قال أحمد بن محمّد المغربي: وخرّج مالك والبخاري ومسلم حديث الحوض الّذي حُكي عن مالك أنه قال: ما ندمت على حديث أدخلته في [ الموطأ ] إلاّ هذا الحديث. وعن الشافعي أنه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزراء على الصحابة إلاّ حديث الحوض، ووددنا أنه لم يذكره، أو نحو هذه العبارة(1) .
فيتعجب المرء ـ عند سماع هذا الكلام ـ من صنيع هذين الامامين ومن تأسفهما على رواية هذا الحديث ! فتأسفهما في الواقع ليس على نقل الحديث فحسب، بل مآل هذا التأسف هو التأسف على إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به ; لانّ الحديث ثبت عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بطرق مستفيضة صحيحة بل متواترة، كما لاحظت.
وكان على هذين الامامين التأسّف على وقوع هذه الحادثة فيما بين الصحابة، لا على إخبار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بها، ولا على تدوينها في كتبهم الحديثية.
فندمُ مالك وتأسّفُ الشافعي ـ لو صحت الحكاية ـ دليل على أن صون مكانة الصحابة أهم لهما من حماية دين الله ووقاية سنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لان الجدال عن الذين يختانون أنفسهم والخصام للخائنين يكون سبباً لتشويش الاسلام وتغطية الباطل، فإننا نأخذ جميع مبادئ ديننا من هؤلاء الصحابة، فإذا لم نستطع أن نميّز المحقّ من المبطل فسنكون متمسّكين بروايات جماعة من الذين أنبأ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بارتدادهم من بعده ومقتدين بسنتهم بحسبان أنها من
1 ـ فتح الملك العلي / 91 ـ 92.