و جاهلون به تماما، و لا نحسبه عيدا كريما و يوما مشهورا نراعي ادابه و نبتهج به؟! لماذا كل هذه الغفلة؟
إن هذه الغفلة ناتجة عن إغفال بعض الخواص و إهمالهم بالرغم من معرفتهم فضل هذا اليوم السعيد و شرفه، فإنهم لا يرغبون الناس فيه و لا يحرضونهم على إحيائه.
و لا شك أن فرح الشيعة و سرورهم في هذا اليوم و إحياءهم لذكرى ولادة سيدة النساء يدخل السرور على خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله و سلم رضي رب العالمين و يوجب دخول الجنة.
أما يوم ولادة الرسول الأكرم و وصيه أميرالمؤمنين صلوات الله عليهما- فهي ولله الحمد- من الأيام المشهورة في بلاد إيران العلية، و هي من الأيام العظيمة عند الشيعة، حيث تحيي الذكرى بإجلال و احترام، غير أنهم لا يعرفون في الغالب اليوم السعيد والولادة المباركة والعيد العظيم لولادة الزهراء عليهاالسلام، و لا يعملون بما يلزم فيه و لا يقدرونه حق قدره
[أجل، وفقت منذ سنوات إمراة من محجبات حرم المحبة والشيم، المحترمة الفريدة، والمرأة الجليلة الباسلة، فاحتفلت بهذا اليوم البهيج و أخذت بالبذل والإحسان، ودعت العلويات المحترمات والفاطميات المكرمات إلى ضيافة كريمة دعت فيها أقرانهن و أترابهن من بنات الملوك و عقائل السلطنة، و قدمت لهن ألوان الأطعمة والأغذية والحلويات والفاكهة والمشروبات الحلوة، وأعلنت خارج منزلها ليطلع الأكابر والأكارم والأعاظم والأفاخم من العلويين والفاطميين بكل طبقاتهم و درجاتهم علماء و غيرهم، أغنياء و فقراء، كبارا و صغارا، بل حتى الصبيان و قدمت لكل فرد منهم هدايا و عطايا خاصة.
و قد زين هذا العمل- و هو من خير الأعمال- بيت السلطنة أيما زينة، و سجل لهذه الدولة عزة أبدية، و كم ذاع صيتهم و صار عملهم هذا محبوبا ممدوحا في الخارج والداخل، و أعتقد أن جملة من الأعيان والتجار اتبعوا هذه السنه فى هذه الاعوام و تعلموا من بيت السلطان، و دعوا- و هم ممنونون- الساده بنى فاطمه و خدموهم ايما خدمه، و كم هو رائع و ممدوح ان يستن عموم رعايا الدوله القاهره العليه بناء على «الناس على دين ملوكهم» بهذه السنه، ليغتنموا هذه الموهبه الكبرى و النعمه العظمى... (من المتن)]
و عليهم أن يغتنموا هذه الموهبة الكبرى والنعمة العظمى
و يقبلوا على هذه الطاعة المقبولة، فيجعلوا الفرح والسرور في ذلك اليوم شعارا لهم، فني ذلك طول العمر وسعة الرزق و قوة الإيمان و رواج الإسلام و تعظيم الشعائر و تعليم الخير والدلالة على الثواب و إحياء النفوس و ابتهاج الخواطر و تقرب إلى قلوب آل العصمة و أداء لحقوقهم، و إرغام لأنوف أعداء الدين و إجلال مقام السادات والفاطميين، بل العلماء الأعلام والأعاظم من المجتهدين.
و أفضل الأعمال في هذا اليوم إقامة المجالس و دعوة الناس عامة، لا سيما بني فاطمة، و تبادل التهاني والتبريكات، و بيان مناقب فاطمة الطاهرة و مآثرها بكل اللغات نظما و نثرا، لتعمر قلوب المستمعين و تتنور بما تسمع، و تزداد معارفهم، و يزداد خلوصهم و تشتد محبتهم، و فتنشر هذه الظاهرة، و تعظم هذه الشعيرة.
والأفضل منه إعانة الفقراء من السادة والفاطميات و رعايتهم، خصوصا الشيوخ والنساء والأطفال منهم، فدعوة هؤلاء الأطهار الأبرار من أبناء آدم أبوالبشر سريعة الإجابة، وبذا ندخل السرور على الروح الفاتحة لفاطمة الزهراء من خلال محبة ذريتها الطيبة
[و يا ليت كان من بذمته شى ء من حقوق الساده والاخماس الواجبه يدفعه فى مثل هذا اليوم و يقضى ما فاته فان المال المختلط بالحرام لا عليه شى ء سوى اداء الخمس و سياتى الحديث عن الخمس و اعانه بنى فاطمه عليهاالسلام فى خصيصه خاصه ان شاءالله. (من المتن)]
و قد بذلت ما في وسعي لتفريغ ذمتي و إنجاز ما في عهدتى فى يخص هذا العيد السعيد، فحاولت- حد المقدور- أن أجانب القصور والتقصير و أسعى في إشاعة
هذا الشعار و نشر هذا العمل بإصرار، و أتمنى لو يؤدي المخلصون لأهل البيت ما في ذمتهم لله و لرسوله في أيام الحزن والسرور و أداء حقها كما ينبغي، لكي لا يتخلفوا عن إخوانهم المؤمنين غدا يوم القيامة، ويسلكوا في عداد الفاطميين والمحبين، فلا مجرمون من شفاعة شفيعة يوم الجزاء.
و سأضرب في هذا المقام لأحبتي ذوي البصائر مثالا يكون لهم ميزانا لحزنهم و سرورهم و فرحهم و ترحهم:
إذا كان عند المرء جوهرة ثمينة للغاية يحتفظ بها منذ سنين و يحملها معه حيثما يذهب، لا يفارقها في ليل و لا نهار و يحبها حبا بها و لا يقبل الدنيا لما عوضا أو بدلا، و في ذات يوم غفل عنها فضاعت أو نسي مكافها الذي وضعها فيه، فهل يمكن أن نتصور له قرارا؟ و هل يمكن تصور الحالة التي سيعيشها و مدى الأذى والاضطراب والقلق والانزعاج الذي سينتابه و مقدار الجهد الذي سيبذله في البحث والفحص عنها، و كم سيبذل من الأموال و يعطي من الوعود في سبيل الوصول إليها، و سيتهدد و يتوعد و يغري و يرغب و يعطي كل شي ء عله يسترجعها أو يسمع أي خبر عنها، و بعد اللتيا والتي يبشر أنها وجدت، فيأخذها بين يديه والشوق يغمره والفرح يملأ كيانه و لا يمكن وصف حاله و هو في تلك الحالة لفرط اغتباطه و سروره.
و هكذا ينبغي أن يكون حال الشيعة الإمامية في ذكرى ولادتها و وفاتها فرحا و حزنا.
و في الحديث: إن الله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته فوجدها في ليلة الظلماء
[البحار 6/ 40 ح 73 باب 20.]
والمثال الذي ذكرته فيه غمط لحق المخدرة الكبرى و تقصير واضح تجاهها ولكني أعلم أن شيئا من سرور أو شيئا من حزن يدخل السرور عليهم، و أنهم يعرفون ذلك لمن حزن أو فرح من أجلهم.
مثال آخر: لو أن أحدا زرع بيده بذرة أترج أو ليمون أو نارنج وسقاها و رعاها و حماها من الحر والبرد و قام عليها ليل نهار حتى أثمرت و أينعت ثمارها، ولو ثمرة واحدة، كم سيسعد بها و يفرح. ولو انعكس الأمر فسقطت اشرة أو اقتطفها متطفل، فكم سيحزن و يغتم؟ فلو أن الناس فرحوا لفرح فاطمة عليهاالسلام و حزنوا لحزنها بهذا المقدار لكفى.
وكم شاهدنا رجالا بشروهم بمولود ففرحوا وابتهجوا حتى انجروا إلى الملاهي تعبيرا عن فرحهم (ذلك بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق)
[غافر: 75.] و ليس ذلك إلا لفرح الأب بالإبن توخيا للفوائد التي ستعود عليه من تلك الولادة، و فوائد ولادة فاطمة في الدنيا والاخرة أكثر من فائدة الولد آلاف المرات؛ منها أن فرحك و سعادتك في هذا اليوم يعد خدمة لفاطمة عليهاالسلام و نصرا لله و لرسوله صلى الله عليه و آله و سلم، فإذا كان يوم الحشر كان لواء النصر بيد فاطمة عليهاالسلام، و هي «المنصورة» في قوله تعالى (يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء)
[الروم: 4.] يعني أن نصرك لها
يكون يوم القيامة نجاة لك من نار جهنم.
ولكن شرط الفرح الإيمان بفاطمة في الآية (فيومئذ يفرح المؤمنون) (والإيمان هو الولاية والمحبة فكلما كان أثر المحبة أكثر، كان فرحك- و هو فرع الإيمان- أكثر، و كلما كان هذا الأصل والفرع فيك أقوى، كان محبتها و نصرتها لك يوم القيامة أقوى؛ فالجزاء يقابل العمل والسنة الحسنة.
و قد جمعت- و أنا الكلب الباسط ذراعيه على أعتاب فاطمة الزهراء عليهاالسلام- ديوانا يتضمن قصائد بالعربية والفارسية كتبتها في مناقب و مصائب ذوي القربى والعترة الطاهرة آل يس و طه فاجتمعت بمرور الأيام و صارت ديوانا.
منها قصيدة عربية كتبتها قبل سنوات في ولادة المخدرة الكبرى عليهاالسلام، و هي مجموعة موجزة من أخبار ولادة أم الأئمة الأطهار عليهم السلام و أخص خصائصها،فأنشأتها إكراما لهذا اليوم و تعطى له، لعلي أشارك فيه بتقديم التهاني و إقامة الشعائر، فأنال من الموائد التي تعطى للمستطعمين فيه. والمعروف قدر المعرفة:
الحمدلله الذي أكمل نوره، و أتم سرورة، و قال في كتابه العزيز: (وتمت كلمة ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته)
[الانعام: 115.] فيا معشر السادة و يا فرقة الشيعة القادة؛ ابشروا في هذا اليوم الشريف بالمواهب الإلهية، والرغائب الرحمانية لولادة أم الأئمة النجباء، و سيدة النساء، والبتول العذراء، والإنسية الحوراء، و شرف الأرض والسماء، و ذبالة مشكاة الضياء، فاطمة الزهراء صلوات الله و سلامه عليها، و بارك الله لكم من هذه الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، في هذا العيد السعيد، مع العيش الرعيد، كما بورك للنبى والأئمة الأطياب الذين هم ورثة النبوة والحكمة و فصل الخطاب، و قد جعل الله شرق الأرض و غربها بغرة ناصيتها مستنيرة، و سكانها بأشعة جبهتها مستضيئة، فانظروا (إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها)
[الروم: 50.]، و كأنها من وجدها و سرورها بنيت قواعدها على الابود، و ألقت الشمس عليها ردائها، و أرخت النجوم أضوائها سلام الله عليها ما طلعت الشمش و ظلعت الأقمار ما دارت الأفلاك و سارت الليل والنهار، و فوق ما قيل:
إن أباها و أبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها واها لهذا العيش واها واها اى گروه مؤمنان شادى كنيد همچو سرو و سوسن آزادى كنيد در شكر غلطيد اى حلوائيان كورى چشم دل صفرائيان
شهر ما امروز پر شكر شود شكر ارزانست ارزانتر شود
[يقول : ابتهجوا أيها المؤمنون، وامرحوا كالسرو والسوسن.
و تقلبوا في الحلوى يا من تحبون الحلوى، وليمت ذوي الصفراء كمدا.
فقد امتلأت مدينتنا بالحلوى، فصارت الحلوى الزهيدة المتوفرة، أكثر توفرا.
و نعم ما قيل: جاء السرور مع الفرح و مضى النحوس مع الترح
أولا: أتقدم في مقدمة هذه الخصيصة و أنا أضعف العباد و أقلهم قابلية لسادتي من ذرية النبي صلى الله عليه و آله و سلم و كافة محبيهم بالتهاني والتبريك بمناسبة ولادة أمهم الزهراء عليهاالسلام.
و ثانيا: أقول لكم أيها السادة الأجلاء من بني فاطمة الزهراء عليهاالسلام و سائر الشيعة الإمامية: أشكروا الله تبارك و تعالى مخلصين- قلبا و لسانا- على هذه الموهبة الكبرى والنعمة العظمى التي من عليكم العلي الأعلى في هذا الشهر و في هذا اليوم السعيد، واعرفوا لهذا اليوم قدره، وانظروا كيف ملأ الله قلب نبى الرحمة و خلاصة الموجودات محمد المصطفى بالنور، و جعله مفعما بالبهجة والسرور في هذا اليوم؟! و فتح فيه أبواب رأفته و رحمته وامتن على أنبياءه و ملائكته العظام منة لا غاية لها، فأخرج لهم بنتا خيرا من مريم، و أخرج منها أولادا جعلهم أركان الوجود و أعيان الجود.
أم الأئمة أم جمة الولد بمثلها لم يكن تحبل و لم تلد
سماء الصدق والصفاء، و لمع در ثمين من صدف العفة والحياء، و تنور عالم الإمكان بنورها الموفور السرور.
فيا أيها الإخوان؛ لا يفوتنكم شرف هذا اليوم و لا تغفلوا عنه لئلا تصنفوا في الغرباء والأجانب، بل كونوا من الأولياء والمعارف؟ فغدا- في يوم الجزاء- ستشد فاطمة الزهراء عصابة الشفاعة على جبينها النوراني الأغر، فتدفع أعداءها بالقهر إلى جهنم، و تدخل أحباءها بالرحمة إلى الجنة، فلا تكن يومها حيران تدير طرفك تتوسل إلى هذا و ذاك، تبحمث عن من يؤويك لتلجأ إليه، فلا تجد إلا فاطمة العالمة العارفة بأعدائها و محبيها، فتطردك فلا يكون لك ملجأ و لا منجى.
و للحب علامات: منها معرفة الحبيب و معرفة أحواله و معرفة حزنه و فرحه. إلا أن تعرض عن محبة فاطمة و لا ترى حاجة إلى شفاعتها، و هذا بنفسه ذنب كبير لا يغتفر. فن ذا الذي يستغني عن الساحة الفاطمية المقدسة سواء كان مذنبا أو غير مذنب؟ و من ذا الذي يرى نفسه مستغنيا عن شفاعتها؟
أرجو أن تتحقق أمنيتي و يسمع الناس إشارتي فتعمهم البشرى والمسرات، فنصير بفرحنا في هذا اليوم في عداد أحباء أبناء أهل البيت صلى الله عليه و آله و سلم و أوليائهم.
و أمر من هنا على عجل طالبا الرحمة للمسترحمين و أقول:
ولدت فاطمة الزهراء عليهاالسلام يوم الجمعة- على الرواية الصحيحة- لخمس و أربعين سنة بعد عام الفيل، و بعد ولادة أبيها صلى الله عليه و آله و سلم في عهد يزدجرد بن شهريار ملك العجم، في مكة المعظمة- زادها الله شرفا و تكريما- في الموضع المبارك الذي صار في هذه الأعوام مزارا للسنة والشيعة جميعا. ولدت من سيدة النسوان خديجة
الطاهرة عليهاالسلام بنت خويلد، فأشرقت بنورها البهيج على مكة والمدينة و تهامة والحجاز، بل على سائر من في الأرض والأفلاك، فأراحت النبى المختار بقدومها من عناء الانتظار.
و كان عمر أميرالمؤمنين عليه السلام يومها خمسة عشر عاما، لأنه ولد عليه السلام- على الرواية المشهورة- بعد مضي ثلاثين سنة من مولد النبى الخاتم صلى الله عليه و آله و سلم.
فكانت ولادتها عليهاالسلام بعد مضي ستة آلاف و مائتين عاما من هبوط آدم أبى البشر عليه السلام، و أربعمائة و خمسين عاما أو ما يقرب من ذلك من عهد الإسكندر، و بعد خمسة و عشرين عاما من عام الفجار
[قال الجوهري: الفجار من أيام العرب، و فجار بالكسر جمعها أفجرة كان أهل الجاهلية إذا قاتلوا في الشهر الحرام قالوا «قد أفجرنا». قال المسعودي في مروج الذهب: الفجار حرب عظيمة بين قيس و كنانة وقعت في الأشهر الحرم التي كان العرب يحرمون القتال فيها. (من المتن)]]
و روى بعضهم: كان بين ولادة فاطمة عليهاالسلام و عهد الإسكندر ذي القرنين تسعمائة و خمسة و عشرين عاما. و لعل الإختلاف ناشئ من اختلاف عهدي الإسكندرين، أحدهما ذوالقرنين الذي ملك الأرض والآخر غيره. عقم النساء فما يلدن بمثلها إن النساء بمثلها عقم
سالها بايدت كه مادر دهر زايد از صلب تو چو وى فرزند
[كان ينبغى للدهر منذ سنين طويله- ان يلد من صلبك مثلها ولدا.
والخلاصة: كانت فاطمة الطاهرة عليهاالسلام ترى قرنها و عالمها من مقام الأشرف فالأشرف، و تسير في الحجب، حتى حبست في هذه المرتبة الأدنى فصارت روح العالمين- فدى العالمين قدومها السعيد-.
والآن فليتأمل الأولياء والمحبون و يسروا و يسعدوا بالنظر في الحديث المروي في أول المجلد العاشر من بحارالأنوار في ولادة أم الأئمة الأطهار، و هو مجموعة من أسرارها و مناقبها، و قد ذكر في كثير من كتب الشيعة دون اختلاف، كما روي في أمالي الصدوق قدس سره دون زيادة أو نقصان، و كذا في مصباح الأنوار عن أبى المفضل الشيباني عن الصادق عليه السلام، واللفظ من بحارالأنوار:
عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبى عبدالله الصادق عليه السلام: كيف كان ولادة فاطمة عليهاالسلام؟
فقال: نعم؛ إن خديجة عليهاالسلام لما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها و لا يسلمن عليها و لا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك، و كان جزعها و غمها حذرا عليه صلى الله عليه و آله و سلم.
فلما حملت بفاطمة كانت فاطمة عليهاالسلام تحدثها من بطنها و تصبرها، و كانت تكتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فدخل رسول الله يوما فسمع خديجة تحدث فاطمة عليهاالسلام، فقال لها: يا خديجة من تحدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني، قال: يا خديجة هذا جبرئيل يبشرني يخبرني أنها أنثى، و أنها النسلة الطاهرة الميمونة، و أن الله تبارك و تعالى، سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.
فلم تزل خديجة عليهاالسلام على ذلك إلى أن حفرت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش و بني هاشم أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها: أنت عصيتنا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمدا صلى الله عليه و آله و سلم يتيم أبى طالب فقيرا لا مال له، فلسنا نجي ء و لا نلي من أمرك شيئا، فاغتمت خديجة عليهاالسلام لذلك، فبينا هي كذلك إذ
دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لما رأتهن، فقالت إحداهن: لا نخزني يا خديجة فإنا رسل ربك إليك و نحن أخواتك: أنا سارة، و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة، و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمينها، و أخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة عليهاالسلام طاهرة مطهرة.
فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، و لم يبق في شرق الأرض و لا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور، و دخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طست من الجنة و إبريق من الجنة، و في الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر، و أخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن و أطيب ريحا من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة وقنعتها بالثانية، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليهاالسلام بالشهادتين و قالت: أشهد أن لا إله إلا الله، و أن أبى رسول الله سيد الأنبياء، و أن بعلي سيد الأوصياء و ولدي سادة الأسباط، ثم سلمت عليهن و سمت كل واحدة منهن باسمها، و أقبلن يضحكن إليها، و تباشرت الحور العين، و بشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة عليهاالسلام، و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، و قالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة ميمونة، بورك فيها و في نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها فدر عليها.
فكانت فاطمة عليهاالسلام تنمى في اليوم كما ينمى الصبى في الشهر، و تنمى في
الشهر كما ينمى الصبي في السنة
[بحارالانوار 2/43 ح 1 باب 1 عن الامالى:]]
و في الحديث عشر بشائر كبرى:
الاولى: تكلم الزهراء عليهاالسلام في رحم أمها في أيام الحمل عدة مرات.
الثانية: حضور جبرئيل و تبشير النبى بأنها أنثى، و أن نسل النبي صلى الله عليه و آله و سلم سيكون منها.
الثالثة: مجي ء النساء الأربعة المحترمات و تبشير خديجة بأنهن رسل الله.
الرابعة: إشراق الأنوار الفاطمية في بيوت مكة و شرق العالم و غربه.
الخامسة: مجي ء الحوريات العشرة مع الطست والإبريق و ماء الكوثر والخرقتين البيضاوين بالصفة المذكورة.
السادسة: نطق المخدرة الكبرى بالشهادتين و ذكر أسماء الأئمة المعصومين عليهم السلام، واستبشارها بذكر كل واحد منهم.
السابعة: ظهور ذلك النور البديع في السماوات.
الثامنة: تبشير الملائكة بعضهم بعضا بولادتها عليهاالسلام.
التاسعة: الإخبار عن طهارة الذات و يمن القدوم.
العاشرة: نمو فاطمة عليهاالسلام بالصفة المذكورة، لا كبقية الصبيان.
والآن فلينصف المحب و لينظر أن أكثر ما روي في كتب المناقب والكافي والفقيه والعيون من خصوصيات في ولادة الأئمة جميعا، قد ذكر في هذه الرواية في حق فاطمة عليهاالسلام، بل أكثر.
و قد ورد في هذا الحديث ما يقبله أهل السنة والجماعة و يروونه أيضا،
كتكلمها و هي في رحم خديجة
[سياتى الكلام عنه فى الحديث عن احوال مريم عليهاالسلام. (من المتن)]
و ما ذكر في حق فاطمة عليهاالسلام من أوصاف و علائم خاص بالمعصوم والمعصومة فقط.
والحديث دليل على أفضلية فاطمة عليهاالسلام على النساء الأربعة سيدات نساء العالمين، لأنهن أمرن بخدمتها، والمخدوم أفضل من الخادم، و سيأتى حديث آخر في خدمة مريم لفاطمة و تمريضها أيام علتها، والحديث صحيح.
و كذا سعدت الحور العين بخدمتها في مواقع أخرى.
و كل ذلك يدل على كمال إنسانيتها- و هي منبع العفاف و معدن العصمة والشرف- و أفضليتها على سائر نساء الأولين والآخرين، و إحاطة علمها بكل شي ء كان أو هو كائن، و كمال توحيدها و يقينها و عرفانها و إيمانها.
و يدل الخبر أيضا على ولادتها بعد البعثة و نزول الوحي- خلافا للمخالف- لأنه نص على حضور جبرئيل و تبليغه البشارة.
وانقدح في ذهني نكتة- و أنا أقرأ الحديث- و كأنها من إيحاءات الحديث، و هو أن فاطمة الزهراء عليهاالسلام هي المولود الأول لخديجة، بل هي المولود الوحيد لما، أن بناتها الأخريات من الأزواج الآخرين.
والعجيب أن التاريخ لا يروي لنا استعانة خديجة بنساء بني هاشم في ولادة بناتها الاخريات، مع أنهن سبقن فاطمة عليهاالسلام بالولادة، و كانت خديجة في الولادة الأولى و ما بعدها أحوج إلى من يعينها من الولادة الأخيرة، فإن كانت قد استدعتهن من قبل و لم يجبنها، فكيف تستعين بهن مرة أخرى؟ إلا أن يقال أنها لما
ولدت فاطمة عليهاالسلام لا يكن عندها جارية و لا خادمة!! بينما كانت في السابق مستغنية عن النساء بجواريها و خدمها.
و إذا كان عمر خديجة يوم دخولها بيت الرسول صلى الله عليه و آله و سلم خمسة و أربعين سنة- على الرواية المشهورة- و كان عمر النبى صلى الله عليه و آله و سلم يومها خمسا و عشرين سنة، يعني أنها لازمت خدمة النبى صلى الله عليه و آله و سلم ثلاثين عاما، و كان هجرة النبي صلى الله عليه و آله و سلم في عام الحزن؛ العام الذي رحلت فيه خديجة و أبوطالب، و قد ذكرت التواريخ والسير أبناء ذكور لخديجة عليهاالسلام توفوا جميعا في حياة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، منهم القاسم والطاهر والمطهر، و لم نجد في ولادة أي واحد من ذكورها إناثها أثرا لما ذكر لولادة فاطمة من أحداث اكتنفت الولادة
[و منهم من ذهب الى ان بنات خديجه الطاهرات لم يكن من النبى صلى الله عليه و آله و سلم، و ذكروا لذلك ادله صحيحه. (من المتن)] فإذا كانت خديجة بالعمر المذكور، و كانت فاطمة أصغر بناتها- و نحن لا نعرف بالضبط متى رزقت بناتها و أبناءها، و في أي سنة من عمرها الشريف-. فإن كان كذلك أي كان عمر خديجة يوم دخولها بيت النبى صلى الله عليه و آله و سلم خمسة و أربعين سنة، و كانت زينب كبرى بناتها أكبر من فاطمة بخمسة عشر عاما، يلزم أن يكون عمرها عند ولادة فاطمة عليهاالسلام ستين سنة، و هو بعيد إلا أن يقال أن خديجة دخلت بيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم قبل الخمس والأربعين.
على أي حال لابد من النظر في الأخبار و جمعها عن طريق أهل البيت صلى الله عليه و آله و سلم- أنا الحقير- مشرب مأخوذ من الأقوال الصحيحة والعقائد المعتبرة للعلامة المجلسي(عليه الرحمة) و أمثاله من علماء السلف المتوغلين في هذه الطريقة، والمأنوسين بأقوال الأئمة الطاهرين، و سيأتي في خصيصة آتية بعون الله تعالى ما نحل به المشكلة و نسأل الله التوفيق.