بالأب حذف صدر الحديث وأخرج ذيله، وتكلف بعد النهي عن التكلف، ولا بهمه جهل الأمة عندئذ بمغزى قول عمر، قال: عن أنس قال: كنا عند عمر فقال: نهينا عن التكلف.
وكم وكم في صحيح البخاري من أحاديث لعبت بها يد تحريفه؟ وسيوافيك غير واحد منها.
عن ابن عباس قال: أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا فأمر بها أن ترجم فمر بها علي رضي الله عنه فقال: ما شأن هذه؟ فقالوا: مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم. فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين أما علمت؟ " أما تذكر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ. وعن النائم حتى يستيقظ. وعن المعتوه حتى يبرأ. وأن هذه معتوهة بني فلان لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها فخلى سبيلها، وجعل عمر يكبر.
عن أبي ظبيان قال: شهدت عمر بن الخطاب أتي بامرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا بها ليرجموها فلقيهم علي فقال لهم: ما بال هذه؟ قالوا: زنت فأمر برجمها. فانتزعها علي من أيديهم فردهم إلى عمر فقالوا: ردنا علي، قال: ما فعل هذا إلا لشئ فأرسل إليه فجاءه فقال: مالك رددت هذه؟ قال: أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل؟ قال: بلى فهذه مبتلاه بني فلان فلعله أتاها وهوبها، قال له عمر: لا أدري، قال: وأنا لا أدري فترك رجمها.
أبو ظبيان هو الحصين بن جندب الجنبي بفتح الجيم الكوفي المتوفى 90 يروي القصة عن ابن عباس
أمر سيدنا عمر رضي الله عنه برجم زانية فمر عليها سيدنا علي رضي الله عنه في أثناء الرجم فخلصها فلما أخبر سيدنا عمر بذلك قال: إنه لا يفعل إلا عن شئ فلما سأله قال: إنها مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها. فقال عمر: لولا علي لهلك عمر.
بلفظ الحاكم والبيهقي:
أتي عمر رضي الله عنه بمبتلاة قد فجرت فأمر برجمها فمر بها علي بن أبي طالب ومعها الصبيان يتبعونها فقال: ما هذه؟ قالوا: أمر بها عمر أن ترجم، قال: فردها وذهب معها إلى عمر رضي الله عنه وقال: ألم تعلم أن القلم رفع عن المجنون حتى يعقل، وعن المبتلى حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم؟
قال الحاكم حديث صحيح، ورواه شعبة عن الأعمش بزيادة ألفاظ
بلفظ البيهقي:
مر علي بمجنونة بني فلان قد زنت وهي ترجم فقال علي لعمر رضي الله عنه:
يا أمير المؤمنين! أمرت برجم فلانة؟ قال: نعم قال: أما تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق؟ قال: نعم: فأمر بها فخلى عنها.
أخرجه أبو داود في سننه بعدة طرق 2 ص 227، وابن ماجة في سننه 2 ص 227، والحاكم في المستدرك 2 ص 59 و ج 4 ص 389 وصححه، والبيهقي في السنن الكبرى 8 ص 264 بعدة طرق، وابن الأثير في جامع الأصول كما في تيسير الوصول 2 ص 5، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة 2 ص 196 باللفظ الثاني نقلا عن أحمد، وفي ذخائر العقبي ص 81، وذكره القسطلاني في إرشاد الساري 10 ص 9 نقلا عن البغوي وأبي داود والنسائي وابن حبان، والمناوي في فيض القدير 4 ص 357 بالصورة الثانية فقال: واتفق له - لعلي عليه السلام - مع أبي بكر نحوه، والحفني في حاشية شرح العزيزي على الجامع الصغير 2 ص 417 باللفظ الثالث، والدمياطي في مصباح الظلام 2 ص 56 باللفظ الثالث، وسبط ابن الجوزي في تذكرته ص 57 بلفظ فيه قول عمر: لولا علي لهلك عمر، وابن حجر في فتح الباري 12 ص 101، والعيني في عمدة القاري 11 ص 151.
أخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه (1) غير أنه مهما وجد فيه مسة بكرامة الخليفة حذف صدره تحفظا عليها، ولم يرقه إيقاف الأمة على قضية تعرب عن جهله بالسنة الشايعة أو ذهوله عنها عند القضاء فقال: قال علي لعمر: أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ؟
عن أبي سعيد الخدري قال: حججنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك فقبله، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بل يا أمير المؤمنين! يضر وينفع ولو علمت ذلك من تأويل كتاب الله لعلمك أنه كما أقول قال الله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم. الآية (2)
فلما أقروا أنه الرب عز وجل وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق وألقمه في هذا الحجر وأنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافى بالموافاة فهو أمين الله في هذا الكتاب، فقال له عمر: لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن!.
وفي لفظ: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن!.
أخرجه الحاكم في المستدرك 1 ص 457، وابن الجوزي في سيرة عمر ص 106، والأزرقي في تاريخ مكة كما في العمدة، والقسطلاني في إرشاد الساري 3 ص 195، والعيني في عمدة القاري 4 ص 606 بلفظيه. والسيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه 3 ص 35 نقلا عن الجندي في فضائل مكة، وأبي الحسن القطان في الطوالات، والحاكم، وابن حبان، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص 122، وأحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلامية 2 ص 486.
عن محمد بن الزبير قال: دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشيخ قد التوت ترقوتاه
(1) في كتاب المحاربين باب لا يرجم المجنون والمجنونة.
(2) سورة الأعراف آية 172.