قراءة فی کتاب «علی ولید الکعبة» للمحقق الأدیب الشیخ محمدعلی الأردوبادی

محمد سلیمان

نسخه متنی -صفحه : 22/ 14
نمايش فراداده

حديث الولادة والمؤرِّخون

إنّ السابر زُبُر التأريخ وحوادثه يجد هذا الحديث ـ والكلام للشيخ ـ من أثبت ما تعرّض له مؤلّفوها ، وقد أثبتوه مخبتين به ، مذعنين بحقيقته ، ومنهم من نصّ بصحّته عندهم جميعاً .

وقد اختار الشيخ من هؤلاء المؤرِّخين جمعاً وصفهم بالبراعة في فنّهم وقدرتهم على الوقوف على المختلف فيه والمتّفق عليه . وإن تعرّضت بحوث هذا الكتاب لمثل أقوال هؤلاء المؤرِّخين أو بما يربو عليها أو يقاربها ، ومع هذا نقرأ لبعضهم

* المؤرخ محمد خاوندشاه في (روضة الصفا) ، قال : «كانت ولادته(عليه السلام) في رواية يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل . . . وكان ميلاده(عليه السلام) في جوف الكعبة ، فإنّ اُمّه كانت تطوف بالبيت ، أو أنّ المشيئة الإلهية أجاءتها إلى فنائه ، وكانت في أوّل الطلق ، فكانت ولادته فيها ، ولم تتح هذه السعادة لأيّ أحد منذ بدء الخليقة إلى الغاية . وإن لصحّة هذا الخبر بين المؤرِّخين المتحفّظين على الفضائل صيتاً لا تشوبه شبهة ، وتجاوز عن أن يصحبه الشكّ والترديد»62 .

والرجل مع ذلك ـ كما يقول الشيخ ـ يصافق مَن تقدّمه على أنّها ممّا اختصّ بها أمير المؤمنين(عليه السلام) ولا يشاركه فيها أيّ أحد .

ولا ريب في ذلك غير أنّ أعداء آل البيت النبوي افتعلوا حديث حكيم بن حِزام فتّاً في عَضُد هذه الفضيلة ، لكن المنقّبين من الفريقين لم يأبهوا به ، وبذلك تعرف قيمة ما هملج به القاضي روزبهان من أنّ ذلك مشهور بين الشيعة ولم يصحّحه علماء التاريخ ، بل عند أهل التواريخ أنّ حكيم بن حِزام ولد في الكعبة ولم يولد فيه غيره . . . إلى آخره .

وستجد نصوص التاريخ بذلك ، وعرفت ردّ الحاكم النيسابوريّ على مَن حصر ولادة البيت بحكيم ، وذكر تواتر النقل بولادة أمير المؤمنين(عليه السلام) فيه .

ومرّ أيضاً رواية أساطين أهل السنّة ، ولذلك ما يتلوه

* المسعودي وهو الحجّة عند الفريقين يقول في (مروج الذهب) عند ذكر خلافة أمير المؤمنين(عليه السلام) مثبتاً هذه الحقيقة ، جازماً بها من غير ترديد ، قال : «وكان مولده في الكعبة»63 .

وقد احتجَّ بكتابه هذا الموافق والمخالف وهو من المصادر الموثوقة وقد راعى فيه ـ والقول للمؤلّف ـ جانب التقيّة بما يسعه ، بتأليفه على نسق كتب أهل السنّة وما يرتضونه من رواياتهم ، حتّى حسبه بعض من لم يرَ من كتبه غيره أنّه منهم .

فهل من السائغ إذن أن يذكر في كتاب هذا شأنه غير الثابت المتسالم عليه عند الأمّة جمعاء ، لا سيّما في مثل المقام الذي يكثر فيه بطبع الحال وَرَطات القالة؟

وذكر في كتابه الآخر (الوصية)

«وروي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت ، فجاءها المخاض وهي في الطواف ، فلمّا اشتدّ بها دخلت الكعبة ، فولدته في جوف البيت . . . وما ولد في الكعبة قبله ولا بعده غيره»64 .

و(إثبات الوصيّة) من أنفس كتب الإمامية ، وليس من الجائز أن يحتجّ ويتبجّح فيه بما لا يقرّ به الخصم ، ولا تذعن به اُمّته ، ثمّ يقول بكلّ صراحة : «وما ولد . . .» وبمشهد منه ومسمع ما تحذلقوا به من أمر حكيم بن حِزام ، غير أنّ المؤرّخ لا يُقيم له وزناً .

* وذكر حمد الله المستوفى (ت 750هـ ) في (تاريخ گُزيده) : «أنّ مولده(عليه السلام) كان سنة ثلاثين من عام الفيل ، وكان في الكعبة حيث كانت أُمّه في الطواف فبان عليها أثر الطَلَق ، فأشارت إلى البيت ووضعته في جوفه»65 .

* محمد بن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) وقيل : ولد في الكعبة ، البيت الحرام»66 .

ولا نكترث بإسناد ولادة البيت إلى القيل ، بعد قول الحاكم بتواترها ، وقول الآلوسي باشتهارها في الدنيا .

* المؤرخ نشانجيّ في (مرآة الكائنات) : «أنّه(عليه السلام) ولد ولرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ثلاثون سنة ، كانت أُمّه فاطمة زائرة البيت فولدته فيه لحكمة لله سبحانه فيه ، ولم يرزق هذا غيره وغير حكيم بن حزام»67. حيث عدّ ولادته(عليه السلام) من حكم الله سبحانه.

* عبد الحميد خان الدهلوي في (سير الخلفاء) نقل عن غير واحد من المؤرّخين ، أنّه «ولد في مكّة المكرّمة . . . ، ولم يتولّد أحد قبله في حِصَار البيت» . . .68 .

* المؤرِّخ والمحدِّث القمي في (تاريخ قم) سنة 378 : «إنّ ولادة أمير المؤمنين في الكعبة . . .»69 .

* وقال السيّد عليّ الحسينيّ المؤرّخ المصريّ في كتابه (الحسين(عليه السلام)) : «أنّه [الإمام علي(عليه السلام)] ولد بمكّة في البيت الحرام ، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب ، سنة ثلاثين من عام الفيل . . .70 .

* أحمد الغفاري القزويني من مؤرِّخي القرن العاشر ذكر في (تاريخ نگارستان) أنّه(عليه السلام) ولد في جوف الكعبة71 .

* المؤرخ الشروانيّ أنّه(عليه السلام) ولد في جوف الكعبة وأنّ غيره لم يولد هناك72 .

* الكاشفي ذكر حديث بن قعنب في (روضة الشهداء) عن (بشارة المصطفى) .

* الإمام البناكتي أنّه «لم يولد أحد قبله ولا بعده في البيت»73 .

* عبد المسيح الأنطاكي صاحب مجلّة (العمران) المصرية ، ونحن نقتبس طاقة من خمسة آلاف بيت نظمها في حياة أمير المؤمنين(عليه السلام)


  • في رحبة الكعبة الزهرا قد انبثقت واستبشر الناس في زاهي ولادتهِ قالوا : ابن مَنْ؟ فأُجيبوا أنّه ولدٌ هنّوا أبا طالب الجواد والده إنّ الرضيع الذي شام74 الضياء ببيـ أمّا الوليد فلاقى الأرض مبتسماً وعام مولده العام الذي بدأت فيه الحجارة والأشجار قد هتفت وإذ درى المصطفى فيه ولادة مو وبات مستبشراً بالطفل قال به لنا من النعم الزهراء ضافيها

  • أنوار طفل وضاءت في مغانيها قالوا : السُّعود له لابدَّ لاقيها من نسل هاشم من أسمى ذراريها والأُمّ فاطمة هُبُّوا نُهنّيها ـت الله عزّته لا عزّ يحكيها فما رغا رهباً ما كان خاشيها بشائر الوحي تأتي من أعاليها للمصطفى وهو رائيها وصاغيها لانا العليّ غدا بالبشر يطريها لنا من النعم الزهراء ضافيها لنا من النعم الزهراء ضافيها

ثمّ راح الأنطاكي يقول

«كانت ولادة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين في العام الثلاثين لولادة المصطفى ـ عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام ـ على ما حقّق المحقّقون ، فتكون ولادته الشريفة حول سنة ستّة مائة وواحد مسيحية ، ومن بشائر سعده ـ عليه صلوات الله ـ أنّه ولد في الكعبة كرّمها الله ، ولدته أُمّه فيها فاستبشر بذلك أبوه وعمومته .

وعند ولادته الشريفة ـ والكلام ما زال للناظم الأنطاكي ـ دعته أُمّه : حيدرة ، ومعنى هذه الكلمة : الأسد ، فكأنّها أرادت أن تسمّيه باسم أبيها ، فلمّا وقع نظر أبيه أبي طالب عليه توسَّم بملامحه العَلاء ، ودعاه عليّاً . وقد صدقت الأيّام فراسته ، فكان عليه صلوات الله عليّاً في الدنيا والآخرة .

وعام مولد سيّدنا أمير المؤمنين ـ عليه صلوات الله ـ هو العام المبارك الذي بُدئ فيه برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ يسمع الهُتاف من الأحجار والأشجار ومن السماء ، وكشف عن بصره فشاهد أنواراً وأشخاصاً . وفي هذا العام ابتدأ بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حِراء ، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يتيمن بذلك العام وبولادة سيّدنا عليّ ـ عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام ـ وكان يسمّيه : سنة الخير ، وسنة البركة . وقال المصطفى(صلى الله عليه وآله) لأهله عندما بلغته بشرى ولادة المرتضى : «لقد ولد لنا الليلة مولود ، يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة» . وكان قوله هذا أوّل نبوءته ، فإنّ المرتضى ـ عليه صلوات الله ـ كان ناصره ، والحامي عنه ، وكاشف الغماء عن وجهه ، وبسيفه ثبت الإسلام ، ورسخت دعائمه وتمهّدت قواعده»75 . وقد ضمّن قصيدته كلّ ذلك وغيره من حياة الإمام(عليه السلام) .

* العلاّمة السيّد محمّد الطباطبائي في الرسالة الموضوعة لتأريخ مواليد أئمّة الدين(عليهم السلام) ووفياتهم : أنّه(عليه السلام) «ولد بمكّة في جوف الكعبة ، ولم يولد قبله ولا بعده أحد فيه سواه ، إكراماً له من الله جلّ اسمه بذلك . . .» .

* السيّد أبو جعفر الحسينيّ في شرح قصيدة أبي فراس الحمداني ، تعيين يوم ولادته بالجمعة . . . ومحلّها بالكعبة76 .

* قال الكفعميّ في (المصباح) : « . . . ولد عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في الكعبة ، . . .»77 .

* شيخ الإسلام الزنوزيّ في (بحر العلوم) : «أنّ محلّ ولادته(عليه السلام) الكعبة» .

* النخجوانيّ في (تجارب السلف في تواريخ الخلفاء ووزرائهم) ، فرغ منه سنة 724 : «أنّ عليّاً(عليه السلام) ولد في الكعبة . . . وسمّاه النبيّ(صلى الله عليه وآله) عليّاً ، وكنّاه بأبي تراب»78 .

* قال الحلبيّ في سيرته (إنسان العيون) : «إنّه(عليه السلام) ولد في الكعبة . . .» .

ثمّ قال : «وقيل : الذي ولد في الكعبة حكيم بن حِزام ، قال بعضهم : لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة ، لكن في (النور) حكيم بن حِزام ولد في الكعبة ، ولا يعرف ذلك لغيره ، وأمّا ما روي أنّ عليّاً (عليه السلام) ولد فيها ، فضعيف عند العلماء»79 .

وأنت تجد من سياق العبارة ـ وهذا القول للشيخ ـ أنّ المعتمد عند الرجل هو ولادة الإمام(عليه السلام) في الكعبة ، ولذلك ذكرها أوّلا مُرسِلا إيّاها إرسال المسلّم ، ثمّ عزا ولادة حكيم بن حزام فيها إلى القيل إيعازاً إلى وهنه ، ولذلك أردفه بجواب البعض عنه ، لكنّه وجد لصاحب (النور) كلمة لم يرقه الإغضاء عنها بما هو مؤرّخ ، أخذ على عاتقه إثبات المقول في كلّ باب ، وإذ لم يجد جواباً عنها لغيره لم يشفعها به ، واكتفى هو بما ذكرناه من اعتماده على حديث الولادة عن أن يردّ كلمة الرجل ، لأنّه مؤرّخ لا مُنِقّب .