الدكتور: هذا الإله الواجب الوجود الذي لا يتجزأ ولا يمكن أن يكون مركبا لا في الماهية ولا في الوجود ولا في المقدار. هل يلزم أن يكون واحدا مقدسا عن الشريك في الإلهية. أو يجوز تعدد الآلهة والشركاء في الإلهية. كما خبطت به أفكار الكثير من المتدينين بالإلهية. الشيخ: لما لزم الاعتراف للإله الذي هو العلة الأولى للكائنات بأنه واجب الوجود ولا يمكن أن يكون متجزيا ولا مركبا لا في الماهية ولا في الوجود ولا في المقدار فكيف يتعدد الإله. ولأجل تشريح الكلام وتوضيح البيان وتتبع الأوهام في متاهاتها نقول إن تعدد الإله لا بد فيه بعد الاشراك في الإلهية أن يمتاز كل واحد بمميز له عن الشريك الآخر بحيث يتحقق التعدد ويصح الحكم به.
فهذا المائز هل هو بجعل فاعل متصرف. وبتصرفه وتكوينه ميز كل واحد عن صاحبه. إذن فالإله الذي هو الفاعل الأول وواجب الوجود الذي قلنا به هو ذلك الفاعل الذي ميز بتكوينه هذه الأفراد التي تكون بذلك أفرادا عالمية فلا يكون وصفها بالإلهية ووجوب الوجود إلا من أغلاط الضلال والجهل - لا تقل إن هذا الفاعل المتصرف متعدد. فإنا ننقل هدا الكلام بعينه إليه. فإلى أين تذهب وعلى ماذا تقف بالتعليل. أم هل تقول إن المؤثر في إمتياز كل واحد من الأفراد المتعددة هو طبيعي فيه.
فنقول لا بد من أن يكون المائز في امتياز كل منها هو غير الجهة المشتركة بينها من الطبيعة الإلهية ووجوب الوجود كما هو واضح. فيكون كل من الأفراد مركبا من الطبيعة المشتركة - ومائزه الطبيعي فيكون محتاجا إلى أجزائه وإلى فاعل يؤلفها ويركبها فلا يكون كل منها واجب الوجود. لا أراك تقول كما قيل إن المائز بين الأفراد هو نفس الطبيعة المشتركة بينها. ألا تدري أن الذي يتراءى سرابه للخيال من هذا الفرض الموهوم هو فرص شدة القدر المشترك في بعض الأفراد وضعفه في البعض الآخر قياسا فاسدا على مثل امتياز السوادين بالشدة والضعف وامتياز كثير الشيئين من قليلهما. كيف يخفي عليك أن تحقق الأشدية والأضعفية والاختلاف بهما يتوقف على امتياز الأفراد ولو من حيث المكان والمقدار والحدود ثم يتحقق الامتياز بالشدة والضعف.
أو هل تقول: إن المائز بين أفراد الآلهة المتعددة إنما هو معلول لأمر طبيعي. فنقول من الواضح الجلي أنه لا بد من أن يكون في التعليل الطبيعي ارتباط طبيعي بين وجود العلة الخاصة ومعلولها الخاص فلا بد إذن من أن تكون علة المائز في هذا الفرد غير علة المائز في الفرد الآخر فيلزم على فرض التعدد أن يكون في كل واحد من المتعددين جزء هو القدر المشترك بين الآلهة المتعددة وجزء يعلل بطبيعته لكل فرد مائزه الخاص به. فيكون كل واحد من الأفراد مركبا محتاجا إلى أجزائه وإلى فاعل يؤلفها. إذن فكل واحد من الأفراد لا يكون واجب الوجود. بل نقول. إن كل واحد من أجزاء الماهية محتاج في وجوده إلى الجزء الآخر فلا يكون شئ من ماهية الآلهة المتعددة واجب الوجود. فيا للعجب من الانسان. تراه يتقهقر ويضل وأعلام الطريق له واضحة وأنوار الحقيقة ساطعة. فها هو يضطره شعوره إلى تعليل الكائنات تعليلا مستقيما يستقر على موقف علمي يثبت فيه الأقدام. وبأوليات شعوره يقدر مبدأ تعليله قديما أزليا.. حينما تكون فطرته العلمية التي تنبهه من الغفلات تناديه بأن القدم والأزلية والوقوف بالتعليل لا تستقيم ولا تخرج عن الأوهام المستحيلة إلا بالاعتماد على واجب الوجود وحينما يعرفه وجدانه واعتباره في الكائنات العالمية التي تهتف باسم غاياتها إن هذا الواجب الوجود الوجود يوجد الخليقة على الحكمة والعلم بالغاية فاعترف به إلها وسماه في كل لغة باسم خاص مقدس. وحينما يناديه الشعور العلمي بأن وجوب الوجود ينافيه تركيب الموجود بجميع صور التركيب. كيف لا ينافيه؟! والتركيب تلزمه الحاجة إلى الأجزاء والحاجة إلى فاعل يؤلفها. وينادي بأن الأفراد التي يدعى اشتراكها في الإلهية لا بد من أن تكون مركبة. فيا أيها الانسان لماذا تقهقرك أوهام الأهواء عن الحقيقة رغما على أساسياتك التي لا محيد لك عنها في شرف العلم وناموس الشعور. تتقهقر وتجعل الإله آلهة متعددة فلا تقدر حينئذ أن تصف واحدا منها بوجوب الوجود الذي هو الأساس في الإلهية وعليه يبتني عرفانها.. لماذا عدلت عن الحقيقة إلى المستحيلات ونكصت عن الجادة إلى التيه وعن المنهل إلى السراب. أين أساسياتك في الإلهية. أم أين الاستقامة في الشعور؟