رسائل

نسخه متنی -صفحه : 11/ 2
نمايش فراداده

ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة ، عند مسيره من المدينة إلى البصرة

مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِىّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ ، جَبْهَةِ [1] الانْصَارِ وَسَنَامِ [2] الْعَرَبِ .

أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمانَ حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ [3] ، إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ ، فَكُنْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ [4] ، وَأُقِلُّ عِتَابَهُ ، وَكَانَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ [5] ، وَأَرْفَقُ حِدَائِهِمَا [6] الْعَنِيفُ . وَكَانَ مِنْ عَائَشَةَ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَب ، فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ ، وَبَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ وَلاَ مُجْبَرِينَ ، بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ .

وَاعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ [7] قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَقَلَعُوا بِهَا [8] ، وَجَاشَتْ [9] جَيْشَ الْمِرْجَلِ [10] ، وَقَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ ، فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ ، وَبَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ ، إِنْ شَاءَ اللهُ ]عَزَّ وَجَلَّ[ .

ومن كتاب له عليه السلام إليهم ، بعد فتح البصرة

وَجَزَاكُمُ اللهُ مِنْ أَهْلِ مِصْر عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ أَحْسَنَ مَا يَجْزِي الْعَامِلِينَ بِطَاعَتِهِ ، وَالشَّاكِرِينَ لِنِعْمَتِهِ ، فَقَدْ سَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ ، وَدُعِيتُمْ فَأَجَبْتُمْ .

ومن كتاب له عليه السلام لشريح بن الحارث قاضيه

روي أن شريح بن الحارث قاضي أميرالمؤمنين عليه السلام ، اشترى على عهده داراً بثمانين ديناراً ، فبلغه ذلك ، فاستدعاه ، وقال له :

بَلَغَنِي أَنَّكَ ابْتَعْتَ دَاراً بِثََمانِينَ دِينَاراً ، وَكَتَبْتَ لَهَا كِتَاباً ، وَأَشْهَدْتَ ]فِيهِ [شُهُوداً .

فقال له شريح : قد كان ذلك يا أمير المؤمنين . قال : فنظر إليه نظر المغضب ثمّ قال له :

يَا شُرَيْحُ ، أَمَا إِنَّهُ سَيَأتِيكَ مَنْ لاَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِكَ ، وَلاَ يَسْأ لُكَ عَنْ بَيِّنَتِكَ ، حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْهَا شَاخِصاً [11] ، وَيُسْلِمَكَ إِلَى قَبْرِكَ خَالِصاً . فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ لاَ تَكُونُ ابْتَعْتَ هذِهِ الدَّارَ مِنْ غَيْرِ مَالِكَ ، أَوْ نَقَدْتَ الَّثمَنَ مِنْ غَيْرِ حَلاَلِكَ ! فَإِذَا أَنْتَ قدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْيَا وَدَارَ الاْخِرَةِ ! أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِكَ مَا اشْتَرَيْتَ لَكَتَبْتُ لَكَ كِتاباً عَلَى هذِهِ النُّسْخَةِ ، فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هذِهِ الدَّارِ بِدِرْهَم فَمَا فَوْقُ . والنسخة هذه : هذَا مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِيلٌ ، مِنْ مَيِّت قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِيلِ ، اشْتَرَى مِنْهُ دَاراً مِنْ دَارِ الْغُرُورِ ، مِنْ جَانِبِ الْفَانِينَ ، وَخِطَّةِ [12] الْهَالِكِينَ . وَتَجْمَعُ هذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ : الْحَدُّ الاَْوَّلُ يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الافَاتِ ، وَالْحَدُّ الثَّانِي يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْمُصِيبَاتِ ، وَالْحَدُّ الْثَّالِثُ يَنْتَهِي إِلَى الْهَوَى الْمُرْدِي ، وَالْحَدُّ الرَّابِعُ يَنْتَهِي إِلَى الشَّيْطَانِ الْمُغْوِي ، وَفِيهِ يُشْرَعُ [13] بَابُ هذِهِ الدَّارِ . اشْتَرَى هذَا الْمُغْتَرُّ بِالاَْمَلِ ، مِنْ هذَا الْمُزْعَجِ بِالاَْجَلِ ، هذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَةِ ، وَالدُّخُولِ فِي ذُلِّ الطَّلَبِ وَالضَّرَاعَةِ [14] ، فَمَا أَدْرَكَ هذَا الْمُشْتَرِي فِيَما اشْتَرَى مِنْهُ مِنْ دَرَك ، فَعَلَى مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ [15] الْمُلُوكِ ، وَسَالِبِ نُفُوس الْجَبَابِرَةِ ، وَمُزِيلِ مُلْكِ الْفَرَاعِنَةِ ، مِثْلِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وَتُبَّع وَحِمْيَرَ ، وَمَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى الْمَالِ فَأَكْثَرَ ، وَمَنْ بَنَى وَشَيَّدَ [16] ، وَزَخْرَفَ وَنَجَّدَ [17] ، وَادَّخَرَ واعْتَقَدَ [18] ، وَنَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ ، إِشْخَاصُهُمْ [19] جَمِيعاً إِلَى مَوْقِفِ الْعَرْضوَالْحِسَابِ ، وَمَوْضِعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ : إِذَا وَقَعَ الاَْمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ (وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ)

[20] شَهِدَ عَلَى ذلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى ، وَسَلِمَ مِنْ عَلاَئِقِ الدُّنْيَا .

ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض أُمراء جيشه

فَإِنْ عَادُوا إِلَى ظِلِّ الطَّاعَةِ فَذَاكَ الَّذِي نُحِبُّ ، وَإِنْ تَوَافَتِ [21] الاُْمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَى الشِّقَاقِ وَالْعِصْيَانِ فَانْهَدْ بِمَنْ أَطاعَكَ إِلَى مَنْ عَصَاكَ ، وَاسْتَغْنِ بِمَنِ انْقَادَ مَعَكَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْكَ ، فَإِنَّ الْمُتَكَارِهَ [22] مَغِيبُهُ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِهِ ، وَقُعُودُهُ أَغْنَى مِنْ نُهُوضِهِ .

ومن كتاب له عليه السلام إلِى الاشعث بن قيس وهو عامل أذربيجان

وَإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَة [23] وَلكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانةٌ ، وَأَنْتَ مُسْتَرْعىً لِمَنْ فَوْقَكَ . لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ [24] فِي رَعِيَّة ، وَلاَ تُخَاطِرَ إِلاَّ بِوَثِيقَة ، وَفي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَنْتَ مِنْ خُزَّانِهِ [25] حَتَّى تُسَلِّمَهُ إِلَيَّ ، وَلَعَلِّي أَلاَّ أَكُونَ شَرَّ وُلاَتِكَ [26] لَكَ ، وَالسَّلاَمُ .

ومن كتاب له عليه السلام

إلى معاويةإِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثَْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ ، وَإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ للهِ رِضىً ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْن أَوْ بِدْعَة رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ ، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى .

وَلَعَمْرِي ، يَا مُعَاوِيَةُ ، لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاس مِنْ دَمِ عُثْمانَ ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كَنْتُ فِي عُزْلَة عَنْهُ إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى [27] ; فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ ! وَالسَّلاَمُ .

ومن كتاب له عليه السلام إليه أيضاً

أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ أَتَتْنِي مِنْكَ مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ [28] ، وَرِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ [29] ، نَمَّقْتَهَا [30] بِضَلاَلِكَ ، وَأَمْضَيْتَهَا بِسُوءِ رَأْيِكَ ، وَكِتَابُ امْرِىء لَيْسَ لَهُ بَصَرٌ يَهْدِيهِ ، وَلاَ قَائِدٌ يُرْشِدُهُ ، قَدْ دَعَاهُ الْهَوَى فَأَجَابَهُ ، وَقَادَهُ الضَّلاَلُ فَاتَّبَعَهُ ، فَهَجَرَ [31] لاَغِطاً [32] ، وَضَلَّ خَابِطاً .

ومن هذا الكتاب :

لاَِنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ لاَ يُثَنَّى فِيهَا النَّظَرُ [33] ، وَلاَ يُسْتَأْنَفُ فِيهَا الْخِيَارُ . الْخَارِجُ مِنْهَا طَاعِنٌ ، وَالْمُرَوِّي [34] فِيهَا مُدَاهِنٌ [35] .

ومن كتاب له عليه السلام إلى جرير بن عبدالله البجلي لما أرسله إلى معاوية

أَمَّا بَعْدُ ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْفَصْلِ [36] ، وَخُذْهُ بَالاَْمْرِ الْجَزْمِ ، ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْب مُجْلِيَة [37] ، أَوْ سِلْم مُخْزِيَة [38] فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَيْهِ [39] ، وَإِنِ اخْتَارَ السِّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ وَالسَّلاَمُ .

ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية

فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا ، وَاجْتِيَاحَ أَصْلِنَا [40] ، وَهَمُّوا بِنَا الْهُمُومَ [41] وَفَعَلُوا بِنَا الاَْفَاعِيلَ [42] ، وَمَنَعُونَا الْعَذْبَ [43] ، وَأَحْلَسُونَا [44] الْخَوْفَ ، وَاضْطَرُّونَا [45] إِلَى جَبَل وَعْر [46] ، وَأَوْقَدُوا لَنَا نَارَ الْحَرْبِ ، فَعَزَمَ اللهُ لَنَا [47] عَلَى الذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ [48] ، وَالرَّمْيِ مِنْ وَرَاءِ حُرْمَتِهِ [49] . مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذلِكَ الاَْجْرَ ، وَكَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ الاَْصْلِ . وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيْش خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْف يَمْنَعُهُ ، أَوْ عَشِيرَة تَقُومُ دُونَهُ ، فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْن .

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ [50] ، وَأَحْجَمَ النَّاسُ ، قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصَحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ [51] وَالاَْسِنَّةِ ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْر ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُد ، وَقُتِلَ جَعْفَرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ [52] . وَأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ ، وَلكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ ، وَمَنِيَّتُهُ أُجِّلَتْ . فَيَاعَجَباً لِلدَّهِرِ ! إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي [53] ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي [54] الَّتِي لاَ يُدْلِي أحَدٌ [55] بِمِثْلِهَا ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّع مَا لاَ أَعْرِفُهُ ، وَلاَ أَظُنُّ اللهَ يَعْرِفُهُ . وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَال .

وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ عُثَْمانَ إِلَيْكَ ، فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هذَا الاَْمْرِ ، فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَلاَ إِلَى غَيْرِكَ ، وَلَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ [56] عَنْ غَيِّكَ وَشِقَاقِكَ [57] لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيل يَطْلُبُونَكَ ، لاَ يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ فِي بَرّ وَلاَ بَحْر ، وَلاَ جَبَل وَلاَ سَهْل ، إِلاَّ أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوؤُكَ وِجْدَانُهُ ، وَزَوْرٌ [58] لاَ يَسُرُّكَ لُقْيَانُهُ ، وَالسَّلاَمُ لاَِهْلِهِ .

ومن كتاب له عليه السلام إليه أيضاً

وَكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْكَ جَلاَبِيبُ [59] مَا أَنْتَ فِيهِ مَنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا [60] ، وَخَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا . دَعَتْكَ فَأَجَبْتَهَا ، وَقَادَتْكَ فَاتَّبَعْتَهَا ، وَأَمَرَتْكَ فَأَطَعْتَهَا . وَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ عَلَى مَا لاَ يُنْجِيكَ مِنْهُ مِجَنٌّ [61] فَاقْعَسْ [62] عَنْ هذَا الاَْمْرِ ، وَخُذْ أُهْبَةَ [63] الْحِسَابِ ، وَشَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ ، وَلاَ تُمَكِّنِ الْغُوَاةَ [64] مِنْ سَمْعِكَ ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ أُعْلِمْكَ مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ ، فَإِنَّكَ مَتْرَفٌ [65] قَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ مِنْكَ مَأَخَذَهُ ، وَبَلَغَ فِيكَ أَمَلَهُ ، وَجَرَى مِنْكَ مَجْرَى الرُّوح وَالدَّمِ .

وَمَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ [66] ، وَوُلاَةَ أَمْرِ الاُْمَّةِ ؟ بِغَيْرِ قَدَم سَابِق ، وَلاَ شَرَف بَاسِق [67] ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ الشَّقَاءِ . وَأُحَذِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مُتََمادِياً فِي غِرَّةِ [68] الاُْمْنِيَّةِ [69] ، مُخْتَلِفَ الْعَلاَنِيَةِ والسَّرِيرَةِ .

وَقَدْ دَعَوْتَ إِلَى الْحَرْبِ ، فَدَعِ النَّاسَ جَانِباً وَاخْرُجْ إِلَيَّ ، وَأَعْفِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْقِتَالِ لِيُعلَم ]لِتَعْلَمَ[ أَيُّنَا الْمَرِينُ [70] عَلَى قَلْبِهِ ، وَالْمُغَطَّى عَلَى بصَرِهِ ! فَأَنَا أَبُو حَسَن قَاتِلُ جَدِّكَ وَخَالِكَ وَأخيكَ شَدْخاً [71] يَوْمَ بَدْر ، وَذلكَ السَّيْفُ مَعِي ، وَبِذلِكَ الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي ، مَا اسْتَبْدَلْتُ دِيناً ، وَلاَ اسْتَحْدَثْتُ نَبِيّاً . وَإِنِّي لَعَلَى الْمِنْهَاجِ [72] الَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ ، وَدَخَلْتُمْ فِيهِ مُكْرَهِينَ .

وَزَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ ثَائِراً [73] بِدَمِ عُثمانَ . وَلَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ عُثمانَ فَاطْلُبْهُ مِنْ هُنَاكَ إِنْ كُنْتَ طَالِباً ، فَكَأَنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ إِذَا عَضَّتْكَ ضَجِيجَ الْجِمَالِ بِالاَْثْقَالِ ، وَكَأَنِّي بِجَمَاعَتِكَ تَدْعُونِي جَزَعاً مِنَ الضَّرْبِ الْمُتَتَابِـعِ ، وَالْقَضَاءِ الْوَاقِـعِ ، وَمَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ ، إِلَى كِتَابِ اللهِ ، وَهِيَ كَافِرَةٌ جَاحِدَهٌ ، أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ [74] .

ومن وصية له عليه السلام وصّى بها جيشاً بعثه إلى العدو

فَإِذَا نَزَلتُمْ بِعَدُوّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ ، فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ [75] الاَْشْرَافِ [76] ، أَوْ سِفَاحِ [77] الْجِبَالِ ، أَوْ اَثْنَاءِ [78] الاَْنْهَارِ ، كَيما يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً [79] ، وَدُونَكُمْ مَرَدّاً [80] . وَلْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْه وَاحِد أَوِ اثْنَيْنِ ، وَاجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ [81] ، وَمَنَاكِبِ [82] الْهِضَابِ [83] ، لِئَـلاَّ يَأْتِيَكُمُ الْعَدُوُّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَة أَوْ أَمْن . وَاعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُيُونُهُمْ ، وَعُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَـلاَئِعُهُمْ . وَإِيَّاكُمْ وَالتَّفَرُّقَ ; فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً ، وَإِذَا ارْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعاً ، وَإِذَا غَشِيكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً [84] ، وَلاَ تَذُوقُوا النَّوْمَ إِلاَّ غِرَاراً [85] أَوْ مَضْمَضَةً [86] .

ومن وصية له عليه السلام لمعقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له

اتَّقِ اللهَ الَّذِي لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ ، وَلامُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ ، وَلاَ تُقَاتِلَنَّ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَكَ . وَسِرِ الْبَرْدَيْنِ [87] ، وَغَوِّرْ [88] بِالنَّاس ، وَرَفِّهْ [89] فِي السَّيْرِ ، وَلاَ تَسِرْ أَوَّلَ اللَّيْلِ ، فَإِنَّ اللهَ جَعَلَهُ سَكَناً ، وَقَدَّرَهُ مُقَاماً لاَ ظَعْناً [90] ، فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ ، وَرَوِّحْ ظَهْرَكَ . فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ السَّحَرُ [91] ، أَوْ حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ . فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً ، وَلاَ تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ .وَلاَ تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ ، حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآنُهُمْ [92] عَلَى قِتَالِهِمْ ، قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَالاِْعْذَارِ [93] إِلَيْهِمْ .

ومن كتاب له عليه السلام إلى أميرين من أُمراء جيشه

وَقَدْ أَمَّرْتُ عَلَيْكُمَا وَعَلَى مَنْ فِي حَيِّزِكُمَا [94] مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الاَْشْتَرَ ، فَاسْمَعَا لَهُ وَأَطِيعاَ ، وَاجْعَلاَهُ دِرْعاً [95] وَمِجَنّاً [96] فَإِنَّهُ مِمَّنْ لاَ يُخَافُ وَهْنُهُ [97] وَلاَ سَقْطَتُهُ [98] وَلاَ بُطْؤُهُ عَمَّا الاِسْرَاعُ إِلَيْهِ أَحْزَمُ [99] ، وَلاَ إِسْرَاعُهُ إِلَى مَا الْبُطءُ عَنْهُ أَمْثَلُ [100] .

[1]- شبّههم بالجبْهَة من حيث الكرم .

[2]- شبّههم بالسَنام من حيث الرفعة.

[3]- عِيانه: رؤيته .

[4]- استعتابه: استرضاؤه .

[5]- الوَجِيف: ضرب من سير الخيل والابل سريع .

[6]- الحِدَاء : زجل الابل وسَوْقها .

[7]- دار الهجرة: المدينة .

[8]- قَلَعَ المكان بأهله: نَبَذَهم فلم يصلح لاستيطانهم .

[9]- جاشَتْ : غَلَتْ واضطربت . والجَيْش : الغليان .

[10]- المِرْجَلْ: القدر .

[11]- شاخصاً: ذاهباً مبعداً .

[12]- خِطّة: بكسر الخاء : الارض التي يختطها الانسان ويعلّم عليها بالخط ليعمرها .

[13]- يشرع: أي يفتح .

[14]- الضراعة: الذِلّة . والدَرَك - بالتحريك - : التَبِعة .

[15]- مُبَلْبِلُ الاجسام: مهيج داءاتها المهلكة لها .

[16]- شيّد: رفع البناء .

[17]- نجّد - بتشديد الجيم -: أي زيّن .

[18]- اعتقد المال: اقتناه .

[19]- إشخاصهم: إرسالهم وترحيلهم حتى يحضروا بأشخاصهم .

[20]- غافر : 78 .

[21]- توافى القوم: وافى بعضهم بعضاً حتى تم اجتماعهم .

[22]- المُتَكَارِهُ: المتثاقل بكراهة الحرب ، وجوده بالجيش يضر أكثر مما ينفع .

[23]- الطُعمة - بضم الطاء - : المأكلة .

[24]- تَفْتَات أي: تستبد ، وهو افتعال من الفَوْت كأنه يفوت آمره فيسبقه إلى الفعل قبل أن يأمره .

[25]- خُزّان: بضم فتشديد : جمع خازن - والمراد الحافظ .

[26]- الوُلاة: جمع وال من ولي عليه .

[27]- تجنى - كتولّى - : ادعى الجناية على من لم يفعلها .

[28]- مُوَصَّلة - بصيغة المفعول - : ملفّقة من كلام مختلف وصل بعضه ببعض على التباين ، كالثوب المرقع .

[29]- مُحَبَّرَة أي : مزيّنة .

[30]- نَمّقتها : حسّنت كتابتها . وأمضيْتها : أنفذتها وبعثتها .

[31]- هَجَرَ : هَذَى في كلامه ولغا .

[32]- اللغط : الجَلَبة بلا معنى .

[33]- لا يُثني : لا ينظر فيها ثانياً بعد النظر الاول .

[34]- المُرَوِّي : هو المتفكر هل يقبل الشيء أو ينبذه .

[35]- المُداهن : المنافق .

[36]- الفصل : الحكم القطعي .

[37]- حرب مُجْلِية : أي مخرجة له من وطنه .

[38]- السلم المخزية : الصلح الدال على العجز .

[39]- فانْبِذْ إليه : أي اطرح إليه عهد الامان وأعلنه بالحرب ، والفعل من باب ضرب .

[40]- الاجتياح : الاستئصال والاهلاك .

[41]- هموا بنا الهموم : قصدوا إنزالها بنا .

[42]- الافاعيل : جمع أُفْعولة : الفَعْلة الرديئة .

[43]- العذب : هنيء العيش .

[44]- أحلسونا : ألزمونا .

[45]- اضطرونا : ألجأونا .

[46]- الجبل الوَعْر : الصعب الذي لا يرقى إليه .

[47]- عزم الله لنا : أراد لنا أن نذبّ عن حوزته .

[48]- المراد من الحَوْزة هنا الشريعة الحقة .

[49]- رمى من وراء الحُرْمة : جعل نفسه وقاية لها يدافع السوء عنها فهو من ورائها أو هي من ورائه .

[50]- احمرار البأس : اشتداد القتال .

[51]- حر الاسنة - بفتح الحاء - : شدة وقعها .

[52]- مؤتة - بضم الميم - : بلد في حدود الشام .

[53]- بقدم مثل قدمي جَرَتْ وثَبَتَتْ في الدفاع عن الدين .

[54]- السابقة : فضله السابق في الجهاد .

[55]- أدلي اليه برَحِمِهِ : توسَّلَ ، وبمال دفعه اليه ; وكلا المعنيين صحيح .

[56]- تنْزِع : - كتضرب - : أي تنتهي .

[57]- الشقاق : الخلاف .

[58]- الزَوْر : - بفتح فسكون - : الزائرون .

[59]- الجلابيب - جمع جِلْباب - : وهو الثوب فوق جميع الثياب كالمِلْحَفة .

[60]- تَبَهّجَت : تحسنت .

[61]- الِمجَنّ : التُرْس ، أي يوشك أن يطلعك الله على مهلكة لك لا تتقي منها بترس ، ورويت «مُنْج بدل مجنّ» .

[62]- قَعَسَ : تأخر .

[63]- الاُهبة : بضم الهمزة : العُدّة .

[64]- الغُواة : جمع غاو : قرين السوء الذي يزيّن لك الباطل ويغريك بالفساد .

[65]- المُتْرَف : من أطْغَتْه النعمة .

[66]- سَاسَة : جمع سائس .

[67]- الباسِق : العالي الرفيع .

[68]- الغِرّة ـ بالكسر ـ : الغُرور .

[69]- الاُمْنِيَة - بضم الهمزة - : ما يتمناه الانسان ويؤمل إدراكه .

[70]- المَرِين - بفتح فكسر - اسم مفعول من رانَ ذنبهُ على قلبه : غلب عليه فغطى بصيرته .

[71]- شدخاً : أي : كسراً في الرطب .

[72]- المِنْهاج : هو هنا طريق الدين الحق .

[73]- ثأر به : طلب بدمه .

[74]- حائدة : من حاد عن الشيء : إذا مال عنه وعدل عنه إلى سواه .

[75]- قُبُل : قُدّام .

[76]- الاشراف جمع شَرَف - محركة - : العلو والعالي .

[77]- سِفاح الجبال : أسافلها .

[78]- الاثناء : منعطفات الانهار .

[79]- الرِدْء - بكسر فسكون - : العون .

[80]- المَرَدّ - بتشديد الدال - : مكان الرد والدفع .

[81]- صَيَاصي : أعالي .

[82]- المَنَاكب : المرتفعات .

[83]- الهِضاب : جمع هَضْبة - بفتح فسكون - الجبل لا يرتفع عن الارض كثيراً مع انبساط في أعلاه .

[84]- «الرّماح كِفّة» : أي بمثل كِفّة الميزان مستديرة حولكم محيطة بكم .

[85]- الغِرار - بكسر الغين - : النوم الخفيف .

[86]- المضمضة : أن ينام ثم يستيقظ ثم ينام تشبيهاً بمضمضة الماء في الفم يأخذه ثم يمجه ، وهو أدق التشبيه وأجمله .

[87]- البَرْدان : وقت ابتراد الارض والهواء من حر النهار ، الغَداة والعَشيّ .

[88]- غَوّرْ : أي انزلْ بهم في الغائرة وهي القائلة : وقت اشتداد الحر .

[89]- رفّه : هوّن ولا تتعب نفسك ولا دابتك .

[90]- الظعن : السفر .

[91]- ينبطح السّحَر : ينبسط ، مجاز عن استحكام الوقت بعد مضي مدة منه وبقاء مدة .

[92]- الشَنَآن : البغضاء .

[93]- الاعذار اليهم : تقديم ما يُعْذَرون به في قتالهم .

[94]- الحَيّز : ما يتحيز فيه الجسم أي يتمكن ، والمراد منه مقر سلطتهما .

[95]- الدِرْع : ما يلبس من مصنوع الحديد للوقاية من الضرب والطعن .

[96]- الِمجَنّ : التُرْس .

[97]- الوَهْن : الضعف .

[98]- السَقْطة : الغلطة .

[99]- أحزم : أقرب للحزم .

[100]- أمثل : أولى وأحسن .