موسوعة من حیاة المستبصرین

جلد 3 -صفحه : 575/ 301
نمايش فراداده

إنَّ هذه النهاية المؤسفة والمؤلمة، ما كان ينبغي أنْ تليق بعبدالله بن عمر كما لا تليق بأي مسلم آخر، ولذلك كان يكثر من التأسف، وإبداء الحسرة والندامة، على أنّه لم يقف موقفاً شجاعاً، تجاه الفئة الباغية، الظالمة، التي أذاقت المسلمين ويلات ظلمهم وفسادهم. وقد روى الحاكم عن الزهري، عن حمزة بن عبدالله بن عمر، أنّه بينما هو جالس مع أبيه، إذ جاءه رجل من أهل العراق، فقال:

"يا أبا عبدالرحمن إنّي والله لقد حرصت أنْ أتمسّك بسمتك، وأقتدي بك في أمر فُرقة الناس، وأعتزل الشر ما استطعت، وإنّي أقرأ آية من كتاب الله محكمة، قد أخذت قلبي، فأخبرني عنها قول الله عزوجل: (وَ إِن طَـائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُْخْرَى فَقَـتِلُواْ الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ..)(1)، أخبرني عن هذه الآية، فقال عبدالله بن عمر: مالك ويلك! إنصرف عني، فانطلق حتى توارى عنّا سواده. وأقبل علينا عبدالله بن عمر فقال: ما وجدت في نفسي من شيء، ما وجدت في أمر هذه الآية إنّي لم أقاتل الفئة الباغية كما أمرني الله عزوجل".

وروى ابن عبدالبر في (الاستيعاب) بسنده عن ابن عمر أنّه قال: "ما آسي على شيء إلاّ أنني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية".

وذكر في رواية أخرى: "أنْ لا أكون قاتلت الفئة الباغية، على صوم الهواجر".

هكذا كان الاغتيال هو نهاية عبدالله بن عمر على أيدي من ثبّت دعائم حكمهم، وناضل وناصب العداء لأهل المدينة، من أجل دولتهم، ومن ثم يتضح بصورة جلية أنّ لواء الغدر الذي ينصب يوم القيامة، لا ينصب إلاّ لمن خلع، أو قعد عن بيعة أهل الحق، حيث لو كان هذا اللواء ينصب لمن خلع يزيد، أو من هم على

1- الحجرات: 9.