وليكن منها الاحساس والتكفير والوجدان فهذه الخصائص من حيث المصدر هي خصائص النفس لأنها تدور حول النفس وارتباطها بالجسد ويقف ظهورها نحوا ما باحتجابها بالنوم أو الإغماء فضلا عن الموت. نعم بما أن هذه الخصائص آلية فإن ظهور آثارها للوجود يتوقف على استعمال الآلة وصلاحيتها كتوقف عمل النجار على آلاته الصالحة. أنظر إذا بطلت أعمال النجار عند حصول الخلل في الله وانقطاع رابطته بها فهل يقول مستقيم إن صناعة النجارة ومزيتها وإرادتها هي للآلة وليس للنجار مزية ولا خاصة أو يقول هي مشتركة بينها وبين النجار بحيث يقول: إن النجار يفقد مزية الصناعة وملكتها إذا لم يظهر مفعولها عند اختلال الآلة! لا تحسب أنا نريد الاقناع فيما مضى وههنا بالتمثيل بل إنا يكفينا من الأدلة ما يأتي.
النفس تثبت مزيتها واستقلالها في بعض أعمالها
وأما القسم الثاني: فهي خصائص نجدها لا تدور حول آلية الجسد وكثيرا ما لا يكون لها أدنى مساس. نجد في الانسان مدركا جازما حاكما بالقطع واليقين بأن الفعل لا بد له من فاعل والأثر لا بد له من مؤثر والحادث لا بد له من علة والنقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان والضدين لا يجتمعان وكل زوج ينقسم بمتساويين وكل فرد لا ينقسم بمتساويين إلى غير ذلك من القوانين الحسابية والهندسية. يعلل الموجودات الحادثة ويسير في تعليله ويميز العلة عن اللازم المقارن.
يدرك القوة التي لا تحس إلا آثارها ويحكم بوجودها ويعلل بها تلك الآثار. يحكم بهذه الأحكام اليقينية الكلية الجارية بتيار عمومها إلى حيث لا يحد مجراها في المصاديق. يدرك القوانين الكلية والقواعد العامة التي بها أسس العلوم وبنيت صروحها وأقيمت دعائمها تلك القوانين والقواعد المشرق يقينها والمطرد تيار عمومها والتي تعرفك هي والشعور المستقيم أنها ليست بنات الحس والحواس وليست إلا بنات النفس والواسطة بنات التعليل العام الذي هو من خصائص النفس. رمزي: إن كثيرا من هذه القوانين العامة تحتاج إلى التجربة والحس فليست من خصائص النفس.