل وتدوين الحديث النبوى والنتائج التى تمخضت عن ذلك ؟

5 - لماذا اوقفت البحوث العقليه؟ وما هى النتائج التى تربت على ذلك اجتماعيا؟

6 - اشرح النتائج التى تمخضت عن منع تدوين الحديث.

الدرس التاسع : فى ظلال اهل البيت (عليهم السلام) فى خضم التاريخ: هناك روى مختلفه حول ظهور التشيع فى تاريخ الاسلام.

اذ يعتقد البعض ان التشيع ظهر بعد وفاه النبى(ص)، وبدات نواته تتبلور فى ازمه الخلافه التى عصفت بالمجتمع الاسلامى آنذاك.

كتب اليعقوبى قائلا: (وتخلف عن بيعه ابى بكر قوم من المهاجرين والانصار ومالوا مع على بن ابى طالب، منهم العباس بن عبدالمطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسى، وابو ذر الغفارى، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وابى بن كعب). ويقول المسعودى بتشيع سلمان وعمار فى حياه النبى. وقال آخرون: (اما ما ذهب اليه بعض الكتاب من ان اصل مذهب التشيع من بدعه عبداللّه بن سبا المعروف بابن السوداء، فهو وهم وقله علم بحقيقه مذهبهم. ومن علم منزله هذا الرجل عند الشيعه وبراءتهم منه ومن اقواله وكلام علمائهم فى الطعن فيه بلا خلاف بينهم فى ذلك ، علم مبلغ هذا القول من الصواب.

بل لا ريب فى ان ظهور الشيعه كان فى الحجاز بلد المتشيع له، وكان التشيع هناك ضعيف الحول ولكنه مكين فى قلوب اهله ثم استفحل امره فى العراق زمن خلافه على).

النبى(ص) الموسس الحقيقى لخط التشيع: انطلاقا مما اشرنا اليه فان طائفه من الباحثين يعتقدون بان النبى(ص) هو الموسس الحقيقى لخط التشيع، ذلك ان النبى(ص) اول من استخدم هذا الاصطلاح فى احاديثه التى تشيد بعلى واتباعه. وقد اورد المفسرون من اهل السنه فى ان الايه الكريمه: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البريه) قد نزلت فى حق على: اخرج الحافظ جمال الدين الزرندى عن ابن عباس: ان هذه الايه لما نزلت قال(ص) لعلى: (هو انت وشيعتك ، تاتى انت وشيعتك يوم القيامه راضين مرضيين، وياتى اعداوك غضابا مقحمين). وهو ايضا راى الطبرى المفسر والمورخ المعروف، كما كتب حسن بن موسى النوبختى يقول: (فاول الفرق: الشيعه، وهى فرقه على بن ابى طالب المسمون شيعه على فى زمان النبى(ص) وبعده، معروفون بانقطاعهم اليه، والقول بامامته، ومنهم المقداد بن الاسود الكندى، وسلمان الفارسى، وابو ذر جندب بن جناده الغفارى، وعمار بن ياسر المذحجى، الموثرون طاعته، الموتمون به، وغيرهم ممن وافق مودته موده على بن ابى طالب، وهم اول من سموا باسم التشيع من هذه الامه، لان اسم التشيع قديم، شيعه نوح وابراهيم وموسى وعيسى والانبياء). وعلى هذا يكون النبى(ص) هو الذى ارسى دعائم التشيع عندما تفرز تلك الاحاديث الشريفه التفافا حول على كرمز للحق والاستقامه والايمان.

التشيع يعنى الاسلام المحمدى: ان خط التشيع فى اصوله وفروعه لا يعدو ان يكون سوى جوهر الاسلام الحقيقى...الاسلام كما جاء به رسول اللّه(ص) وعندما يقال للشيعه بانهم اتباع المذهب الجعفرى فلان الامام جعفر الصادق وهو من ذريه رسول اللّه(ص) ومن وائمه اهل البيت(عليهم السلام) قد فجر ينابيع العلم والمعرفه وتبلورت على يديه حقيقه التشيع فى ظروف مناسبه شهدت فيها الدوله الامويه بدايه اضمحلالها وزوالها وتضاءل حده الارهاب الحكومى. والتشيع يمثل قلب الاسلام النابض بالحياه وعلى حد تعبير الكاتب والمفكر المصرى محمد فكرى ابو النصر: (ان الشيعه لا علاقه لهم بابى الحسن الاشعرى فى الاصول، ولا بالمذاهب الاربعه فى الفروع، على اساس ان مذهب ائمه الشيعه اسبق من سائر المذاهب بالتبعيه، وكذلك هو اجدر بالاتباع لانفتاح باب الاجتهاد فيه الى يوم القيامه، وايضا فان هذا المذهب لم يكن ليصاغ متاثرا بالقوى والنزاعات السياسيه). ويقول الاستاذ ابو الصفاء الغنيمى التفتازانى: (وقع كثير من الباحثين - سواء فى الشرق او فى الغرب، قديما وحديثا - فى احكام كثيره خاطئه عن الشيعه لاتستند الى ادله او شواهد نقليه جديره بالثقه.

وتداول بعض الناس هذه الاحكام فيما بينهم دون ان يسائلوا انفسهم عن صحتها او خطئها. وكان من بين العوامل التى ادت الى عدم انصاف الشيعه من جانب اولئك الباحثين الجهل الناشى ء عن عدم الاطلاع من المصادر الشيعيه والاكتفاء بالاطلاع على مصادر خصومهم). ومن اجل ان ندرك دور التشيع فى مسار الاسلام ثقافيا وفى الاصعده الاخرى نستعرض بشكل اجمالى حيوات الائمه من اهل البيت(عليهم السلام):

1 - فى ظلال الامام على(ع) (11 - 40):

يمكن تقسيم ذلك المقطع التاريخى الى قسمين: الاول حياه الامام(ع) فى عهد الخلفاء الثلاثه والقسم الثانى: مده خلافته(ع) وتبلغ اربعه اعوام وتسعه اشهر وايام .

القسم الاول: الاشراف على المسار الاسلامى: وفى هذا الفتره التى تمتد الى حوالى ربع قرن من الزمن، كان للامام على(ع) حضوره الموثر والفاعل فى تصحيح بعض الانحرافات الاساسيه.

ذلك ان الفتره التى اعقبت حياه النبى(ص)، كانت استمرارا تاسيسيا للاسلام فى الحياه الانسانيه. ولهذا نرى للامام(ع) مواقفه فى تطبيق الحدود الاسلاميه، وفى توجيه تلك الحدود فى مسارها الصحيح.

فكان الامام(ع) ومجموع الصحابه الذين التفوا حوله رقباء على مسار الدوله فى الاداره والسياسه وفى الفتوحات والاخطار التى قد تهدد المدينه قلعه الاسلام الاولى وحصنه الحصين. ولا ننسى الاشاره ايضا الى الجانب الانتاجى فى مضمار الزراعه والرى ودور الامام(ع) فى ذلك . وكانت فلسفه الامام آنذاك السكوت ما سلمت امور المسلمين ولم يكن من حيف الا عليه خاصه. ونورد فى هذا المجال موقف الامام ازاء تجاوزات الوليد الاخلاقيه فى امارته الكوفه وسكره اثناء الصلاه فى محراب المسجد الجامع وهو يوم المسلمين، وامتناع الخليفه عثمان عن اقامه الحد عليه لاعتبارات عائليه.

فاندفع الامام لينفذ حكم اللّه بنفسه امام الملا واعلن انه لن يتساهل فى تعطيل حدود اللّه ولن يقف مكتوف الايدى امام الانحرافات.

القسم الثانى: التصحيح الثقافى: كانت مده حكم الامام وخلافته وجيزه نسبيا استغرقها الامام فى حروب داخليه وصراعات سياسيه مريره.

لقد كان الامام(ع) يمثل خط الاستقامه وكان عليه ان يواجه مظاهر الانحراف التى تجذرت فى المجتمع الاسلامى طوال خمسه وعشرين عاما. ومن الممكن ان نشاهد موقف الامام(ع) فى تلك الحقبه المريره ودوره فى حركته التصحيحيه فى (نهج البلاغه) والذى يعد ميراثا اسلاميا كبيرا يحتل المرتبه الثانيه بعد القرآن الكريم. ولقد كان من ابرز ما واجهه الامام(ع) فى خلافته ظاهره خطيره تتمثل فى انطفاء الروح الاسلاميه واستغراق المجتمع الاسلامى فى حياه دنيويه مترعه بالماديات.

لقد كان للفتوحات الاسلاميه فى ظل سياسه الخلفاء آثارا سلبيه تبلورت فى تدفق غنائم مذهله نحو عاصمه الاسلام، وهذاما دفع بالامام الى تركيز ارشاداته فى مضمار الزهد والتقوى والاعراض عن الدنيا، الى جانب تشدد الامام فى اقامه العدل الاجتماعى فى الحياه، وقد دفع الامام(ع) لذلك ثمنا باهضا كلفه فيما بعد حياته الشريفه عندما هوى فى محراب المسجد شهيدا. ولم يغفل الامام عن جانب تربوى هام يتجسد فى تربيه تلامذه زقهم العلم زقا فكانوا حمله للعلم والمعرفه ودعاه للاسلام الاصيل.

2 - فى ظل الامام الحسن(ع) (40 - 50) ه:

حاول الامام فى مطلع هذه الفتره مواجهه الانحراف بالقوه وحسم الموقف عسكريا.

غير ان الظروف لم تكن مواتيه، وكان التمزق والاستغراق فى الدنيا قد عصف بجبهه الحق.

كما كان لسياسه معاويه الماكره وبذله الاموال بلاحساب وشراء الضمائر والذمم دورا قذرا فى تمزيق الصفوف ليبقى الامام الحسن(ع) وحيدا فى الساحه.

فكان امام الامام طريقان: المغامره بخوض حرب خاسره ستاتى بالفناء والدمار على البقيه الباقيه من المومنين والمخلصين، او السلام من اجل الاسلام. وكان من راى الامام لو كانت الظروف مواتيه ان لا يواجه معاويه الا وبينهما السيف ولكن الامور سارت بعكس ما يرى الامام فاضطر للصلح وحقن الدماء وتاجيل المعركه الى حين. وبهذا يكون الامام قد اقتدى بسنه جده محمد(ص) يوم وقع وثيقه الحديبيه للسلام. وكانت فلسفه الامام(ع) حقن الدماء اولا واماطه اللثام عن الوجه الحقيقى والكريه لمعاويه وانه لا يمثل الحاكم المسلم ثانيا.

لهذا فقد وضع الامام شروطا حققت اهداف الامام، اذ سرعان ما انكشف معاويه على حقيقه وظهرت كل اساليبه الماكره والمخزيه فى دنيا الاسلام...وهكذا ازال الامام بموقفه كل الغموض عن تلك الحقبه فى التاريخ الاسلامى.

3 - فى ظلال الامام الحسين(ع) (50 - 61) ه:

اتخذ الامام الحسين(ع) خلال هذه الفتره موقفين تبعا للظروف السائده آنذاك.

الاول: فى عهد معاويه، وقد احترم الامام معاهده السلام التى امضاها شقيقه، اضافه الى قناعته بعدم جدوى اى تحرك عسكرى مضاد للحكم القائم وهو ما اعرب عنه لدى دعوه بعض الكوفيين الامام للمواجهه، ودعا الناقمين على الوضع الى المحافظه على استعدادهم مادام معاويه حيا. وهذا لا يعنى ان الامام فضل حاله الانزواء ولم يكن له نشاط اجتماعى فلقد كان فى الصميم مما يجرى آنذاك وما اكثر مواقفه الحازمه تجاه سياسه معاويه، فقد استنكر بشده غارات معاويه واساليبه القمعيه التى طالت المسلمين وخاصه ممن تشم فيهم رائحه التشيع. وقد سجل التاريخ موقفه فى موسم الحج لدى اجتماعه مع مئات الصحابه والتابعين وطلبه منهم نقل ندائه الى ديارهم وتهيئه الاجواء لحركه مسلحه، اذ اعرب الامام عن ادانته الصريحه للحكم القائم.

الثانى: فى عهد يزيد، فبالرغم من ان معاهده السلام بين معاويه والامام الحسن تنص صراحه على اعاده الخلافه الى الحسن فان توفى فالى الحسين، الا ان معاويه وضع هذا الالتزام تحت قدميه كسائر بنود السلام الاخرى، كما قال ذلك صراحه وامام الراى العام. ولم يكتف معاويه بهذا بل عمل على تحويل الخلافه الى ملك ، اذ راح يهى ء الارضيه المناسبه لاستخلاف ابنه يزيد. ولقد كان يزيد عصاره لكل مساوى ء واخلاق ابيه الهابطه الى جانب حرمانه من اساليب ابيه الملتويه والخادعه وسياسته الماكره، وكان انسانا ماجنا جاهلا يقضى معظم اوقاته فى اللهو والعربده والمجون، وكان فظا غليظا، ويعود هذا الى نشاته فى بيئه بعيده عن الحضاره. وكانت ام يزيد امراه من قبيله نصرانيه تعيش فى الباديه، فنشا فى بيئه غير اسلاميه. ولهذا نراه يانس بالشراب وملاعبه القرده والكلاب لم يكن يقيم لاى شعيره اسلاميه وزنا ولا ابدى لها احتراما فكان يعبر عن افكاره دون حياء ولا خوف، يسكر ويعربد حتى امام وفود الصحابه ممن ارادو رويه يزيد عن قرب. ولهذا وجد الامام الحسين نفسه مسوولا فى مواجهه الحكم والانحراف السافر بالقوه. وهكذا كان موقف الحسين الذى لخصه فى حديث سمعه عن جده محمد(ص): من راى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم ناكثا لعهد اللّه، يعمل فى عباده بالاثم والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله. ومعنى هذا ان السكوت سيجعل من مصير الساكتين نفس مصير الطاغيه وهو النار وبئس القرار. وقد اعرب الامام الحسين(ع) عن استيائه ازاء الوضع القائم فى قوله: (على الاسلام السلام اذا ابتليت الامه براع مثل يزيد). وفى تلك الظروف العصيبه، اعلن الامام الحسين ثورته المسلحه، بعد الضغوط الهائله التى تعرض لها من قبل الوالى لمبايعه يزيد. ولقد اضطر الامام الى مغادره المدينه المنوره، والتوجه الى مكه للاجتماع بكبار الزعماء هناك، وما لبثت الامه الاسلاميه هنا وهناك ان تعاطفت مع موقف الحسين(ع)، فانهالت عشرات ومئات ثم آلاف الرسائل من مختلف المدن والحواضر وفى طليعتها مدينه الكوفه معقل المعارضه آنذاك. وكان الكوفيون يلحون فى قدوم الامام(ع) وانقاذهم من نير الحكم الاموى الغاشم. وقد ارسل الامام الحسين(ع) ابن عمه مسلم بن عقيل سفيرا الى الكوفه للوقوف على حقيقه الاوضاع. وقد وجد السفير الكوفه تغلى بالثوره فارسل الى الامام يدعوه الى القدوم على وجه السرعه فالظروف مواتيه جدا. ولكن سرعان ما تغيرت الاوضاع بسرعه واتخذت من قبل الحاكمين تدابير سريعه، وسجل الكوفيون مره اخرى تخاذلهم وخذلانهم للحق، اذا سرعان ما اصبح الذين كانوا يطالبون بحضور الامام جنودا فى جيش اموى جرار هدفه ارغام الحسين على بيعه يزيد! وحدث ما كان متوقعا اذ حاصرت الجيوش الامويه قافله الحسين وقطعت عليها طريق التوجه الى الكوفه او العوده الى المدينه. وكان امام الحسين(ع) طريقان ان يقاتل او يستسلم ولم يتردد الامام الحسين فى الاختيار فاعلنها كلمه مدويه: هيهات منا الذله يابى اللّه لنا ذلك ورسوله والمومنون. وهكذا سطر الامام الحسين مع اهل بيته واصحابه اروع ملاحم المقاومه، الى ان هووا جميعا ظامئين على شطان الفرات. وكان ما حدث فى كربلاء فى تلك الصحراء الملتهبه ملحمه بطوليه احدثت هزه عنيفه فى الضمير الاسلامى المثقل بالخدر، فتحطم طوق الخوف، وهب الاسلام المقاتل يوسس لحركه استشهاديه مدماه اعادت للاسلام هويته التى حاول الطغاه طمسها الى الابد. وكان من ثمار تلك الملحمه الخالده والثوره البطوليه ان انتفض الشعب الايرانى الذى يدين بالولاء لاهل البيت فى ثوره فريده بقياده ابن الحسين والسائر على دربه الامام الخمينى الراحل (رض).

الخلاصه:

1 - تختلف الروى فى مساله ظهور التشيع ويستند بعضها الى اوهام باطله ومغرضه.

2 - ان الرسول الاكرم(ص) هو الموسس الحقيقى للتشيع اذا افرزت الاحاديث فى حق على(ع) فهما خاصا لدى بعض الصحابه فالتفوا حوله وسماهم النبى بشيعه على.

3 - ان التشيع فى اصوله وفروعه هو الاسلام الاصيل، كان انه لا يعنى سوى اتباع النبى وآله وهم اهل البيت.

4 - ان معظم اسباب العداء للتشيع تعود الى عدم مراجعه المصادر الشيعيه والاستناد الى كتب المعادين والخصوم.

5 - ان الامام على(ع) قد سكت عن حقه مده خمسه وعشرين سنه مارس خلالها مسووليه مراقبه المسار العام للدوله وكان له حضوره الفاعل فى البناء والتصحيح.

6 - لقد احيا الامام الحسن(ع) فى معاهده السلام سنه جده رسول اللّه(ص) فى صلح الحديبيه.

7 - تتجسد رويه الامام الحسين(ع) فى تصحيح الانحراف، هى ان يستشهد على ذلك النحو الماساوى فيتحطم طوق الخنوع والخوف الذى لف امه جده(ص).

اسئله ومناقشه:

1 - متى ظهر التشيع وكيف؟

2 - ماهى الاسباب التى تكمن وراء توجيه التهم الباطله للتشيع؟

3 - اكتب تحقيقا فى عدد العلماء من اهل السنه ممن درسوا على ايدى اساتذه شيعه.

4 - ماهى طبيعه الخدمات المتبادله بين ايران والاسلام؟ ماذا قدمت ايران للاسلام، وبالعكس ماذا افادت ايران من الاسلام؟

5 - اكتب تحقيقا فى عدد العلماء الايرانيين من اهل السنه وعدد العلماء الشيعه من العرب.

6 - اشرح باختصار مده امامه على بن ابى طالب ومسوولياته خلال تلك المده.

7 - لماذا صالح الامام الحسن معاويه؟ وماهى النتائج التى تمخضت عن ذلك ؟

9 - ماهى فلسفه الثوره لدى الامام الحسين اذكر ثمانيه عوامل فى ذلك .

الدرس العاشر : فى ظلال اهل البيت (عليهم السلام)

4 - فى ظلال الامام السجاد(ع) (61 - 95) ه:

تعد الحقبه التى عاشها السجاد اماما من اكثر الفترات التاريخيه حراجه.

فلقد عصفت بالامه الاسلاميه الكوارث، وتوالت المجازر التى نفذتها السلطات بحق المجتمع المسلم، بدء بفاجعه كربلاء.

كما وجدت السلطه نفسها قادره على تحطيم كل من يقف فى طريق تحقيق اهدافها.

فكان سقوط الامام الحسين شهيدا وتمزيق جسده الطاهر وعبور الخيل فوق صدره رمزا لاستباحه العالم الاسلامى من اقصاه الى اقصاه فلم يعد هناك شى ء معقول ولا معقول، شرعى وغير شرعى فكل شى ء مستباح امام يزيد والحكم الاموى بشكل عام. وفى تلك الفتره العاصفه تصدى الامام السجاد لينهض بمسووليته فى الحفاظ على رساله جده محمد(ص) فقام بما يلى: الف - التعبير عن حقائق الدين الاسلامى فى قالب جديد وبيان معارف الاسلام فى اسلوب الدعاء، وقد اسفر عن هذا الاسلوب ان ظهرت الصحيفه السجاديه التى تعد ميراثا اسلاميا هاما حتى قيل عنها: (زبور آل محمد) وهى تتضمن واضافه الى عشرات الدعوات على خمس عشر مناجاه تعد من روائع ادب الدعاء، وهى الى ذلك دائره معارف فى مختلف الحقائق القرآنيه.

ب - الحفاظ على منجزات الثوره الحسينيه فى يوم عاشوراء، وتجذير تلك الذكرى الالهيه فى الضمير المسلم، وقد افرز تحرك الامام السجاد فى هذا الاتجاه وعيا وتصميما عميقين لدى الامه. واستطاع الامام بالرغم من الجو الخانق ان يكشف عن الوجه الاموى واللاانسانى للطغمه الامويه المستبده، حتى لدى الراى العام فى الشام معقل الامويين. وخلاصه القول ان الامام السجاد تمكن من تاسيس ثقافه الاستشهاد فى حياه الامه الاسلاميه.

ج - الحوول دون نفوذ الانحراف الى الاصول والمبانى فى ثقافه الاسلام، والرد على الشبهات التى بدا ظهورها فى الحياه الاسلاميه، فكان الامام مثالا ونموذجا لثقافه القرآن ومعارفه الالهيه.

د - تربيه ابناء عظماء صنعوا التاريخ وسطروا فى ذلك الملاحم فى طليعتهم زيد الشهيد التى تعد ثورته امتدادا لثوره عاشوراء الحسين وزعيم الاحرار وابى الشهداء.

ففى عهده بدا عصر الثورات التى استلهمت ما حدث فى كربلاء، فكانت واقعه الحره فى المدينه المنوره، وثوره التوابين، وثوره المختار، وثوره القراء، وتوجت بثوره زيد الشهيد الكبرى التى كادت تعصف بالحكم الاموى.. وهى الثوره التى مهدت امام الثوره الشامله والتى اطاحت بالحكم الاموى الفاسد سنه 132 ه.

5 - فى ظلال الامام محمد الباقر(ع) (95 - 114) ه:

وفى عهده بدات اكبر نهضه علميه على يديه، اذ انفتحت حدود الدوله امام الثقافات الغريبه، فظهرت عشرات الشبهات والانحرافات الفكريه، وهنا نهض الامام الباقر لحارس لشريعه الاسلام والامين فى تبليغها الى وقف المد الانحرافى فتفجرت علوم الاسلام المكنونه لدى اهل البيت(ع). وفى عهده تاسست علوم الاسلام فى الكلام والعقائد، كما تصدى الامام بحزم الى الاتجاه الصوفى الذى اصبح يهدد الشخصيه المسلمه ويدفعها الى حاله من اللامبالاه بما يجرى من انحرافات تسجع عليها السلطات. ولا ننسى ايضا استمرار النهج العلوى المسلح واشتعال الثورات واستمرار المقاومه. وفى خضم هذه الفتره العاصفه تمكن الامام من بلوره مدرسه واضحه لاهل البيت فقها واصولا وتفسيرا ومنطقا.

فاذا هو الامام الذى بقر العلم بقرا وتحققت فى شخصه نبوءه الرسول(ص) واذا به يدعى بالباقر من اجل ذلك . ولهذا اعتبرته السلطه الامويه العدو رقم واحد والاكثر خطرا على استمرارها، ولا ادل على ذلك من موامراتها المتواصله فى مضايقته او الحط من شانه واخيرا تصفيته بدس السم اليه. ولقد كان الامام يرى فى اقامه العزاء وسيله اعلاميه لها آثارها الايجابيه فى حياه الامه وثقافتها، حتى انه اوصى فى اقامه العزاء فى موسم الحج فى منى مده عشره اعوام.

ومالبثت هذه الفكره ان تطورت لتاخذ اشكالا اكثر تقدما فظهر المنبر الحسينى فى الثقافه الاسلاميه.

6 - فى ظلال الامام الصادق(ع) (114 - 148) ه:

وكان عصره استمرار اللثوره الثقافيه التى فجرها الامام الباقر(ع) وقد اتاحت الصراعات السياسيه والمواجهات الداميه بين الحكم الاموى ومعارضيه فرصه ذهبيه للامام الصادق فى ان ينصرف الى تشكيل جامعه اسلاميه كبرى.

فتخرج على يديه عشرات العلماء فى مختلف العلوم الاسلاميه وحتى العلوم التجريبيه. وفى ظلاله نبغ اساتذه الكلام والتفسير والفقه وعلوم القرآن والفلسفه،والكيمياء. وهكذا تبلورت بشكل نهائى كليات الاسلام وتفاصيله. وقد بلغ من تاثير الامام الصادق فى الحياه العلميه ان عرف على التشيع بالمذهب الجعفرى.

ذلك ان الامام الصادق قد طبع المذهب الشيعى بطابعه وعلى يديه تبلورت افكاره ومناهجه. ومع ذلك فهل يمكن ان نقول ان الامام قد اعرض عن الجانب السياسى فى الحياه الاسلاميه؟ اننا نجد الجواب فى هواجس المنصور الدوانيقى واحساسه العميق بالخطر الذى يتهدد نظامه ودولته من وجود تلك الشخصيه العملاقه.

فقد كان موقف الامام من الحكم آنذاك سلبيا وكانت مقاطعته تمثل احراجا للنظام حتى ان اتباعه يحرمون التعاون مع السلطه حتى فى بناء المساجد. وتزامن ذلك فى مواجهته للاتجاه الصوفى والذى يعد استمرارا لسياسه والده العظيم، يتضح ذلك فى حواره مع ابن المنكدر.

فكان الاسوه والقدوه والمثال للمسلم الحقيقى والانسان الكامل. ولم ينحصر تفكير الامام واهتمامه فى مقطع تاريخى معين، فلقد كان يخطط للاجيال القادمه. ولذا نراه يتخذ اجراء وقائيا يحمى فيه الامام الذى سيتصدى بعده فى النهوض بمسوولياته.

فنراه يوصى الى خمسه اشخاص كان المنصور وحاكم المدينه المنوره ضمنهم. واذا عرفنا ان المنصور قد ابرق الى حاكم المدينه عشيه وفاه الامام الصادق يامره فيها بقتل من اوصى اليه الصادق(ع)، ادركنا عمق تفكير الامام واحاطته باهداف الحكم ومخططاته. وبهذا انقذ الصادق وصيته الحقيقى وحامل ميراثه العلمى والرسالى من خطر الموت. ويمكن القول ان الامام الصادق وبالرغم من عدم اتخاذه موقفا صريحا كان مويدا لحركه الثوره التى ناهضت الحكمين الاموى والعباسى على حد سواء.

غير ان الامام لم يكن ليويد ايه حركه مسلحه مالم يعرف اهدافها وبواعثها وطبيعه قادتها، من اجل هذا نرى موقفه الحذر من عروض ابى سلمه الخلال فى نقل السلطه الى العلويين وكذا موقفه من ابى مسلم الخراسانى، ذلك انه لم ير فى مواقفهم غايه اسلاميه.

7 - فى ظلال الامام موسى الكاظم(ع) (148 - 183) ه:

هناك تشابه فى الظروف التى عاشها الامام الكاظم(ع) والظروف التى عاشها الامام الحسين(ع).

فلقد مثل الرشيد ذروه الفساد العباسى فى الحكم والانحراف، يظهر ذلك فى حياه البذخ والترف، وفى تلك القصور المنيفه التى شادها هنا وهناك على شطان دجله. ولقد عاش الرشيد حياه مترعه بكل اللذائذ المحرمه،الى جانب طغيانه وولوغه فى الدماء.

هذا من جهه ومن جهه اخرى بدا موسى الكاظم امامته فى ظروف عصيبه فلقد اصدر الرشيد امرا يقضى بقتل الامام الذى يعقب الصادق فى مسوولياته. ولهذا خفى امر الامام مده من الزمن، ثم بدا اتباع اهل البيت فى الاجتماع بالامام بشكل سرى حذرا من بطش السلطات. ولقد تحمل الامام الكاظم رغم تلك الظروف العصيبه مسوولياته، وبدا نشاطه فى محاور منها: الف - نشاطه الثقافى والعلمى: فقد كان امتدادا لابيه الصادق بالرغم من قسوه الظروف والاجواء الخانقه، حتى اننا نجد بعض المقربين من الامام الصادق وهم يجهلون خليفته فى الامامه، وكان الامام الصادق يخفى ذلك متعمدا حذرا من بطش الحكم العباسى. ومع هذا فان الامر لم يبق خافيا اذ سرعان ما طار صيت الامام الكاظم وعرفه القاصى والدانى، وراح طلاب العلم يومون منزله ويتوجهون شطره.

فاذا الرواه وفى ايديهم القراطيس يكتبون كل ما افتى به الامام بل كل كلمه تصدر عنه، فهو نبع العلم والمعرفه والحقيقه.

ب - مواجهه الحكم الغاشم وموقفه الصريح فى ادانه السلطه الحكوميه واعلانه الواضح بانه زعيم العالم الاسلامى، ولهذا شدد على مقاطعه النظام الحاكم وعلى كافه الاصعده.. حتى وصل الامر درجه نهى فيها الامام (صفوان الجمال) من تقديم خدماته للرشيد وتاجير جماله له حتى فى موسم الحج. وكان الامام يفضل ان يرمى من شاهق فيتقطع اربا اربا على ان يتعاون مع الحكم القائم.

. ومع ذلك فانه لم يمنع بعض رموز الحكم من مقاطعه السلطه بشرط تخفيف الضغوط على المومنين وتقديم العون لاخوانهم والتخفيف من شده انحراف السلطه. وفى حواره مع الرشيد حول استرداد فدك اعلن الامام ان حدود فدك الحقيقيه قد خرجت عن تلك القريه الصغيره فى الحجاز لتستوعب كل العالم الاسلامى فى حدوده الرسميه وقد ارعب هذا الاعلان هارون الرشيد وراح يخطط لتصفيه الامام بشتى الطرق.

ج - الاشراف على ثورات العلويين وترشيدها: وهذا ما نجده واضحه فى ثوره الحسين بن على الكبرى والذى لقى مصرعه شهيدا فى (فخ) على مقربه من مكه المكرمه فى الطريق بينها وبين المدينه المنوره. وقد ابن الامام الكاظم الحسين الشهيد امام الراى العام ووصفه بالمومن الصالح، الذى كان يصوم نهاره ويقوم ليله. وكان موسى الهادى الخليفه العباسى الذى قمع الثوره واعدم جميع الاسرى فى بغداد بصوره موسفه قد صرح قائلا: (ان الحسين لم يخرج الا بامره) اى بتوجيه من الامام الكاظم ولقد امضى الامام بقيه حياته فى السجون بين البصره وبغداد حتى لقى ربه شهيدا بعد عشرات الموامرات والدسائس التى كان الرشيد يخطط لها شخصيا.

والامر الذى يكشف عن حجم وعمق تاثيره فى الحياه الاسلاميه.

8 - فى ظلال الامام على بن موسى الرضا(ع) (183 - 203) ه:

وفى عهده ازدهرت مدرسه اهل البيت، وبلغت الامامه من القوه ما جعلها قادره سياسيا. وخلافا لما حصل فى حياه الامام الكاظم الذى بدا امامته سرا اعلن الامام الرضا(ع) امامته امام الراى العام بالرغم من الاجواء المرعبه والجو المشحون بالموامرات فقد هوى الامام الكاظم شهيدا فى اعماق السجون المظلمه واعقب ذلك تساقط رووس البرامكه فى واحده من اكبر عمليات القتل وحشيه والتى اثارت وماتزال اسئله عديده. وقد حذر بعضهم الامام من اعلان امامته قائلين ان سيف الرشيد ما يزال يقطر دما. ولكن الامام تحدى ذلك وقال ان الرشيد لن يستطيع ان يفعل ذلك معى، بل ذهب اكثر من ذلك عندما اخبر انه لو استطاع الرشيد ان ينال شعره واحده منه فليس بامام.

استمرت امامه الرضا(ع) مده عشرين سنه، يمكن تقسيمها الى قسمين: الاول: من سنه 183 ه الى سنه 201 ه اى من بدء الامامه وحتى سفره الى خراسان. وقد شهدت هذه الفتره اهتماما بمراكز التشيع وتفقدا مباشرا لها، ومن نماذج ذلك اشرافه على الثورات العلويه.

فقد اشتعلت ثوره محمد بن ابراهيم المعروف ب(طباطبا) فى الكوفه، وكادت تعصف بالحكم العباسى، فكان الامام فى طليعه من ايد الثوره. وفى المجال العلمى تشهد مناظراته مع زعماء الفرق والمذاهب وحتى الاديان.

وقد ظهر تفوقه العلمى الامر الذى عزر من الوجود الاسلامى، وبالخصوص خط اهل البيت.

القسم الثانى: من سنه 201 الى 203 ه اى سنه استشهاده(ع).

لقد ادرك المامون العباسى الذى تسنم الخلافه على جثه اخيه الامين بعد حرب مدمره، ان الحل الوحيد فى انقاذ الحكم العباسى يكمن فى تظاهره بمد الجسور مع العلويين وخاصه الامام الرضا الذى يحظ ى بتاييد الراى العام. ولهذا استدعى الامام من المدينه المنوره محل اقامته الى مرو عاصمه المامون آنذاك. وكانت اهداف المامون من وراء ذلك ما يلى: ا - منح الشرعيه للحكم القائم فحكومه المامون لم تكن تحظ ى باى تاييد لا لدى العباسيين انفسهم ولا الراى العام الشيعى.

ب - وضع حد لثورات العلويين.

ج - الاساءه الى الامام الرضا(ع) واهل بيته والحط من شانهم.

د - وضع الامام تحت مراقبه شديده. ولم يكن الامام فى غفله عن نوايا المامون واهدافه، فقد اعرب عن رفضه لعروض المامون فى تسنم الخلافه ولكنه اضطر وبسبب الضغوط الى قبول ولايه العهد. وقد احبط الامام خطط المامون من خلال ما يلى: الف - انه لم يقبل ولايه العهد الا بعد تهديدات بالقتل مما يجعله فى وضع اضطرارى امام الراى العام والتاريخ.

ب - القبول المشروط بولايه العهد، وكانت الشروط ان الامام لن يتدخل فى اى من الشوون السياسيه للدوله، فى عزل وتعيين الامراء والولاه، وقد فوت هذا الشرط على المامون فرص الاسائه الى الامام وتشويه سمعته كانسان لا يختلف عن الاخرين فى اقباله على الدنيا وشهوه الحكم. واخيرا شعر المامون ان كل خططه قد باءت بفشل ذريع وظل الامام كما هو رمزا للمومنين واملا للمسلمين، فدس له السم وهو فى طريق عودته الى بغداد.

الخلاصه:

1 - ان الفتره التى تصدى فيها الامام السجاد للامامه هى الفتره الاكثر ظلمه فى تاريخ الاسلام.

2 - سعى الامام السجاد فى نشر الاسلام من خلال ما يلى: الف - التعبير عن المعارف الالهيه باسلوب الدعاء.

ب - تجذير فاجعه عاشوراء فى الضمير المسلم.

ج - صيانه ثقافه الاسلام الاصيل من الانحراف.

د - تربيه ابناء ثوريين صنعوا التاريخ وسطروا الملاحم.

3 - كانت امامه الباقر(ع) بدايه لنهضه علميه كبرى، وتزامن ذلك مع مواجهه سياسه للنظام القائم على البطش.

4 - وصلت الثوره الثقافيه فى عهد الامام الصادق الى الذروه.

اذ تخرج على يدى الامام آلاف العلماء والمختصين فى مختلف حقول العلم.

فتبلورت على يديه مدرسه اهل البيت لتكون مركز اشعاع للعالم الاسلامى.

5 - عاصر الامام الكاظم الانحراف العباسى فى اوج قدرته التخريبيه.

فاعلن صراحه ادانته للنظام القائم.

واعتبره نظاما غاصبا للارض الاسلاميه.

6 - كانت امامه الرضا(ع) تعزيزا للمواقع الاسلاميه فى خضم الصراع الفكرى والفلسفى الذى احتدم آنذاك، كما احبط من خلال مواقفه وحنكته مخططات المامون فى تقويض التشيع.

اسئله ومناقشه:

1 - ماهى الحوادث الهامه التى عاصرها السجاد(ع) فى مده امامته؟ وكيف كانت الاوضاع الاجتماعيه؟

2 - ماذا عمل الامام السجاد فى سبيل صيانه الاسلام وحفظ مساره؟

3 - ماهو الاسلوب الذى اعتمده الامام الباقر فى مواجهه الغزو الثقافى؟

4 - اذكر نماذج من نشاط الامام الباقر السياسى.

5 - لماذا يطلق على التشيع اسم المذهب الجعفرى؟

6 - ماهى محاور النشاط للامام الصادق(ع).

7 - ماذا فعل الامام الكاظم من اجل الحفاظ على الاسلام؟

8 - اشرح مواقف الامام الرضا(ع) قبل توليه منصب ولايه العهد وبعدها.

الدرس الحادى عشر : فى ظلال اهل البيت (عليهم السلام)

9 - فى ظلال الامام محمد الجواد(ع) (203 - 220) ه:

قلنا ان الشيعه فى زمن الامام الرضا(ع) قد بلغوا من القدره السياسيه حدا اهلهم لتزعم التجربه السياسيه، الامر الذى دفع بالمامون الى استدعاء الامام الرضا(ع) واجباره على قبول منصب رسمى فى الخلافه. ومع كل هذا وبالرغم من موافقه الامام فيما بعد وهى موافقه مشروطه بعدم التدخل فى اى من الشوون الرسميه، حتى فى مايتعلق بامامه المصلين فى صلاه العيد، فان الامام قد احبط مخططات المامون واهدافه، فظل الامام رمزا واملا للامه. وقد استمر الامام الجواد(ع) على نهج ابيه، كما حاول المامون ان يمرر ذات الخطط عليه.

فاقدم على تزويجه من ابنته (ام الفضل) لفصله عن قواعده الشعبيه فيكون المامون قد زرع جاسوسا (عائليا) فى بيت الامام يراقب كل حركاته وسكناته. وكان المامون قد حاول تحطيم الامام الرضا من خلال احراجه فى مناظره يشترك فيها كل زعماء الاديان وفلاسفه المذاهب، وقد اسفرت تلك المناظره الكبرى عن نجاح ساحق لاهل البيت بعد ظهور تفوق الامام الرضا المدهش. ومن هنا اراد المامون ان يقهر اهل البيت باحراج الامام الجواد لحداثه سنه الذى بلغ من العمر آنذاك تسع سنين فقد جمع المامون بين الجواد(ع) وبين ابرز علماء عصره وفى طليعتهم يحيى بن اكثم قاضى القضاه. وقد اسفرت المناظره عن هزيمه الاخير هزيمه ساحقه وهذا ما اقلق المامون.

ثم نجد ان ثمانيين من فقهاء بغداد والمدن الاخرى يتجهون فى موسم الحج الى المدينه المنوره للقاء الامام الجواد . وكان من جمله اصحابه ومريديه: ابن ابى عمير البغدادى، ابو جعفر بن سنان الزاهدى، احمد بن ابى نصير البزنط ى الكوفى، ابو تمام حبيب بن اوس الطائى، ابو الحسن على بن مهزيار الاهوازى، الفضل بن شاذان النيسابورى. وكان هولاء جميعا يعانون من مراقبه السلطه ومطاردتها لقد كان الامام واضافه الى شخصيته العلميه يواجه الحكم القائم سياسيا مما دفع المامون الى ان يعرض عليه السكن فى بغداد فقد يمنح هذا الاجراء فى وجود الامام فى العاصمه العباسيه شرعيه الحكمه وخلافته. وقد احبط الامام هذه الخطه برفض العرض، والبقاء فى المدينه المنوره وتعزيز علاقاته مع قواعد اهل البيت الشعبيه.

حتى اذا جاء المعتصم الى الحكم استدعى الامام الجواد الى بغداد واجبره على السكن فيها، ومن ثم التخطيط لتصفيته واغتياله بالسم.

10 - فى ظلال الامام على الهادى(ع) (220 - 254) ه:

بدا على الهادى(ع) امامته فى ظروف بالغه الخطوره مشحونه وكانت السلطه العباسيه تزداد بطشا وقسوه وانحرافا.

تعد خلافه المتوكل من اسوا الفترات التى عاشها الامام آنذاك. وكانت الدوله تعيش فى خضم ازمات سياسيه بسبب السياسه السيئه للحكم العباسى، والثورات العلويه المتعاقبه، الامر الذى افرز لدى السلطه حساسيه فائقه تجاه ائمه اهل البيت(ع). وقد اتخذ المتوكل جمله من الاجراءات القاسيه ومنها: سحق الوجود الشيعى والعلوى من خلال سياسه ارهابيه وكان المتوكل معقد نفسيا تجاه الامام على(ع) واهل البيت(عليهم السلام) وقد بلغت وحشيته ان اصدر اوامره بازاله قبر الامام الحسين من الوجود، وتدمير البيوت المحيطه، وتحويل الارض الى منطقه زراعيه وكان ذلك سنه 237 ه. وقد عاش اهل البيت واتباعهم اسوا الظروف واقساها، وتدنى مستواهم المعيشى الى مستويات دون الفقر، وسجل التاريخ حاله موسفه اذ كانت النسوه من آل محمد(ص) يتعاقبن فى صلواتهن بازار واحد خلق!!.

- عزل الامام الهادى(ع) عن قواعده الشيعيه واستدعائه الى العراق، وقد استهدف المتوكل من وراء ذلك تمزيق الوجود الشيعى. وكان المتوكل يشعر بالخطر جراء وجود الامام بعد ان وصلته تقارير من الحجاز مفادها! ان كانت لك حاجه فى مكه والمدينه فاقتل على بن محمد. وكان المتوكل حذرا فى طريقته باستدعاء الامام الى العراق فلم تات خطوته فى شكل اعتقال بل عرض عليه القدوم مع من يحب من اهل بيته واسرته. ويسجل التاريخ استياء شعبيا لدى ورود يحيى بن هرثمه المبعوث الخاص للمتوكل الامر الذى اضطره الى ان يقسم امام الراى العام بانه لم يات فى مهمه من هذا القبيل وانه لن يلحق بالامام ادنى اذى. وهكذا رحل الامام الى سامراء مصطحبا ابنه الحسن.

فوضع تحت المراقبه الشديده.

ان موافقه الامام فى الانتقال الى سامراء جاءت وفق الاسباب التاليه: الف - فى حاله الرفض فان الضغوط ستشهد تصاعدا ليس فى مصلحه التشيع والاسلام.

ب - انه بموافقته سيحبط اهداف الذين كتبوا التقاير فى تحريضهم العاصمه على تصفيه الامام.

ج - ان فى وجوده عن قرب فى مركز الدوله قد يجعله اكثر تاثيرا، وقد تاثر بعض رجال الدوله بشخصيه الامام وتعاونوا معه فى بعض الامور الى حد ما. وكان الموقف العباسى ازاء الامام يتلخص بتحديه علميا ووضعه تحت المراقبه الشديده. وكانت استجابه الامام بالشكل التالى فقد بدد كل الشبهات التى حاول البعض اثارتها حول الاسلام، اضافه الى مراقبته وتوجيهه للثورات العلويه، واخيرا اهتمامه بتربيه تلامذته من امثال على بن جعفر، والشاعر الاديب ابن السكيت، وعبد العظيم الحسنى. وكانت نهايه الامام(ع) ان استشهد مسموما على يد المعتمد العباسى.

11 - فى ظلال الامام الحسن العسكرى(ع) (254 - 260) ه:

كما اشرنا سابقا الى ان الحكم العباسى قد تولد لديه احساس بالخطر من امامه اهل البيت وزعامتهم الدينيه. وقد اتخذت السلطات العباسيه اجراءات قمعيه بالغه القسوه بحق اهل البيت وقواعدهم الشعبيه بعد اغتيال الامام الرضا(ع). وكانت سياسه البطش تتفاقم يوما بعد آخر، ولا نعجب اذا عرفنا ان السلطه وقطاعات واسعه من المجتمع تدعو ثلاثه من الائمه ب(ابن الرضا) ذلك بسبب التاثير العميق الذى تركته شخصيه الامام الرضا فى المجتمع الاسلامى ولدى الحاكمين انفسهم. ويمكن القول ان خط الثوره الذى افرزه الامام الحسين(ع) استمر فى ضمير الامه، كما ان الحركه الثقافيه الواسعه النطاق والتى ارسى دعائمها الامامان الباقر والصادق قد آتت ثمارها، فتبلورت بذلك شخصيه المسلم روحا وفكرا. ولهذا فاننا لا نرى فى شخوص الائمه الطاهرين فيما بعد سوى تلك الامثله المتكامله كتجسيد حى للمجتمع والفرد المسلم الذى ينشد الكمال، فيحتاج الى من يرجع اليه فى حل مشكلاته وقضاياه. ولاغرو ان نجد تشابها فى المواقف التى اتخذها الائمه الثلاثه من اهل البيت(عليهم السلام) فى استمرار العقيده والمبدا.

فلقد امضى الامام الحسن العسكرى شطرا من حياته القصيره فى السجن وكان ممنوعا من لقاء جماهير الامه. وبالرغم من ان الازمات السياسيه والثورات كانت تعصف بالخلافه العباسيه وكانت تعيش فتره اضمحلالها وضعفها الا ان ذلك لم يصرف الحكام من مراقبه الامام مراقبه شديده. وكانوا يحملونه مسووليه كل الانتفاضات الشعبيه التى تندلع هنا وهناك من البلاد، حتى التى لا تحظ ى بتاييد الامام وتعاطفه. وما يطبع امامه الحسن العسكرى بطابع خاص هو دوره فى تهيئه الارضيه المناسبه والحفاظ على الوليد الموعود الذى بشر به رسول اللّه(ص) بانه سيخرج ويطهر الارض من الفساد والظلم والانحراف ويملا العالم عدلا وخيرا وسلاما.

فلقد نجح الامام العسكرى(ع) فى توفير الامن للوليد المنتظر والمهدى الموعود بالرغم من استنفار السلطه فى القبض عليه واهتمامها الحثيث فى ذلك . وقد قام الامام بما يلى: الف - المحافظه على المهدى المنتظر واخفائه الا من المقربين لديه ممن يطمئن الى وعيهم وامانتهم.

ب - تهيئه الارضيه المناسبه لتقبل فكره الغيبه، واصدار بيانات تبشر بميلاده وصفاته والبواعث فى غيبته واختفائه عن الانظار، وكانت البيانات تنتقد الجو السياسى الحاكم.

ج - انتهاج الامام العسكرى اسلوب الاتصال غير المباشر مع الجماهير بغيه تهيئتها لفكره الغيبه، فكانت خطاباته تتم عبر وكلائه وربما تحدث الى بعض من اراد لقائه من وراء حجاب. وكانت هذه الاجراءات قد اتخذها الامام الهادى(ع) ولكنها تطورت وتوسعت اكثر فاكثر فى زمن الامام العسكرى(ع).

وفى تلك الفتره اعتاد الناس مخاطبه وكلاء الامام والاكتفاء بهذا القدر من الاتصال. وقد استمر الوضع كما هو الى ان لقى الامام ربه شهيدا بعد ان دس المعتمد العباسى السم اليه.

12 - فى ظلال الامام محمد المهدى(ع) (260 - وحتى ياذن اللّه سبحانه):

تصاعدت وتيره الارهاب العباسى الذى استهدف ائمه اهل البيت(عليهم السلام) واستمر الائمه الطاهرون فى مقاومتهم وصمودهم كل حسب ظروفه وامكاناته. ولذا نرى حيواتهم تنتهى قتلا بالسيف والسم فى ساحات المعارك او فى اعماق السجون بعيدين عن مدنهم واوطانهم. وكان هاجس الحكم العباسى الذى اقض مضاجعهم هو ظهور المهدى الموعود الذى بشر به النبى(ص) ليملا الارض عدلا كما ملئت جورا. ولهذا نرى السلطات فى اوخر حياه الامام الحسن العسكرى تضاعف من مراقبتها لبيت الامام وتفتيشها المنزل بل استخدام قابلات للقيام بفحوص نسائيه بحثا عن المهدى الموعود. وبالرغم من تلك الاجراءات الارهابيه فقد قدر اللّه سبحانه كما هى ارادته دائما ان يولد الصبى الموعود فى فجر الجمعه الخامس عشر من شعبان المعظم سنه 255 ه. وكانت مسووليه الامام العسكرى ازاء الوليد المنتظر فادحه فمن جانب يتوجب على الامام ان يثبت وجوده للامه ومن جانب آخر عليه ان يحافظ على امن الوليد المنتظر. ولقد نهض الامام العسكرى بمسوليته تلك على الوجه الاحسن فلم يبق مجال للشك امام قواعد اهل البيت الشعبيه فى مساله ميلاد المهدى بعد ان تواترت شهادات رجال مقربين من الامام وممن تثق بهم الجماهير. وعندما حاول جعفر المعروف بالكذاب ادعاء الامامه باعلانه وراثه اخيه واثبات ذلك من خلال الصلاه على جثمان الامام العسكرى، فوجى ء بظهور صبى يعترض على ذلك . وينتبه الجميع بما فى ذلك السلطات الى وجود الامام الذى سرعان ما اختفى عن الانظار بعد ادائه مهمته فى اثبات وجوده امام الملا وممن يهمهم امره. وتنقسم غيبه الامام المهدى وتواريه عن الانظار الى قسمين: الاول: ويدعى بالغيبه الصغرى (

260 - 329) ه وفيها كان الامام المهدى يتصل بقواعده عبر سفرائه الذى تعاقبوا على مهمه السفاره طيله تلك المده.

وهم كل من: عثمان بن سعيد العمرى، محمد بن عثمان العمرى، الحسين بن روح النوبختى، واخيرا على بن محمد السمرى الذى بشر بانتهاء مده السفاره بوفاته وبدء الغيبه الكبرى التى لا يعلم اجلها الا اللّه عز وجل. وكانت فتره الغيبه الصغرى ضروريه فى تجذير فكره الغيبه فى الضمير الاسلامى، لان الغيبه لو وقعت فجاه دون تمهيد لازم لجرت الى انكار وجود الامام.

ب - الغيبه الكبرى والتى بدات من سنه 329 وحتى يومنا هذا ويشبه وجوده(ع) وجود الشمس خلف السحاب، انها تمد الارض بالنور والدف ء والحياه بالرغم من تواريها خلف الغيوم.

ان فى وجوده صلوات اللّه عليه ضروره كامل لكل المقهورين والمستضعفين، وهو ضرورى لانه المرآه التى ينعكس من خلالها الفيض الالهى. وما حرماننا منه الا لاننا لا نعمل على تهيئه الظروف المناسبه لظهوره فكما اننا ننتظره فهو ينتظرنا.

اننا ننتظر فيه المخلص والمنقذ والقائد الذى سيقيم العدل فى العالم، وهو ينتظرمنا العزم والاراده المخلصه فى طريق الانقاذ والخلاص. وما اكثر الذين التقوا الامام المهدى عبر هذا التاريخ الطويل وهذه شهاداتهم دونوها بانفسهم او دونت عنهم .

لتبقى تلك الشهادات دلائل حيه على وجود الامام الذى ينتظر المستضعفون والمقهورون دولته القادمه فتتحقق على يديه احلام الانبياء فى اقامه حكومه العدل الالهى.

(اللهم انا نرغب اليك فى دوله كريمه تعز بها الاسلام واهله وتذل بها النفاق واهله، وتجعلنا فيها من الدعاه الى طاعتك والقاده الى سبيلك ...

) آمين.

الخلاصه:

1 - ان السلطات العباسيه قد ادركت عمق نفوذ اهل البيت لدى الامه ولهذا سعت الى مراقبه الامام الجواد مراقبه شديده من خلال: الف - تزويجه من ام الفضل ابنه المامون.

ب - محاوله احراجه فى مناظرات علميه.

ج - استدعائه الى العاصمه. وقد تمكن الامام من تفويت الفرص على السياسه العباسيه واحباط خططها.

2 - عاصر الامام الهادى(ع) واحدا من اخبث خلفاء بنى العباس وهو المتوكل.

وقد امضى الامام هذه الحقبه السوداء فى الدفاع عن حريم الاسلام بمختلف الاساليب والوسائل.

3 - هناك تشابه فى سيره الائمه الثلاثه من اهل البيت(ع) (الجواد، الهادى والعسكرى) بسبب استمرار الموقف وتشابه السياسه العباسيه تجاههم.

4 - كانت مسووليه الامام العسكرى واضافه الى وظائفه الشرعيه فى الحفاظ على الشريعه هى ان يهيا الارضيه المناسبه لعصر الغيبه.

5 - كان للامام المهدى(ع) خلال مده الغيبه الصغرى ارتباطه مع قواعده عبر سفرائه الاربعه: اما الان فان الامام يعيش فتره الغيبه الكبرى حتى ياذن اللّه تعالى بظهوره لاقامه دوله الاسلام الكبرى وتحقيق العدل الالهى فى الارض.

اسئله ومناقشه:

1 - ماهى الاسباب التى دفعت بالمامون الى تزويج ابنته من الامام الجواد(ع).

2 - اكتب تقريرا حول مناظره الامام الجواد مع يحيى بن اكثم فى ضوء المصادر التاريخيه.

3 - لماذا وافق الامام الهادى على طلب المتوكل فى الرحيل الى سامراء؟

4 - اشرح موقف الامام الهادى ازاء الحكم القائم آنذاك.

5 - ماهى الاجراءات التى اتخذها الامام الحسن العسكرى فى نشر الاسلام وتعزيزه؟

6 - اشرح كيفيه تهيئه الارضيه المناسبه لمفهوم الغيبه.

7 - تحدث عن خصائص المجتمع الانسانى فى عصر الظهور.