هو المولى محمد عليّ بن أحمد الاونساري القراچة داغي التبريزي الأنصاري
[ وجدنا هذا اللقب في مقدمة كتاب اللمعة البيضاء حيث قال المؤلّف (رحمه اللَّه): (فيقول المحتاج إلى لطف ربه الباري ابن أحمد محمد عليّ الحافظ الأنصاري) و وجدناه أيضاً في بعض المعاجم، لكن اعتقد صاحب مفاخر آذربايجان انّ هذا اللقب تصحيف (الاونساري)، و اللَّه العالم.]، فقيه متبحّر، و عالم بارع، و له مقام منيع و يد طولى في شتى العلوم الدينيّة، و الأونسار- بالواو و النون و السين- من قرى قراچة داغ في تبريز.
خرج المولّف (رحمه اللَّه) إلى العراق، و أخذ في النجف عن الشيخ مرتضى الأنصاري أصولاً، و عن الشيخ مهدي الجعفري فقهاً و يروي عنه بالإجازة
[ أعيان الشيعة 10: 5، معجم المؤلفين 11: 35، مفاخر آذربايجان 1: 176.]
ثم رجع إلى إيران و ذهب إلى زيارة مولانا عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) بعد سنة 1300 ه ق، فطلب منه الميرزا عبد الوهاب آصف الدولة حاكم خراسان البقاء هناك لترويج الشريعة و نظم أمور الاُمّة، فلبّى المترجم له ذلك الطلب و قطن بها زماناً.
ثم هبط طهران و تصدّر للتدريس في مدرسة سپهسالار مدّة، تلمذ عليه خلالها كثيرون، ثم طلبه أهل تبريز فرجع إليهم و ظلّ قائماً بالوظائف الشرعيّة من تدريس و إمامة و وعظ و تأليف.
و من تلاميذه في تبريز العلامة السيد ميرزا باقر القاضي الطباطبائي، كما ذكره ولده السيد محمد عليّ (الطباطبائي) في كتابه حديقة الصالحين
[ نقباء البشر 4: 1341 رقم 1870، المآثر و الآثار: 175، العلماء المعاصرين للخياباني: 343.]
قال في نقباء البشر: هو الشيخ محمد عليّ بن أحمد الأونساري القراچه داغي التبريزي فقيه متبحر، و عالم بارع
[ نقباء البشر 4: 1341 رقم 1870.]
و قال محمد حسن خان إعتماد السلطنة في المآثر و الآثار: الحاج ميرزا محمد على القراچه داغي من أجلّة المجتهدين و مروجي الشريعة و الدين، له مقام منيع و رتبة رفيعة في الفقه، و الاُصول، و الأخبار، و العلوم العربية، و الفنون الأدبية، و له تصانيف فيها غالباً
[ المآثر و الآثار: 175، العلماء المعاصرين: 343.]
و قال صاحب معجم المؤلّفين: آية اللَّه الشيخ محمد علي القراجه داغي فقيه، أصولي، متكلّم، مفسّر، عروضي، عارف باللغة العربية
[ معجم المؤلفين 11: 35، مفاخر آذربايجان 1: 176.]
و قال صاحب ريحانة الأدب: من علماء آذربايجان، و له باع في الفقه، و الأصول، و الحديث، و الرجال، و العلوم العربية، و الفنون الأدبية، و تأليفاته خير دليل على مرتبته العلميّة
[ ريحانة الأدب 3: 438، مفاخر آذربايجان 1: 177.]
و قال السيد محمد مهدي الإصفهاني الكاظمي في أحسن الوديعة (تتميم روضات الجنات): كان (رحمه اللَّه) عالماً، فاضلاً، ثقة، عارفاً، عابداً، زاهداً،
رئيساً مشاراً إليه، نافذ الكلمة، و كان للعلوم جامعاً، و في فنونها بارعاً، و كانت له اليد الطولى في معرفة الأدب، و الباع الممتد في حفظ لغات العرب، و كان عارفاً بالتفسير و الحديث و الرجال، و بالجملة كان أحد الأئمة الأعلام المجتهدين، و ركن العلماء العاملين، بل إمام دهره بلا مدافعة، و فقيه عصره بلا منازعة، اشتهر اسمه السامي فملأ الأقطار و الأصقاع، و شاع ذكره في جميع الديار و البقاع، رحلت الطلبة من قرى تبريز إليه و حضروا عليه
[ أحسن الوديعة 2: 72، مفاخر آذربايجان 1: 175.]
خلّف المؤلّف (رحمه اللَّه) ولدين فاضلين هما الميرزا أحمد، و الميرزا محمود
[ نقباء البشر 4: 1341 رقم 1870.]
قال الملّا عليّ الواعظ الخياباني التبريزي في العلماء المعاصرين: كان [الميرزا أحمد] من أعاظم علماء عصره، و أفاخم مجتهدي وقته، جامع المآثر الفاضلة، و صاحب المفاخر العالية، و كان له حظ كامل في المعقول و المنقول، و اطلاع واسع في الحديث و التفسير و الفنون الأدبية، و قلّ نظيره في قوّة العقل، و سعة الخلق، و صفاء النظر، و لطف القريحة.
و كان له في تبريز مدة طويلة منصب القضاء و المحاكمة و الأمور الشرعية، و لم يعترض عليه و لم يردّه في أمر أحد من العلماء المعاصرين، ولي إجازة منه ذكرتها في كتاب وقايع الأيّام
[ العلماء المعاصرين: 345.]
للمؤلّف (رحمه اللَّه) آثار و تأليفات كثيرة تكشف عن مدى تسلّطه و اطلاعه بالنسبة إلى العلوم المختلفة، و قلّ علم من العلوم لم يألّف فيه كتاباً، فانّه كتب كتباً
و رسائل و شروحاً في الفقه، و الأصول، و المنطق، و التفسير، و الحديث، و اصول الدين، و غيرها، فنحن نذكر ما عثرنا عليه في كتب التراجم:
1- اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء (عليهاالسلام): و لقد فرغ منه في سنة (1286) ه ق، و طبع بايران عام (1297) ه ق، و هو هذا الكتاب الذي بين يديك، كتاب فريد في نوعه يعرب عن سعة اطلاع المؤلّف باللغة العربية و الفنون الأدبية، و هو كتاب جامع لكثير من فضائلها (عليهاالسلام) معتمداً على المصادر الخاصة و العامة، و قد شرح الخطبة الشريفة شرحاً لُغويّاً، ثم أورد بعده بحثاً مفصلاً حول غصب فدك، و ردّ فيه شبه و شكوك المبطلين.
قال صاحب الذريعة: و صدّر الكتاب بشطر واف من مناقبها و فضائلها و أحوالها و ما يتعلّق بها من ذكر أدعيتها و أحرازها و عدد أولادها
[ الذريعة 18: 350.]
و قال هو (رحمه اللَّه) في مقدمة الكتاب: اعلم انّ هذه الخطبة الغرّاء، و الدرة البيضاء، خطبة في نهاية الفصاحة، و غاية البلاغة من حيث عذوبة ألفاظها الكافية، و مضامينها الشافية، و جزالة معانيها الوافية، مع ما عليها من البهاء و الجلالة، و الرواء و الديباجة، بحيث لو خوطب بها الجبال الشامخة لرأيتها خاشعة متصدعة، و إن لم تؤثّر في تلك القلوب القاسية التي كانت كالحجارة أو أشد قسوة، و هي كلام دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق....، و نسبتها إلى سائر الكلمات الفصيحة نسبة الكواكب المنيرة الفلكيّة إلى الحجارة المظلمة الأرضية، و عليها مسحة من نور النبوة، و عبقة من أرج الرسالة، و حقّ لها أن تكون بهذه المثابة فإنّ متاع البيت يشبه صاحبه، و الأثر يشبه مؤثّره، فإنّها صادرة من بضعة الرسول، سلالة النبوة، و عصارة الفتوّة، الصديقة الكبرى، و الإنسيّة الحوراء، مشكاة الضياء، اُمّ الأئمة النقباء النجباء، سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات اللَّه عليها.
2- تفسير القراچه داغي
[ الذريعة 4: 301.]
3- تفسير سورة (يس): قال صاحب الذريعة: رأيته ضمن مجموعة في مكتبة السيد عبد الحسين الحجة بكربلاء، ذكر في أوّله انّه كان مولعاً بعلم التفسير، و عزم على تصنيف كتاب في التفسير، فبدأ بتفسير سورة (يس) لأنّها كانت قلب القرآن، و جعله في جزء مستقل، و عزم على انّه إن سهّل اللَّه له تأليف التفسير أن يجعله من أجزائه
[ الذريعة 4: 344، أحسن الوديعة 2: 73.]
4- شرح صيغ العقود: فارسي مع بيان و تحقيق، فرغ منه في ثامن ذي القعدة 1288، و هو مطبوع متداول مع متنه الفارسي
[ الذريعة 13: 363، أحسن الوديعة 2: 73.]
5- الصراط المستقيم في شرح الأربعين حديثاً في فضائل أميرالمؤمنين، (عليه السلام) طبع عام (1300) و هو شرح فارسي
[ الذريعة 15: 36.]
6- رسالة في العروض و القافية، قال صاحب الذريعة: فارسية رأيتها في مكتبة الخوانساري
[ الذريعة 15: 259.]
7- الفتوحات الرضوية في الأحكام الفقهية الإستدلالية
[ الذريعة 16: 116.]
8- فضائل قم.
9- رسالة في فضل المساجد مطلقاً و خصوص مسجد استاد شاگرد في تبريز.
10- رسالة في الطينة و شرح أخبارها: قال صاحب الذريعة: أوّلها (الحمد اللَّه على آلائه و نواله، و الشكر على نعمه و إفضاله) رأيت نسخة كتابتها 2 شعبان 1287 في مجموعة و فيها تفسير سورة يس أيضاً
[ الذريعة 15: 197.]
11- التحفة المحمدية في علم العربية، تقرب من ثمانين ألف بيت
[ الذريعة 3: 467.]
12- حاشية على شرح اللمعة
[ أعيان الشيعة 10: 5، العلماء المعاصرين: 344.]
13- حاشية على القوانين
[ أعيان الشيعة 10: 5، العلماء المعاصرين: 344.]
14- حواشي على الرسائل للشيخ الأنصاري (رحمه اللَّه)
[ العلماء المعاصرين: 344، مفاخر آذربايجان 1: 175.]
15- حواشي على الرياض للسيد علي الطباطبائي
[ العلماء المعاصرين: 344، مفاخر آذربايجان 1: 175.]
16- حواشي على الفصول في علم الأصول
[ العلماء المعاصرين: 344، مفاخر آذربايجان 1: 175.]
17- رسالة في أسرار الحج
[ العلماء المعاصرين: 344، مفاخر آذربايجان 1: 175.]
18- رسالة في الأمر بين الأمرين
[ العلماء المعاصرين: 344، مفاخر آذربايجان 1: 175.]
19- رسالة في مناسك الحج
[ العلماء المعاصرين: 344، مفاخر آذربايجان 1: 175.]
20- الرسالة التمرينية في المنطق.
21- الأصول المهمة في أصول الدين.
22- زين المعابد
[ نقباء البشر 4: 1341.]
23- كتاب الأربعين المشتمل على المدائح و النصائح.
كان المؤلّف (رحمه اللَّه) متسلّطاً على اللغة العربية و الفنون الأدبية، و له قصيدة طويلة لطيفة حينما هاجر النجف الأشرف قاصداً الروضة الرضوية، ذُكرت في آخر كتاب اللمعة البيضاء، نوردها هنا تتميماً للفائدة، قال (رحمه اللَّه):
[
طَمَا الماءُ يَطمو: إرتفع و علا و ملأ النهر/ لسان العرب.
حذار طوفان البلا
و قال (رحمه اللَّه) أيضاً:
لقد قضى المؤلّف (رحمه اللَّه) عمره الشريف في نشر أحكام الدين، و ترويج المذهب الحق، فألّف و كتب و نشر و درّس كلّ ذلك لأجل إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام)، و نشر فضائلهم و مناقبهم، إلى أن أجاب داعي ربّه في يوم الجمعة ثاني ربيع الثاني سنة (1310 ه ق)
[ نقباء البشر 4: 1341 رقم 1870.] ، و لم أعثر في كتب التراجم على مدفنه، و الظاهر انّه دفن في آذربايجان لأنّه كان مقيماً فيها في آخر عمره، و اللَّه العالم.
إعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب الشريف على نسخة حجرية طبعت في تبريز بتصحيح المؤلّف (رحمه اللَّه) و كتابة محمد هاشم في عام (1298).
و حاولنا تخريج الأحاديث من مصادر الخاصة و العامة حسب الإمكان، و بذلنا الجهد في ضبط إعراب الخطبة الشريفة، و شرحنا بعض الكلمات المبهمة، و لا يفوتني في الختام أن أقدّم شكري الجزيل لسماحة العلامة المحقق الاُستاذ السيد محمد رضا الحسيني الجلالي حيث ساعدنا كثيراً في ضبط الكلمات المغلوطة أو غير المقروءة، فله سهم كبير و جهد مشكور في إنجاز هذا العمل، فتقبل اللَّه منّا و منه و وفقنا جميعاً لما يحب و يرضى.
و هذا الكتاب هو أول اصدار لدار فاطمة عليهاالسلام للتحقيق، فوفقهم الله و سددهم.
السيد هاشم الميلاني
1418 ه ق صفر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للَّه الذي أقام أعلام الهدى، و نصب رايات التقى، و لم يترك عباده هملاً و سدى، الذي فطرهم على معرفته، و ألهمهم بعبادته، و ندبهم الى طاعته، خلق الانسان علّمه البيان، و أودع فيه سرّ العلم و العرفان، و نور الحكمة و الايقان.
الفرد البديع، الملك المنيع، ذو العرش الرفيع، و الكرسيّ الوسيع، الذي خلق من كلّ شي ء زوجين اثنين، و أدرج سرّ الوحدانيّة في البين، فمشج بين هذين
[ المَشْجُ و المَشِجُ و المشَجُ و المشيج: كلّ لونين اختلطا....، و قيل: هو كلّ شيئين مختلطين/ لسان العرب.]]، و مزج الأمرين، و مرج البحرين مع برزخ بينهما لا يبغيان، يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان.
و الصلاة و السلام على مظهر الايمان، و سيد الانس و الجانّ، الذي نزل عليه الفرقان ليكون للعالمين نذيراً و داعياً الى اللَّه باذنه و سراجاً منيراً، فجعله مشكاة علمه، و زجاجة هدايته، و مصباح رحمته.
و هو أصل الاُصول، و قطب الأقطاب، و مبدأ النزول، و منتهى الأياب، اُسّ الوجود، و فصّ خاتم الموجود، ساحب أذيال الكرم و الجود، و صاحب لواء الحمد و المقام المحمود، ثم على آية قدرته، و باب علمه، و مفتاح حكمته، ام الكتاب، و باب الأبواب، و فصل الخطاب، و ميزان الحساب، تمام الفيض و الجود، وجهة العابد وجهة المعبود، و مفتاح الغيب و مصباح الشهود، على رغم العدوّ الكنود.
و على سائر خزنة الوحي و حفظته، و أمنة الذكر و تراجمته، و الأئمة الدعاة الى جنّته، و القادة الهداة الى رحمته، الأطياب الأنجاب الذين اليهم الاياب و عليهم الحساب، حبّهم الايمان، و معرفتهم الأمان، و موالاتهم الجنان، و معاداتهم النيران، من والاهم فقد والى اللَّه، و من عاداهم فقد عادى اللَّه، و من أحبّهم فقد أحبّ اللَّه، و من أبغضهم فقد أبغض اللَّه، صلى اللَّه عليهم ما دام الفلك الدوّار، و الليل و النهار، و الظلم و الأنوار.
و بعدُ: فيقول المحتاج الى لطف ربّه الباري، ابن احمد محمد عليّ الحافظ الأنصاري، اُوتي كتابه بيمناه، و جعل عقباه خيراً من اُولاه: انّ حضرة الجناب العالي الشأن، و النواب الوثيق الأركان، و الحصن المنيع البنيان، زينة الزمان و حلية الدوران، و فجر النور إذا استبان، باسط العدل و الاحسان، ماهد الأمن و الأمان، حامي حوزة الاسلام، و دافع معرّة الأيّام، ملجأ الأنام، و مرجع الخواص و العوام، ذو القوّة القاهرة، و الهيبة الباهرة، قوام الدولة العليّة العالية، و نظام الملّة البهيّة الباهية، كعبة الأماني و الآمال، كريم الأقوال و الأعمال و الأحوال، الفيض الجاري في عالم الطين، و سلالة طين السلاطين، و قد قلت فيه:
المؤيّد بالتأييدات الربانيّة، و المسدّد بالتسديدات السبحانيّة، الجناب الأعظم المعلّى، و النواب الأشرف الأعلى، مؤيّد الدولة و الملّة، أدام اللَّه تأييده و امداده، و أوصله بما أحبّه و أراده، و ختم له بالخير و السعادة، و أصلح معاشه و معاده، رحم اللَّه من قال آمين فانّ في ذلك صلاح الدنيا و الدين.
قد أمر داعيه بالاخلاص و الارادة أن يكتب شرحاً للخطبة الشريفة المنيفة، الصادرة من المصدر الأعلى تبارك و تعالى، أعني الدرّة البيضاء، و الانسيّة الحوراء، صلوات اللَّه و سلامه عليها و على أبيها و زوجها و بنيها، في مقام التظلّم
و الشكاية عن الخلفاء، و غصبهم لفدك و العوالي عنها بعد وفاة أبيها، شرحاً يوضّح مغلقاتها، و يكشف معضلاتها، مبيّناً لمبهماتها، مفصّلاً لمجملاتها، موضّحاً لبعض ما يحتاج الى الايضاح من ألفاظها، و مبيّناً لبعض ما يقتضيه الحال من باطنها و تأويلها، بياناً مشتملاً على نوع من التحقيق، و شرحاً على طور التعمّق و التدقيق بقدر ما يقتضيه المقام و الحال، و يساعد عليه المجال.
و انّي و إن لم أكن من فرسان هذا الميدان و أهل هذا الشأن، لتراكم أمواج الفتن و الحدثان، حتى كنت مدّة مديدة من الزمان نسج عليّ عناكب
[ عناكب: جمع العنكبوت/ لسان العرب.] النسيان، و لم يكن لي وجدان من جهة اختلال حال الزمان و الاخوان، الّا أنّ توجّهه العالي رفع الموانع و الأستار، و دفع عنّي واردات الهموم و الأكدار.
فقمت على ساق الامتثال مع ما عليّ من دواعي الأشغال و الاشتغال، فأتيت على سبيل العجالة بما تيسّر لي من تلك المقالة مع قلّة البضاعة في هذه الحالة، و كثرة الاضاعة، و قلت: أيّها العزيز مسّنا و أهلنا الضرّ، و جئنا ببضاعة مزجاة، فألحظها بعين الرضا، و تلقّها بيد القبول و الارتضاء، فانّ الهدايا على قدر مُهديها، و أسأل اللَّه أن يعصمنا من الزلل و الخطل
[ الخَطَل: خفة و سرعة، خَطِلَ خَطَلاً فهو خَطِلٌ و أَخْطَلٌ. و الخاطل: الأحمق العَجِل/ لسان العرب.] في القول و العمل.
أقول و باللَّه التوفيق و هو الهادي الى سواء الطريق:
اعلم انّ هذه الخطبة الغرّآء، و الدرّة البيضاء، خطبة في نهاية الفصاحة و غاية البلاغة، من حيث عذوبة ألفاظها الكافية، و غرابة مضامينها الشافية، و جزالة معانيها الوافية مع ما عليها من البهاء و الجلالة، و الرواء و الديباجة، بحيث لو خوطب بها الجبال الشامخة لرأيتها خاشعة متصدّعة، و إن لم تؤثّر في تلك القلوب القاسية التي كانت كالحجارة أو أشدّ قسوة.
و هي كلام دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق، و هي موضع المثل: (في
شجرة نار، و استمجد المَرْخ و العَفار
[ المَرْخُ: شجر كثير الوَرْي سريعه، و في المثل: في كلّ شجرٍ نار و استمجد المرخ و العفار، أي دهنا بكثرة دلك. و استمجد: استفضل/ لسان العرب.])، و نسبتها الى سائر الكلمات الفصيحة نسبة الكواكب المنيرة الفلكيّة الى الحجارة المظلمة الأرضيّة، و عليها مسحة من نور النبوة، و عبقة من أرج الرسالة.
و حقٌّ لها أن تكون بهذه المثابة، فانّ متاع البيت يشبه صاحبه، و الأثر يشابه مؤثّره، فانّها صادرة من بضعة الرسول...، سلالة النبوّة، و عصارة الفتوّة، الصدّيقة الكبرى، و الانسيّة الحوراء، مشكاة الضياء، اُم الأئمة النقباء النجباء، سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات اللَّه عليها.
و لابد أوّلاً من الاشارة الى بعض فضائلها، و التنبيه على نبذة يسيرة من مآثرها، حتى يتبيّن لأرباب البصر و البصيرة انّ تلك الخطبة الشريفة من عين صافية غير كدرة، لا يشوبها شبهة عيب، و لا يعتريها و صمة ريب، هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب.
فنقول: لا يخفى انّ مصدر هذه الخطبة الغرّاء هي سيدة النساء، بضعة خير الأنبياء، و زوجة خاتم الأولياء، و مشكاة أنوار أئمة الهدى، البتول العذراء فاطمة الزهراء، و امّها هي خديجة الكبرى التي هي أشرف أزواج النبي و أفضلها، و فضائلها مشهورة بين أهل الأرض و السماء.
و كفى في فضلها انّها سيّدة النساء، كما ورد في الأخبار الكثيرة التي تأتي اليها الاشارة انّ أربعة من النساء سيدة النساء، إحداهنّ خديجة و هي في مرتبة مريم و آسية، و زاد على كونها سيدة النساء كونها امّ سيدة النساء في الدنيا و الاخرة و الاولى.
و يدلّ على جلالة شأنها عند اللَّه تعالى ما روي عن الصادق (عليه السّلام) انّ