بل لابدّ مع ذلك من انتفاء وجوه المفاسد منها، فَلِمَ قلتم بانتفائها؟ ولِمَ لا يجوز اشتمالها على نوع مفسدة لا نعلمها؟(1)
وحينئذ لا يمكن الجزم بوجوبها عليه تعالى.
وأمّا صغراه: فلأنّا نمنع كون الإمامة لطفاً مطلقاً، بل إذا كان ظاهراً مبسوط اليد جاز الانزجار عن المعاصي، والانبعاث على الطاعات إنّما يحصل بظهوره وانبساط يده وانتشار أوامره، لا مع كونه خائفاً مستوراً.
والجواب عن الأوّل(2): أنَّا نختار أن الإمام لطف لا يقوم غيره مقامه، كالمعرفة بالله تعالى: فإنّها لا يقوم غيرها مقامها، والدليل على ما قلناه أنّ العقلاء في سائر البلدان والأزمان يلتجئون في دفع المفاسد إلى نصب الرؤساء دون غيره، ولو كان له بدلٌ لالتجؤوا إليه في وقت من الأوقات أو بلد من البلدان.
وعن الثاني(3): أنّ وجوه القبح والمفاسد معلومةٌ محصورةٌ لنا، وذلك لأنّا مكلّفون باجتنابها، والتكليف بالشيء من دون العلم به محال، وإلاّ لزم تكليف ما لا يطاق، ولا شيءَ من تلك المفاسد موجودةٌ في الإمامة.
وفي هذا الجواب نظرٌ(4): فإنّه إنما يصلح جواباً لمن قال بوجوبها على الخلق "كأبي الحسين"(5)، لا لمن قال بوجوبها على الله تعالى كأصحابنا، فإنّه إنّما
1- ورد التلميح بكون الإمامة مشتملةً على مفسدة ـ بناءاً على أنّ العقل يقضي بقبحها ـ في بعض كتب الزيدية كمقدِّمة لوجوبها الشرعي، الذي يحفظها من المفسدة. راجع: ينابيع النصيحة: 250. 2- وهو الإشكال على "لطفيّة الإمامة" بأنّها لا تجب إذ أن غيرها يمكن أن يقوم مقامها. 3- وهو الإشكال بـ "لم لا يجوز استعمال الإمامة على وجه قبح لا يعلمونه". 4- هذا النظر للسيّوري شارح متن "نهج المسترشدين". 5- أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخيّاط (م ـ 311) شيخ المعتزلة البغداديّين من نظراء الجُبّائي، كان من بحور العلم، ترجم له "القاضي عبد الجبّار" في "فضل الاعتزال" وقال: "كان عالماً فاضلاً من أصحاب جعفر (بن مبشر الثقفي المتكلم) وله كتب كثيرة في النقوض على ابن الراوندي وغيره، من أشهر كتبه "الانتصار" ردّ فيه على كتاب "فضيحة المعتزلة" لابن الراوندي، وله آراء شنيعة في حق الشيعة. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 14 / 220، الأعلام: 3 / 347، بحوث في الملل والنحل: 3 / 284.