الشيخ. أيها الدكتور إني أبدأ بالتعرض لكلمتك الأخيرة أعني قولك (فإن العلم العصري لا يسمح لنا بأن نؤمن بوجود غير منظور) ألا وإن هذه الكلمة مما يتبرأ منه العلم العصري وشرف الانسانية. كيف يقول ذلك إنسان أوليس جميع العالم مذعنا بوجود القوة الكهربائية فهل هي منظورة. أو ليست مشاهدة أعمالها وآثارها في الجذب والدفع والتحريك كافية في الاذعان بوجودها مع أن العلم لم يأخذ قراره في ماهيتها ففي القديم إنها كائن مقابل للمادة كامن فيها يهيج بأحد الهيجات المقررة، وفي الجديد إنها مرتبطة في المبدأ بالمادة تتولد من انحلال المادة إليها بأحد الأسباب المقررة كما أنها تتكاثف وتكون مادة. هل ينكر أحد وجود النفس للحيوان فهل هي منظورة أو ليست أعمالها الحيوية الشعورية تجبر الانسان على الاذعان بوجودها بعد أن يرى أن الجسم الذي تفارقه لا تأتي منه هذه الأعمال بل يكون كسائر الجمادات وإن خفي على العلم كنه النفس فتشبعت فيها الأقوال. أفي القوة الكهربائية شك مع مشاهدة الأعمال التي يحصرها العلم بتأثير القوة الغير المنظورة. أفي النفس شك مع مشاهدة أعمال الحياة التي يحصرها العلم بتأثير النفس. (أفي الله شك فاطر السموات والأرض) مع مشاهدة الأعمال الكبيرة في النظام الباهر والحكمة الفائقة في عالم الكون.
هذه الأعمال التي لا يمكن للعلم المستقيم إلا أن يحصر تعليل صدورها بواجب الوجود العليم الحكيم وهو الله جلت عظمته. أيها الدكتور، الجواهر الفردة وحركاتها اللولبية وزوابع الأثير والأثير هل رآها أحد أو رأى واحدا منها بالنظارات المكبرة أو المقربة. الدكتور: لا وكلا بل إنهم افترضوها افتراضا لتوجيه التعليل والانتهاء به إلى أصل يوقف عليه. الشيخ: لماذا التزموا بكون الجواهر المذكورة فردة لا تتجزأ وتعرضوا للنقد العلمي المبين لاستحالة وجود الجزء الذي لا يتجزأ. ولماذا التزموا بكون الأثير في منتهى البساطة. الدكتور: لأنهم إذا قالوا بتركب الجواهر من الأجزاء لم يمكنهم القول بأزليتها وكذا الأثير.
الشيخ: إذا كان التجزأ في المقدار تركيبا ينافي الأزلية فالأثير المفروض مهما فرضوا له من بساطة الذات فهو متجزئ في المقدار وله مادة وصورة فهو مركب إذن فكيف قالوا بأزليته. دع هذا إلى حين ولكن لماذا لم يقولوا بأن الجواهر والأثير متسلسلة من موجودات لا نهاية لها فيذهبوا بسلسلة التعليل إلى غير نهاية ولا يلتزمون بفرض موجود أزلي لا حجة لهم على أزليته. بل إنهم يثبتون له أوصافا تنافي الأزلية.