فوثب عمر غضبان فقال: والله إنّي لعارف بسخفه..! وضعف رأيه..! وإنّه لا يستقيم لنا أمر حتّى نقتله.. فخلّني آتيك برأسه، فقال أبو بكر: اجلس! فأبى، فأقسم عليه فجلس، ثمّ قال: يا قنفذ! انطلق فقل له: أجب أبا بكر.. فأقبل قنفذ فقال: يا علي! أجب أبا بكر، فقال علي (عليه السلام): " إنّي لفي شغل عنه، وما كنت ُ بالذي أترك وصيّة خليلي وأخي وأنطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور "(1).
وفي رواية: قال أبو بكر: ارجع إليه فقل: أجب! فإنّ الناس قد أجمعوا على بيعتهم إيّاه، وهؤلاء المهاجرون والأنصار يبايعونه وقريش، وإنّما أنت رجل من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم، وذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع، فقال: قال لك: " إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي وأوصاني إذا واريته في حفرته: أن لا أخرج من بيتي حتّى أُؤلف كتاب الله فإنّه في جرائد النخل وفي أكتاف الإبل "(2).
أقول: يستفاد من ظاهر بعض الروايات وقوع الهجوم الأخير في هذا اليوم، لذكره عقيب هذه المراسلات، كما يظهر من كلام المسعودي، ولكن روى سليم عن سلمان أنّ إرسالهم كان بعد عرض القرآن عليهم قال سلمان:
لما بعث إليه علي (عليه السلام): " إني مشغول وقد آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي برداء إلاّ للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه.. " سكتوا عنه أياماً، فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادى علي (عليه السلام) بأعلى صوته: " أيّها الناس! إنّي لم أزل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشغولاً بغسله، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب
1. كتاب سليم: 249، عنه بحار الأنوار: 28/297. 2. تفسير العياشي: 2/66 ـ 67 ; الاختصاص: 186.