فضائل الإمام علی (ع)

نسخه متنی -صفحه : 134/ 92
نمايش فراداده

قصة عاصم بن زياد

روى سبط ابن الجوزي عن الأحنف بن قيس، أنه قال: جاء الربيع بن زياد الحارثي إلى علي عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، إعدلي على أخي عاصم بن زياد، فقال: ما باله؟فقال: لبس العباءة و تنسك و هجر أهله.

فقال عليه السلام: علي به. فجاء و قد ائتزر بعباءة و ارتدى باخرى أشعث أغبر. فقال له: و يحك يا عاصم! أما استحييت من أهلك، أما رحمت ولدك، ألم تسمع إلى قوله تعالى: و يحل لهم الطيبات

___________________________________

الأعراف، 157. أترى الله أباحها لك و لأمثالك و هو يكره أن تنال منها، أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه و آله: 'إن لنفسك عليك حقا؟!' الحديث.

فقال عاصم: فما بالك يا أمير المؤمنين، في خشونة ملبسك، و جشوبة مطعمك، و إنما تزينت بزيك، فقال عليه السلام: 'و يحك، إن الله فرض على أئمة الحق أن يتصفوا بأوصاف رعيتهم، أو بأفقر رعيتهم، لئلا يزدرى

___________________________________

أي يحقر و يعاب. الفقير بفقره، و ليحمد الله الغني على غناه'.

___________________________________

تذكرة الخواص، ص 106.

و روى ابن أبي الحديد في شرحه هذه القصة هكذا: إعلم أن الذي رويته عن الشيوخ، و رأيته بخط عبد الله بن أحمد بن الخشاب، أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه، فكانت تنتقض عليه في كل عام، فأتاه علي عليه السلام عائدا، فقال: 'كيف تجدك أبا عبد الرحمن؟'. قال: أجدني ـ يا أمير المؤمنين ـ لو كان لا يذهب ما بي إلا بذهاب بصري لتمنيت ذهابه. قال: 'و ما قيمة بصرك عندك؟'. قال: لو كانت لي الدنيا لفديته بها. قال: 'لا جرم: ليعطينك الله على قدر ذلك، إن الله تعالى يعطي على قدر الألم و المصيبة، و عنده تضعيف كثير'. قال الربيع: يا أمير المؤمنين، ألا أشكو إليك عاصم بن زياد أخي؟قال: 'ماله؟'. قال: لبس العباء

___________________________________

العباء: الكساء من الصوف، و هو لباس خشن. و ترك الملأ

___________________________________

الملاء بالضم: الثوب اللين الرقيق. و غم أهله و حزن ولده.

فقال علي عليه السلام: 'ادعوا لي عاصما' فلما أتاه عبس في وجهه عليه السلام و قال: 'و يحك ـ يا عاصم ـ أترى الله أباح لك اللذات و هو يكره ما أخذت منها؟! لأنت أهون على الله من ذلك، أو ما سمعته يقول: مرج البحرين يلتقيان، ثم يقول: يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان،

___________________________________

الرحمن، 19. و قال: و من كل تأكلون لحما طريا و تستخرجون حلية تلبسونها،

___________________________________

الرحمن، 22. أما و الله إن ابتذال نعم الله بالفعال، أحب إليه من ابتذالها بالمقال؟و قد سمعتم الله يقول: و أما بنعمة ربك فحدث،

___________________________________

الضحى، 11. و قوله: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق.

___________________________________

الاعراف، 32. إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين، فقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم

___________________________________

البقرة، 172. و قال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات و اعملوا صالحا.

___________________________________

المؤمنون، 51. و قال رسول الله صلى الله عليه و آله لبعض نسائه: مالي أراك شعثاء

___________________________________

قوله: 'شعثاء' التي اغبر رأسها و تلبد شعرها و انتشر لقلة تعهده بالدهن. مرها

___________________________________

المرهاء: التي لا تكتحل. سلتاء؟

___________________________________

السلتاء: التي لا تختضب.؟!'.

قال عاصم: فلم اقتصرت ـ يا أمير المؤمنين ـ على لبس الخشن و أكل الجشب؟

قال: 'إن الله تعالى افترض على أئمة العدل أن يقدروا لأنفسهم بالقوام، كيلا يتبيغ بالفقير فقره'.

___________________________________

قوله: 'يتبيع بالفقير فقره' أي يهيج به الألم فيهلكه. فما قام علي عليه السلام حتى نزع عاصم العباء و لبس ملاءة.

___________________________________

شرح ابن أبي الحديد، ج 11، ص 35ـ 36.

عصمته و طهارته