فالواقع يثبت أنه لم يقعد عنه في بداية الامر ، لان في امتناعه عن مبايعة أبي بكر مدة ستة أشهر دليلاً على ذلك ، وقد أثبت ذلك معظم المؤرخين والمحدثين ، ويكفينا في هذا المقام الاستشهاد برواية الصحيحين ـ باعتبارهما أقوى مصادر أهل السنة ـ لاثبات ذلك مما اتفق الشيخان على إخراجه ، واللفظ للبخاري :
عن عائشة ، أن فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وسلم) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مما أفاء عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبوبكر : إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : « لانورث ما تركنا صدقة » ، إنما يأكل آل محمد (عليهم السلام) في هذا المال وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)ولاعملن فيها بما عمل به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الاشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك ، كراهية لمحضر عمر ، فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم