وإن كنتم تعدون من فوائدها ضغط البخار لكي يتصاعد فينعقد سحابا ماطرا فاعرفوا شرف هذه الغاية. ألا وإن اختصاص التيارات بمجاريها من جنوبي خط الاستواء، ولزومها لها ودوامها على حالها وتشعها في نقاط مخصوصة ورجوع بعضها من الغرب إلى الشرق وذهاب بعضها إلى الجنوب بميلة إلى الغرب كالمار بشواطي البرازيل إلى آخر أميركا الجنوبية. وميل بعضها إلى الشمال الشرقي كالمار من خليج المكسيك إلى الأرض الجديدة والمار من جزائر ماليزا إلى بوغاز بهرنج ووجود التيارات القطبية المتوجهة إلى جهة خط الاستواء لا إلى الغرب هذا كله مما يعرفك الخطأ في الوجوه التي ذكروها لتعليل التيار بأمور طبيعية.
بحيث لا يقف زيف هذه الوجوه أمام النقد العلمي على رعم الصدقة العمياء الممشوقة والطبيعة البكماء المحبوبة. ألا: تعجب ممن يعرض عن البحث عن غاية الكائن ولا يجد السير في اكتشاف فوائده النافعة في الحياة والعمران. ومع ذلك يتقهقر إلى أوهامه في تعاليل الصدفة العمياء فيضطهد شرف الغايات ويصرف عنها الأنظار لولا بقية روح علمي بقي من تأسيس السلف يحرك على طلب الفوائد والغايات فيما ينفع البشر.
الأرض اليابسة
وانظر إلى مسكننا الأرض كيف قد مهد الكثير منها للسكنى والزراعة واختلفت أوضاع الباقي للقيام بلوازم العمران ودوام الراحة في المسكون وتعديل لوازمه، وكيف جعل تفجر العيون من الأعالي لكي يتهيأ عموم الري، وأمدتها الأمطار لإكمال النفع. أفلا تنظر إلى سيول الأمطار وذوبان الثلوج وجري الأنهار الكبيرة، كم تحمل من الجبال والوهاد في سيلها الجارف من الأطيان والصخور على مر الدهور والأحقاب وتقذفه في البحار على وجه لو أهملت العناية إصلاح هذا الحال وتداركه لاضمحلت الجبال والهضبات وملأ الطين أعماق البحار والخلجان فاستولى الماء على المسكون. وها أنت وكل الناس تعلمون أن الجبال. والهضبان، والبراري والوديان والبحار والخلجان على حالها منذ زمان يبلغه التاريخ بجهده. وهذه الآية الكبيرة التي يكفي العاقل فيها أقل تنبيه قد أشار إليها القرآن الكريم واستلفت العقول إلى أعجوبتها وحجتها بقوله تعالى في سورة الذاريات المكية في الآية الثامنة والأربعين (والأرض فرشناها فنعم الماهدون).