بقدح فقال لإحدى المرأتين: احلبي، فحبلت فوزنه ثم قال للأخرى: احلبي. فحلبت فوزنه فوجده على النصف من لبن الأولى فقال لها: خذي أنت ابنتك، وقال للأخرى:
خذي أنت ابنك، ثم قال لشريح: أما علمت أن لبن الجارية على النصف من لبن الغلام؟ وأن ميراثها نصف ميراثه؟ وأن عقلها نصف عقله؟ وأن شهادتها نصف شهادته؟
وأن ديتها نصف ديته؟ وهي على النصف في كل شئ. فأعجب به عمر إعجابا شديدا ثم قال: أبا حسن لا أبقاني الله لشدة لست لها ولا في بلد لست فيه؟
كنز العمال 3 ص 179، مصباح الظلام للجرداني 2 ص 56.
عن سعيد بن جبير قال: أتي عمر بن الخطاب بامرأة قد ولدت ولدا له خلقتان بدنان وبطنان وأربعة أيد ورأسان وفرجان هذا في النصف الأعلى، وأما في الأسفل فله فخذان وساقان ورجلان مثل ساير الناس فطلب المرأة ميراثها من زوجها وهو أبو ذلك الخلق العجيب فدعا عمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشاورهم فلم يجيبوا فيه بشئ فدعا علي بن أبي طالب فقال علي: إن هذا أمر يكون له نبأ فاحبسها واحبس ولدها واقبض مالهم وأقم لهم من يخدمهم وأنفق عليهم بالمعروف. ففعل عمر ذلك ثم ماتت المرأة وشب الخلق وطلب الميراث فحكم له علي بأن يقام له خادم خصي يخدم فرجيه ويتولى منه ما يتولى الأمهات ما لا يحل لأحد سوى الخادم، ثم إن أحد البدنين طلب النكاح فبعث عمر إلى علي فقال له: يا أبا الحسن ما تجد في أمر هذين إن اشتهى أحدهما شهوة خالفه الآخر، وإن طلب الآخر حالة طلب الذي يليه ضدها حتى إنه في ساعتنا هذه طلب أحدهما الجماع؟ فقال علي: الله أكبر إن الله أحلم وأكرم من أن يري عبدا أخاه وهو يجامع أهله ولكن عللوه ثلاثا فإن الله سيقضي قضاء فيه ما طلب هذا عند الموت فعاش بعدها ثلاثة أيام ومات، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشاورهم فيه قال بعضهم: اقطعه حتى يبين الحي من الميت وتكفنه وتدفنه، فقال عمر:
إن هذا الذي أشرتم لعجب أن نقتل حيا لحال ميت، وضج الجسد الحي فقال: الله حسبكم تقتلوني وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرأ القرآن فبعث إلى علي فقال: يا أبا الحسن احكم فيما بين هذين الخلقين فقال علي: الأمر فيه أوضح من ذلك وأسهل وأيسر، الحكم: أن تغسلوه وتكفنوه وتدعوه مع ابن أمه يحمله الخادم إذا مشى فيعاون عليه أخاه فإذا كان بعد ثلث جف فاقطعوه جافا ويكون موضعه حيا لا يألم، فإني أعلم إن الله لا يبقي الحي بعده أكثر من ثلث يتأذى برائحة نتنه وجيفه. ففعلوا ذلك فعاش الآخر ثلثة أيام ومات فقال عمر رضي الله عنه: يا ابن أبي طالب فما زلت كاشف كل شبهة وموضح كل حكم. (كنز العمال 3 ص 179)
عن يحيى بن حاطب قال: توفي حاطب فاعتق من صلى من رقيقه وصام وكانت له أمة نوبية قد صلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه فلم ترعه إلا بحبلها وكانت ثيبا فذهب إلى عمر رضي الله عنه فحدثه فقال: لأنت الرجل لا تأتي بخير. فأفزعه ذلك فأرسل إليها عمر رضي الله عنه فقال: أحبلت؟ فقالت: نعم من مرغوش بدرهمين. فإذا هي تستهل بذلك لا تكتمه قال: وصادف عليا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم فقال:
أشيروا علي وكان عثمان رضي الله عنه جالسا فاضطجع فقال علي وعبد الرحمن: قد وقع عليها الحد، فقال: أشر علي يا عثمان؟ فقال: قد أشار عليك أخواك. قال: أشر علي أنت. قال أراها تستهل به كأنها لا تعلمه وليس الحد إلا على من علمه. فقال: صدقت صدقت والذي نفسي بيده ما الحد إلا على من علمه. فجلدها عمر مائة وغربها عاما (1).
وقال الشافعي في الأم 1 ص 135: فخالف عليا وعبد الرحمن فلم يحدها حدها عندهما وهو الرجم، وخالف عثمان أن لا يحدها بحال، وجلدها مائة وغربها عاما.
وقال البيهقي في السنن: قال الشيخ رحمه الله: كان حدها الرجم فكأنه رضي الله عنه درأ عنها حدها للشبهة بالجهالة وجلدها وغربها تعزيرا.
قال الأميني: أنا لا أقول: إن الأمر في المسألة دائر بين أمرين إما ثبوت الحد وهو الرجم، وإما درأه بالشبهة وتخلية الحامل سبيلها، والقول بالفصل رأي خارج عن نطاق
(1) كتاب الإمام للشافعي 1 ص 135، اختلاف الحديث للشافعي هامش الأم 7 ص 144 سنن البيهقي 8 ص 238، وذكر أبو عمر شطرا منه في العلم ص 148.