بخص : الباء والخاء والصاد كلمةٌ واحدةٌ، وهي لحمةٌ خاصّة : يقال للَحمة العين بَخَصة. وبخصت الرّجُل إذا ضربتَ منْهُ ذلك . والبَخَصَة لحمُ باطن خُفِّ البعير. وبَخَصُ اليدِ لحمُ أُصول الأصابع ممّا يلي الراحة.
بخع : الباء والخاء والعين أصلٌ واحد، وهو القتل وما داناه من إذلال وقهر.
قال الخليل : بخَع الرّجُل نفسَه إذا قتلَها غيظاً من شدّة الوَجْد. قال ذو الرُّمّة :
ومنه قول الله تعالَى : ) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ ( الكهف : 6. قال أبو عليّ الأصفهانيّ فيما حدّثنا به أبو الفضل محمّد بن العميد، عن أبي بكر الخيّاط عنه قال : قال الضَّبّي : بَخَعْتُ الذَّبيحةَ إذا قطعتَ عظْمَ رقَبتها، فهي مبخوعة، ونَخَعْتُها دون ذلك، لأنّ النخاعَ الخيطُ الأبيضُ الذي يجري في الرقبة وفَقَارِ الظهْر، والبِخاع ، بالباء : العِرْق الذي في الصُّلب. قال أبو عُبيد : بخعْتُ له نَفْسي ونُصْحِي؛ أَي جَهَدْتُ . وأرضٌ مَبْخُوعة ، إذا بُلِغَ مجهودُها بالزَّرع. وبخَعَ لي بحقِّي إذا أقرَّ.
بخق : الباء والخاء والقاف أصلٌ واحد وكلمةٌ واحدةٌ، يقال : بخَقْتُ عينَه إذا ضربتَها
حتّى تَعُورَها . قال رؤبة :
وَمَا بعَينَيْه عَوَاوِيرُ البَخَقْ
بخل : الباء والخاء واللام كلمةٌ واحدةٌ، وهي البُخْل والبَخَلُ ورجلٌ بخيلٌ وباخلٌ. فإذا كان ذلك شأنَه فهو بخَّالٌ. قال رؤبة :
فَذاكَ بَخَّالٌ أَرُوزُ الأَرْزِ
بخنق : من الرُّباعي الذي وضع وضعاً البُخْنُق : البُرْقُع القصير، وقال الفرّاء : البُخْنُق خِرْقَةٌ تَلْبَسُها المرأة تَقِي بها الخِمارَ الدُّهْنَ.
بخو : الباء والخاء والواو، كلمةٌ واحدةٌ لا يُقاسُ عليها. قال ابن دريد : البَخْو الرُّطَب الردِيّ، يقال : رُطَبَةُ بَخْوةٌ.
بدأ : الباء والدال والهمزة من افتتاح الشَّيء، يقال : بدأت بالأمر وابتدأت، من الابتداء. والله تعالَى المبْدِئُ والبادئُ. قال الله تعالَى عزَّوجلَّ : ) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ ويُعِيدُ ( البروج : 13، وقال تعالَى : ) كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ( العنكبوت : 20. ويقال للأمر العَجَبِ بَدِيٌّ، كأنّه من عَجَبِه يُبْدَأُ به. قال عَبِيد :
فلا بَدِيٌّ ولا عجِيبُ
ويقال للسَّيِّد البَدْءُ، لأَنّه يُبدَأُ بذكره. قال :
وتقول : أبدأْت من أرض إلَى أُخرَى أُبدِئُ إِبداءً، إذا خرجت منها إلَى غيرها. والبُدْأَهُ النَّصيب، وهو من هذا أيضاً؛ لأنّ كلَّ ذي نصيب فهو يُبْدأ بذِكْره دونَ غيره، وهو أهمُّها إليه. قال الشّاعر :
والبُدُوءُ مفاصِل الأصابع، واحدها بَدْءٌ، مثل بَدْع. وأظنّه ممّا هُمِز وليس أصله الهمز. وإنّما سمِّيت بُدُوءاً لبُروزها وظُهورِها؛ فهي إذاً من الباب الأوّل.
وممّا شذَّ عن هذا الأصل ولا أدرِي ممّ اشتقاقُه قولُهم بُدئ فهو مبدوءٌ، إذا جُدِرَ أو حُصِب. قال الشّاعر :
بدح : الباء والدال والحاء أصلٌ واحدٌ تُرَدُّ إليه فُروعٌ متشابهة، وما بعد ذلك فكلُّه محمولٌ على غيره أو مُبْدَلٌ منه. فأمّا الأصل فاللِّين والرَّخاوَة والسُّهولة. قال الهُذَلِيُّ :
ثمّ اشتُقّ من هذا قولُهم للمرأة البَادِن الضَّخْمة بَيْدَح . قال الطرمّاح :
قال أبو سعيد : البَدْحاء من النِّساء الواسعة الرُّفْغ. قال :
بَدْحَاء لا يَسْتُرُهُ فَخْذَاها
يقال : بَدَحَتِ المرأةُ و تبدَّحَتْ، إذا حسُنَتْ مِشْيتها. قال الشّاعر :
وقال آخر :
تَبَدْح : تَبَسَّط. ومن هذا الباب قول الخليل : البَدحْ ضربُك بشيء فيه رَخاوة، كما تأخذ بِطِّيخة فَتَبْدَح بها إنساناً. وتقول : رأيتهم يتَبادَحُونَ بالكُرِينَ والرَّمانِ ونحوِ ذلك عبثاً. فهذا الأصل الذي هو عمدة الباب.
وأمّا الكلماتُ الأُخَر فقولهم بدحَه الأمرُ، وإنّما هي حاءٌ مبدلة من هاء، والأصل بَدَهَهُ. وكذلك قولهم ابتدحت الشَّيءَ، إذ ابتدأتَ به من تِلقاءِ نفسك، إنّما هو في الأصل ابتدَعْت واختلقْت. قال الشاعر :
وكذلك البَدْح، وهو العَجْز عن الحَمَالة إذا احتَمَلها الإنسان، وكذلك عَجْزُ البعير عن حَمْلِ حِمْله. قال الشاعر :
فهذا من العين، وهو الإبداع الذي مضى ذكره، إذا كلَّ وأعيا. فأمّا قول القائل :
فهو من الهاء، كأنَّها فاجأَتْ به من البديهة، وقد مضى ذكره، وأمّا الذي حكاه أبو عُبيد مِن قولهم بَدَحْتُه بالعصا؛ أَي ضربتُه بها، فمحمولٌ على قولهم : بدحْتُه بالرُّمَان وشبِهها، والأصل ذاك.
بدّ : الباء والدال في المضاعف أصلٌ واحد، وهو التفرُّق وتباعُدُ ما بينَ الشَّيئين. يقال : فرسٌ أَبدُّ، وهو البعيد ما بين الرِّجلين. وبَدّدْتُ الشَّيء إذا فرّقتَه. ومن ذلك حديثُ أُمِّ سلمة : « يا جارية، أَبِدِّيهِمْ تَمْرَةً تَمْرَةً »؛ أَي فرِّقيها فيهم تَمْرة تَمْرة. ومنه قول الهذليّ :
أي فرَّق فيهنّ الحُتوفَ. ويقال : فرّقْناهم بَدَادِ . قال :
فشلوا بالرِّماح بَدَادِ
وتقول : بادَدْتُه في البَيع؛ أَي بِعتُه مُعاوَضة. فإن سأل سائلٌ عن قولهم : لا بدَّ من كذا، فهو من هذا الباب أيضاً، كأنّه أراد لا فِراق منه، لا بُعد عنه. فالقياس صحيحٌ. وكذلك قولهم للمفازة الواسعة : « بَدْبَدٌ » سمِّيت لتباعُدِ ما بين أقطارها وأطرافها. والبادّان : باطنا الفَخِذين من ذلك، سمِّيا بذلك للانفراج الذي بينهما.
وقد شذّ عن هذا الأصل كلمتان : قولهم للرجل العظيم الخَلْق « أبَدّ ». قال :
أَلَدَّ يَمْشِي مِشْيَةَ الأَبَدِّ
وقولهم : ما لك به بَدَدٌ ؛ أَي ما لك به طاقةٌ.
بدر : الباء والدال والراء، أصلان : أحدهما كمال الشَّيء وامتلاؤه، والآخر الإسراع إلَى الشَّيء.
أمّا الأوّل فهو قولهم لكلِّ شيء تَمَّ بَدْرٌ، وسمِّي بدراً لتمامه وامتلائه. وقيل لعشرة آلافِ درهم بَدْرةٌ، لأنّها تمام العدد ومنتهاه. وعينٌ بَدْرَةٌ أي ممتلئةٌ. قال شاعر :
ويقال لَمسْك السَّخْلة بَدْرَة. وهذا محمولٌ على العَدْو، كأنّه سُمِّي بذلك لأنَّه يسع هذا العدد. ويقولون غُلامٌ بدرٌ، إذا امتلاََ شباباً. فأمّا « بدرٌ » المكانُ فهو ماءٌ معروف، نُسِب إلَى رجل اسمه بدر . وأمّا البوادر من الإنسان وغيره فجمع بادرة، وهي اللَّحمة التي بَينَ المنكب والعنقُ ، وهي من الباب لأنّها ممتلئة. قال شاعر :
وجاءت الخيل محمَرّاً بوادرُها
والأصل آخر : قولُهم بَدَرت إلَى الشَّيء وبادَرْت. وإنّما سمِّي الخطاءُ بادرةً لأنّها تبدُر من الإنسان عند حِدّة وغضب. يُقالُ كانت منه بَوَادِرُ؛ أَي سَقَطاتٌ. ويقال : بَدَرَتْ دَمْعتُه وبادرَتْ، إذا سبقَت، فهي بادرة، والجمعُ بوادر. قال كثيّر :
بدع : الباء والدال والعين أصلان : أحدهما ابتداءُ الشَّيء وصنعه لا عَنْ مِثال، والآخر الانقطاع والكَلال.
فالأوّل قولهم أبْدعْتُ الشَّيءَ قولاً أو فِعلاً، إذا ابتدأتَه لا عن سابِقِ مثال والله بديعُ السَّمـواتِ والأرض. والعرب تقول : ابتدَعَ فلان الرَّكِيَّ إذا استنبَطَه. وفلانٌ بِدعٌ في هذا الأمر. قال الله تعالَى : ) مَا كُنْتُ بدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ( الأحقاف : 9 أَي ما كنتُ أوّل.
الأصل الآخَر قولهم : أُبْدعَتِ الراحلةُ، إذا كَلّت وعَطِبت؛ وَأُبدِع بالرَّجُل، إذا كَلَّتْ رِكابُه أو عَطِبت وبقي مُنْقَطَعاً به. وفي الحديث : « أنّ رجلاً أتاه فقال :يا رسول الله، إنّي أَبْدِعَ بي فاحمِلْنِي ». ويقال : الإبداع لا يكون إلاّ بظَلْع. ومن بعض ذلك اشتُقّت البِدْعة .
بدغ : الباء والدال والغين، ليست فيه كلمةٌ أصليّة؛ لأنّ الدال في أحد أُصولها مبدَلة من طاء، وهو قولهم بَدِغَ الرَّجُل إذا تلطَّخ بالشّرّ، وهو بَدِغٌ من الرِّجال. وهذا إنّما هو في الأصل طاء، وقد ذكر في بابه ( بطغ ). وبقيت كلمتان مشكوك فيهما : إحداهما قولهم البَدَغ التزحُّف على الأرض. والأُخرَى قولهم : إنّ بني فُلان لبَدِغُونَ، إذا كانوا سِماناً حسنةً أحوالُهم. والله أعلمُ بصحَّة ذلك.
بدل : الباء والدال واللام أصلٌ واحد، وهو قيام الشَّيءِ مَقامَ الشَّيءِ الذاهب. يقال : هذا بَدَلُ الشَّيء وبَدِيلُه. ويقولون بدّلْتُ الشَّيءَ إِذا غبَّرتَه وإِنْ لم تأْتِ له ببَدَلِ . قال الله تعالَى : ) قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ( يونس : 15. وأبْدَلْتُه إذا أتيتَ له ببدل. قال الشاعر :
عَزْلَ الأمِيرِ للأَمِيرِ المُبْدَلِ
بدن : الباء والدال والنون أصلٌ واحد، وهو شخص الشَّيء دون شَوَاه، وشَواهُ أطرافُه. يقال : هذا بدَنُ الإنسان، والجمع الأبدان. وسمِّي الوَعِل المُسِنُّ بَدَناً مِن هذا. قال الشاعر :
الرأسُ والأكْرُعُ والإِهابُ
وإنّما سمِّي بذلك لأنّهم إذا بالَغُوا في نَعْت الشَّيء سمَّوهُ باسمِ الجِنس، كما يقولون للرّجُل المبالَغِ في نعته : هو رجُل، فكذلك الوَعِل الشَّخيص ، سُمِّي بَدَناً. وكذلك البَدَنَة التي تُهدَى للبيت، قالوا : سمِّيت بذلك لأنّهم كانوا يستسمنونها. ورجلٌ بَدَنٌ أي مُسِنٌّ. قال الشاعر :
ورجل بادِنٌ وبَدِينٌ؛ أَي عظيم الشَّخصِ والجِسم، يُقال منه : بَدُن. وفي الحديث : « إنِّي قد بَدُنْتُ ». والنّاس قد يروُونه : « بَدَّنتُ ». ويقولون : بَدَّنَ إذا أسَنَّ. قال الشاعر :
وتسمَّى الدِّرعُ البَدَنَ لأنّها تَضُمّ البَدَن.
بده : الباء والدال والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على أوّل الشَّيءِ والذي يفاجِئُ منه. يقال : بادَهْتُ فُلاناً بالأمر، إذا فاجأتَه. وفلانٌ ذو بَديهة إذا فجِئَه الأمْرُ لم يتحيَّر. والبُدَاهة أوّل جَرْي الفرَس؛ قال الأَعشَى :
بدو : الباء والدال والواو أصلٌ واحد، وهو ظُهور الشَّيءِ. يقال : بَدَا الشَّيءُ يَبدُو، إذا ظَهَرَ، فهو باد. وسُمِّي خلافُ الحَضَر بَدْواً من هذا، لأنّهم في بَرَزا من الأرض، وليسوا في قُرىً تستُرُهم أبنِيتُها. والبادية خِلاف الحاضرة. قال الشاعر :
وتقول بدا لي في هذا الأمر بَدَاءٌ ؛ أَي تغيَّر رأْيي عمّا كان عليه.
بذأ : الباء والذال والهمزة أصلٌ واحد، وهو خروج الشَّيء عن طريقةِ الإِحْماد، تقول : هو بذِيءُ اللِّسان، وقد بَذَأْتُ على فلان أبْذَأُ بُذاءً. ويقال : بَذَأت المكان أبذَؤُه، إذا أتيتَه فلم تُحْمِدْه.
بذج : الباء والذال والجيم أصلٌ واحد ليس من كلام العرب، بل هي كلمةٌ مُعَرَّبة، وهي البَذَجُ من وُلْدِ الضَّأن، والجمع بِذْجانٌ . قال الشاعر :
بذح : الباء والذال والحاء أصلٌ واحد، وهو الشّقّ والتَّشْريح وما قارَبَ ذلك. قال أبو عليّ الأصفهانيّ : قال العامريّ : بَذَحْتُ اللَّحْمَ إذا شَرَّحْتَه. قال : والبَذْح الشقُّ. ويقال : أصابه بَذْحٌ في رِجْلِهِ؛ أَي شُقاقٌ. وأنشد :
قال أبو عُبيد : بَذَحْتُ لِسَانَ الفَصيلِ بَذْحاً، وذلك عند التفليك والإجرار. وما يقاربُ هذا البابَ قولُهم لسَحج الفَخِذَين مَذحٌ.
بذخ : الباء والذال والخاء أصلٌ واحد، وهو العلُوّ والتعظُّم. يقال : بَذَخَ إذا تَعَظَّمَ، وفلانٌ في باذخ من الشَّرف أي عال.
بذّ : الباء والذال أصلٌ واحد، وهو الغَلَبة والقَهْر والإذلال. يقال : بذّ فلانٌ أقرانَه إذا غلَبَهم، فهو باذٌّ يَبُذُّهم. وإلَى هذا يرجع قولهم : هو بَاذّ الهيئة وبَذُّ الهيئة، بيِّن البَذَاذة؛ أَي إنّ الأيّام أتَتْ عليها فأَخلقَتْها فهي مقْهورة، ويكون فاعلٌ في معنَى مفعول.
بذر : الباء والذال والراء أصلٌ واحد، وهو نَثْر الشَّيءِ وتفريقُه. يقال : بذرْتُ البَذْرَ أبْذُرُهُ بَذْراً، وبذَّرت المالَ أُبَذِّرُه تبذيراً. قال الله تعالَى : ) وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوانَ الشَّيَاطِينِ) الأسراء : 26 و 27. والبُذُر القومُ لا يكتمُون حديثاً ولا يحفَظُون ألسِنتَهم. قال عليٌّ (عليه السلام) : « اُولئكَ مَصابيحُ الدُّجَى، ليسوا بالمَسَاييح ولا المَذَايِيع البُذُر » البقرة : 54. فالمذاييع الذين يُذِيعُون، والبُذُر الذين ذكرناهم . وبَذَّرُ مكانٌ، ولعلّه أن يكون مشتقّاً من الأصل الذي تقدَّم. قال الشّاعر :
بذع : الباء والذال والعين، كلمةٌ واحدةٌ فيها نظرٌ ولا يقاسُ عليها، يقولون : بَذَعْتُه وأَبْذَعْتُه إذا أفزَعْتَه.
بذل : الباء والذال واللام كلمةٌ واحدةٌ، وهو تركُ صِيانةِ الشَّيء، يقال : بذَلْتُ الشَّيءَ بَذْلاً، فأنا باذلٌ وهو مبذول، وابتذلْتُه ابْتِذالاً. وجاء فلانٌ في مَباذِلِه، وهي ثيابُه التي يَبْتذِلُها. ويقال لها مَعَاوِزُ، وقد ذُكِرتْ في بابها.
برأ : فأمّا الباء والراء والهمزة فأصلان إليهما ترجع فُروع الباب : أحدهما الخَلْق، يقال : بَرَأَ الله الخلقَ يَبْرَؤُهم بَرْءاً. والبارئ الله جَلَّ ثناوه. قال الله تعالَى : ) فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ (، وقال أميّة :
الخالق البارئ المصَوِّرُ
والأصل الآخَر : التّباعُد مِن الشَّيء ومُزَايَلَتُه، من ذلك البُرْءُ وهو السَّلامة من السُّقم، يقال : بَرِئْتُ وبَرَأْت. قال اللِّحيانيّ : يقول أهل الحجاز : بَرَأت من المرض أبرُؤُ بُرُوءاً. وأهل العالِيَة يقولون : بَرَأْتُ أبْرَأ بَرْءاً. ومن ذلك قولهم برئْتُ إليك من حقِّكَ. وأهلُ الحجاز يقولون : أنا بَرَاءٌ منك، وغيرهم يقول أنا بريءٌ منك. قال الله تعالَى في لغة أهل الحجاز : ) إِنَّنِي بَرَاءٌ ممّا تَعْبُدُونَ) الزخرف : 26 وفي غير موضع من القرآن ) إِنِّي بَرِيءٌ ( الأنفال : 48، فمن قال أنا بَرَاءٌ لم يُثَنِّ ولم يؤنّث، ويقولون : نحن البَرَاءُ والخَلاَء من هذا. ومَنْ قال بريء قال بريئان وبريئون، وبُرَآء على وزن بُرَعاء، وبُراء بلا أجر نحو بُراع، وبِراءٌ مثل بِراع. ومن ذلك البَرَاءة من العَيبِ والمكروه، ولا يُقال منه إلاّ بَرِئ يَبرَأُ. وبارَأْت الرّجْلَ؛ أَي برئْتُ إليه وبَرِئَ إليَّ. وبارَأَتِ المرأةُ صاحِبهَا على المفارقة، وكذلك بارَأْتُ شَريكِي وأبرأْتُ من الدّين والضَّمَان. ويقال : إنّ البَرَاءَ آخِرُ ليل من الشَّهْر، سُمِّي بذلك لتبرُّؤ القَمر من الشهر. قال :
يوماً إذا كانَ البَراءُ نَحْسا
قال ابنُ الأعرابيّ : اليوم البرَاءُ السَّعْدُ؛ أَي بريءٌ ممّا يُكْرَه. قال الخليل : الاستبراء أنْ يشترِيَ الرّجُلُ جاريةً فلا يَطاها حتّى تَحِيض. وهذا من الباب لأنّها قد بُرّئَتْ من الرِّيبة التي تَمنَع المشتريَ من مُبَاشَرَتِها. وبُرْأَةُ الصّائِدِ ناموسُه وهي قُتْرَتُه والجمع بُرَاءٌ؛ وهو من الباب؛ لأنَّه قد زايَلَ إليها كلّ أحد. قال :
بها بُرَاءٌ مثلُ الفَسيلِ المُكَمَّمِ
برت : الباء والراء والتاء أصلٌ واحدٌ، وهو أنْ يَغِلَ الشَّيءُ وُغولاً. من ذلك البَُرت، وهي الفأس، وبها شبِّه الرَّجُل الدّليلُ؛ لأنَّه يَغِلُ في الأرضِ ويهتدي في الظُّلَم.
برث : الباء والراء والثاء أصلٌ واحد، وهي الأرض السَّهلة، يقال للأرض السهلة بَرْثٌ، والجمع بِراثٌ. وجعلها رُؤبة البَرارِث ، ويقال : إنّه خطأ.
برج : الباء والراء والجيم أصلان : أحدهما البُروز والظُّهور، والآخر الوَزَرُ والملجأ. فمن الأوّل البَرَج وهو سَعَة العين في شدّةِ سوادِ سَوادِها وشدّة بياض بَياضها، ومنه التَّبرُّج، وهو إظهار المرأةِ مَحاسِنَها.
والأصل الثاني البُرْجُ واحِدُ بُروجِ السَّماء. وأصل البُرُوجِ الحُصونُ والقُصور. قال الله تعالَى : ) وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشيَّدَة ( النساء : 78. ويقال : ثوبٌ مُبَرَّجٌ إذا كان عليه صور البُرُوج.
برجد : ممّا جاء منحوتاً من كلام العرب في الرُّباعي أوّله باء : البُرْجُد وهو كِساءٌ مخطَّط. وقد نُحت من كلمتين : من البِجاد وهو الكِساء ـ وقد فُسِّر ـ ومن البُرْد. والشَّبَه بينهما قريب.
برجم : ممّا يجيءُ على الرُّباعي وهو من الثلاثي على ما ذكرناه، لكنّهم يزيدون فيه حرفاً لمعنىً يريدونه مِنْ مبالغة البَرْجَمَةُ غِلَظُ الكَلام : فالراء زائدةٌ، وإنّما الأصل البَجْم. قال ابنُ دريد : بَجَم الرّجُل يَبْجُم بُجُوماً، إذا سكَتَ من عِيٍّ أو هيْبَة، فهو باجِمٌ.
برح : الباء والراء والحاء أصلانِ يتفرَّع عنهما فروعٌ كثيرة. فالأوّل : الزَّوال والبروزُ والانكِشاف. والثاني : الشِّدَّة والعِظَم وما أشبههُما.
أمّا الأوّل فقال الخليل : بَرَحَ يَبْرَحُ بَرَاحاً إذا رَامَ مِن موضِعِه، وأبرحته أنا. قال العامريّ : يقول الرّجُل لِراحلتهِ إذا كانت بطيئةً : لا تَبْرَحُ بَرَاحاً يُنْتفَعُ به. ويقول : ما بَرِحْتُ أفْعَلُ ذلك، في معنَى ما زِلْت. قال الله تعالَى حكاية عمَّن قال : ) لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ) طه : 91 أي لن نَزَالَ. وأنشد :
أي لا أزال. ومُجيدٌ : صاحبُ فرس جَواد؛ ومُنْتطقٌ : قد شَدّ عليه النِّطاق. ويقول العرب : « بَرَِحَ الخَفاء » أي انكشَفَ الأمر. وقال :
بَرَِحَ الخفاءُ فما لَدَيَّ تجلُّد
قال الفرّاء : وبَرَح بالفتح أيضاً؛ أَي مضَى، ومنه سُمِّيت البارحة. قالوا : البارحة الليلة التي قبلَ لَيْلَتِك، صفةٌ غالبةٌ لها. حتّى صار كالاسم. وأصلها من بَرِح؛ أَي زال عَنْ موضعه.
قال أبو عبيدة في المثل : « ما أشْبَهَ اللَّيْلَةَ بالبارِحة » للشيء ينتظرُه خيراً من شيء، فيَجيءُ مِثْلَه.
قال أبو عُبيد : البِرَاح المكاشَفة، يقال : بَارَحَ بِراحاً كاشَفَ. وأحسبُ أنّ البارحَ الذي هو خلافُ السانح مِن هذا؛ لأنَّه شيءٌ يبرُزُ ويَظْهر. قال الخليل : البُروج مصدر البَارح وهو خلافُ السَّانح، وذلك من الظِّباء والطير يُتشاءم به أو يُتَيَمَّن، قال :
ويقول العربُ في أمثالها : « هو كبارِحِ الأَرْوَى، قليلاً ما يُرَى ». يُضْرَبُ لمن لا يكادُ يُرَى، أو لا يكونُ الشَّيءُ منه إلاّ في الزَّمان مرّةً. وأصلُهُ أنّ الأَرْوَى مساكِنُها الجِبالُ وقِنانُها، فلا يكاد الناسُ يَرَوْنَهَا سانحَةً ولا بارحةً إلاّ في الدَّهرِ مرَّةً. وقد ذَكَرْنا اختلافَ الناسِ في ذلك في كتاب السِّين، عند ذكرنا للسَّانح. ويقال في قولهم : « هو كبارحِ الأَرْوَى » إنّه مشئُوم من وجهين : وذلك أنّ الأَرْوَى يُتشاءَم بها حيث أتَتْ، فإذا بَرَحَتْ كانَ أعظَمَ لشُؤْمِها.
والأصل الآخرُ قال أبو عُبيد : يقال ما أبْرَحَ هذا الأمرَ؛ أَي أعجبَهَ. وأنشد الأَعشَى :
فَأَبْرَحْتِ رَبّاً وأَبْرَحْتِ جَارَا
وقالوا : معناه أعظَمْت، والمعنَى واحدٌ. قال ابنُ الأعرابيّ : يقال : أبْرَحْتُ بفلان؛ أَي حَمَلْتَه على ما لا يُطيق فَتَبَرَّحَ به وغَمَّه. وأنشد :
أبْرَحْتَ مُغْرُوساً وأنْعَمْتَ غارِسا
ابن الأعرابيّ : البَرِيح التَّعب. قال أبو وَجْزة :
المسيح : العَرَق. أبو عمرو : ويقال أبْرَحْتَ لُؤْماً وأبْرَحْتَ كَرَماً. ويقال : بَرْحَى له إذا تعجَّبتَ له. ويقال : البعيرُ بُرْحَةٌ من البُرَح؛ أَي خِيار. وأعْطِنِي مِنْ بُرَحِ إبلك؛ أَي من خِيارها.
قال الخليل : يقال : بَرّح فلانٌ تَبْرِيحاً فهو مُبَرِّح إذا أذى بالإلحاح؛ والاسم البَرْح. قال ذو الرُّمة :
والهَوَى بَرْحٌ على من يُطالِبُهْ
والتَّباريح : الكُلْفة والمَشَقَّة. وضَربَهُ ضَرباً مُبَرِّحاً. وهذا الأمر أبْرَحْ عليَّ مِن ذاكَ؛ أَي أشق. قال ذو الرُّمّة :
أي أشَقّ. ويقال : لقِيتُ منه البُرَحِين والبَرَحَين وبناتِ بَرْح وبَرْحاً بارحاً. ومن هذا الباب البَوارح من الرِّياح، لأنَّها تحمل التُّراب لشدّة هبوبها. قال ذو الرُّمّة :
فأمّا قول القائلِ عند الرَّامي إذا أخطأ : بَرْحَى، على وزن فَعْلى، فقال ابن دُريد وغيرُه : إنّه من الباب، كأنّه قال خُطّة بَرْحَى؛ أَي شديدة.
برخ : الباء والراء والخاء أصل واحدٌ، إن كانَ عربِيّاً فهو النَّماء والزِّيادة، ويقال : إنّها من البَرَكة وهي لغة نَبَطيّة.
برد : الباء والراء والدال أُصول أربعة : أحدها خلاف الحَرّ، والآخَرْ السُّكون والثبوت، والثالث الملبوس، والرابع الاضطراب والحركة. وإليها تَرجِع الفُروع.
فأمّا الأوّل فالبَرْد خلافُ الحَرِّ. يقال : بَرَدَ فهو بارِد، وبَرَد الماءُ حرارةَ جَوْفِي يَبْرُدُها. قال :
ومنه قول الآخر :
وبَرَدْتُ عينَه بالبَرُودِ . والبَرَدَةُ : التُّخَمةُ. وسَحاب بَرِدٌ، إذا كان ذَا بَرَد. والأبردان : طرَفَا النّهار. قال :
ويقال : البَرْدَانِ. ويقال للسُّيوف البَوارِد، قال قوم : هي القواتلُ، وقال آخرون : مَسُّ الحديد باردٌ. وأنشد :
ويقال : جاؤوا مُبْرِدين؛ أَي جاؤوا وقد باخَ الحرُّ.
وأمّا الأصل الآخر فالبرد النَّوم. قال الله تعالَى : ) لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً ولاَ شَرَاباً ( النبأ : 24. وقال الشاعر :