3890- الإمامة والسياسة- في ذكر اختلاف أصحاب الإمام عليه السلام في استمرار القتال في صفّين-: ثمّ قام الحصين بن المنذر، وكان أحدث القوم سنّاً، فقال:
أيّها الناس! إنّما بُني هذا الدين على التسليم؛ فلا تدفعوه بالقياس، ولا تهدموه بالشبهة، وإنّا واللَّه لو أنّا لا نقبل من الاُمور إلّا ما نعرف لأصبح الحقّ في الدنيا قليلاً، ولو تُركنا وما نهوى لأصبح الباطل في أيدينا كثيراً، وإنّ لنا راعياً قد حمدنا وِرده وصدره، وهو المأمون على ما قال وفعل، فإن قال: لا، قلنا: لا، وإن قال: نعم، قلنا: نعم.
___________________________________ الإمامة والسياسة: 140:1، الأخبار الطوال: 189 وفيه من 'إنّ لنا...'؛ وقعة صفّين: 485 كلاهما نحوه وفيهما 'الحضين' بدل 'الحصين'.
3891- الصواعق المحرقة: قال معاوية لخالد بن معمّر: لِمَ أحببت عليّاً علينا؟ قال: على ثلاث خصال: على حلمه إذا غضب، وعلى صدقه إذا قال، وعلى عدله إذا حكم.
___________________________________ الصواعق المحرقة: 132، الفصول المهمّة: 127؛ الأمالي للطوسي: 1229:594، تنبيه الخواطر: 75:2، كشف الغمّة: 36:2 وفي الثلاثة الأخيرة 'ولي' بدل 'حكم'.
3892- العقد الفريد عن أبي سهل التميمي: حجّ معاوية فسأل عن امرأة من بني
كنانة كانت تنزل بالحَجُون
___________________________________ جبل بأعلى مكّة عنده مدافن أهلها "معجم البلدان: 225:2".
قالت: أمّا إذ أبيت؛ فإنّي أحببتُ عليّاً على عدله في الرعيّة، وقَسْمه بالسويّة، وأبغضتك على قتالك مَن هو أولى منك بالأمر، وطِلبتك ما ليس لك بحقّ، وواليتُ عليّاً على ما عقد له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من الولاء، وحبّه المساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفكك الدماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى....
قال لها: يا هذه! هل رأيتِ عليّاً؟
قالت: إي واللَّه.
قال: فكيف رأيتِه؟
قالت: رأيته واللَّه لم يفتنه المُلك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك.
قال: فهل سمعت كلامه؟
قالت: نعم واللَّه، فكان يجلو القلب من العمى، كما يجلو الزيت صدأ الطست.
قال: صدقت، فهل لك من حاجة؟
قالت: أوَتفعل إذا سألتك؟
قال: نعم.
قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها.
قال: تصنعين بها ماذا؟
قالت: أغذوا بألبانها الصغار، وأستحيي بها الكبار، وأكتسب بها المكارم، وأصلح بها بين العشائر.
قال: فإن أعطيتك ذلك، فهل أحلّ عندك محلّ عليّ بن أبي طالب؟
قالت: ماء ولا كصَدّاء، ومرعى ولا كالسعدان، وفتى ولا كَمالكٍ،
___________________________________ صَدّاء: رَكِيَّة لم يكن عندهم ماء أعذب من مائها. والسَّعدان: أخثر العشب لبناً، وهو من أنجع المراعي في المال. ومالك هو ابن نويرة "مجمع الأمثال: 3842:267:3 و ص 265 و ج 2762:450:2" وهذه أمثال ثلاثة تضرب للشي ء يفضل على أشباهه.
فأنشأ معاوية يقول:
إذا لم أعُدْ بالحلم منّي عليكمُ++
فمن ذا الذي بعدي يؤمّل للحِلمِ
خذيها هنيئاً واذكري فعل ماجدٍ++
جزاكِ على حرب العداوة بالسِّلمِ
ثمّ قال: أما واللَّه لو كان عليّ حيّاً ما أعطاك منها شيئاً. قالت: لا واللَّه، ولا وَبْرة واحدة من مال المسلمين.
___________________________________ العقد الفريد: 342:1، بلاغات النساء: 105 عن أبي إسحاق المقدمي نحوه.
3893- فضائل الصحابة عن منذر عن الربيع بن خثيم-
___________________________________ في المصدر 'خيثم' والصحيح ما أثبتناه.
فقال-: ما رأيتُ أحداً |من|
___________________________________ ما بين المعقوفين إضافة يقتضيها السياق.
___________________________________ البقرة: 269.
___________________________________ فضائل الصحابة لابن حنبل: 973:575:2.
3894- الإمام الصادق عليه السلام: لمّا صرع زيد بن صوحان رحمة اللَّه عليه يوم الجمل، جاء أميرالمؤمنين عليه السلام حتى جلس عند رأسه فقال: رحمك اللَّه يا زيد، قد كنت خفيف المؤونة عظيم المعونة.
قال: فرفع زيد رأسه إليه وقال: وأنت فجزاك اللَّه خيراً يا أميرالمؤمنين، فوَاللَّه ما علمتك إلّا باللَّه عليماً، وفي اُمّ الكتاب عليّاً حكيماً، وأنّ اللَّه في صدرك لعظيم.
واللَّه ما قاتلت معك على جهالة، ولكنّي سمعت اُمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله تقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله' فكرهت واللَّه أن أخذلك فيخذلني اللَّه.
___________________________________ رجال الكشّي: 119:284:1، الاختصاص: 79 كلاهما عن عبداللَّه بن سنان.
3895- بلاغات النساء عن محمّد بن عبيد اللَّه: استأذنتْ سَودة بنت عمارة بن
الأسك الهمدانيّة على معاوية بن أبي سفيان فأذِن لها، فلمّا دخلت عليه قال: هِيه يا بنت الأسك! ألست القائلة يوم صفّين:
شمّر كفعل أبيك يابن عمارةٍ++
يوم الطعان وملتقى الأقرانِ
وانصر عليّاً والحسين ورهطهُ++
واقصد لهند وابنها بهوانِ
إنّ الإمام أخو النبيّ محمّدٍ++
علم الهدى ومنارة الإيمانِ
فقِهِ الحتوفَ وَسِر أمام لوائهِ++
قدماً بأبيض صارم وسنانِ
قالت: إي واللَّه، ما مثلي مَن رغب عن الحقّ أو اعتذر بالكذب.
قال لها: فما حملك على ذلك؟ قالت: حبّ عليّ عليه السلام واتّباع الحقّ.
قال: فوَاللَّه ما أرى عليك من أثر عليّ شيئاً. قالت: أنشدك اللَّه يا أميرالمؤمنين وإعادة ما مضى وتذكار ما قد نُسي!
قال: هيهات ما مثل مقام أخيك يُنسى، وما لقيت من أحد ما لقيت من قومك وأخيك قالت: صدق فوك، لم يكن أخي ذميم المقام، ولا خفيّ المكان، كان واللَّه كقول الخنساء:
وإنّ صخراً لتأتمّ الهداة بهِ++
كأنّه علَمٌ في رأسه نارُ
قال: صدقت، لقد كان كذلك، فقالت: مات الرأس وبتر الذنب، وباللَّه أسأل أميرالمؤمنين إعفائي ممّا استعفيتُ منه. قال: قد فعلت، فما حاجتك؟
قالت: إنّك أصبحت للناس سيّداً، ولأمرهم متقلّداً، واللَّه سائلك من أمرنا وما افترض عليك من حقّنا، ولا يزال يقدم علينا من ينوء بعزّك، ويبطش بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل، ويدوسنا دوس البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسلبنا الجليلة، هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك، فقتل رجالي، وأخذ مالي، يقول
لي: فُوهي بما استعصم اللَّه منه والجأ إليه فيه، ولولا الطاعة لكان فينا عزّ ومنعة، فإمّا عزلته عنّا فشكرناك، وإمّا لا فعرّفناك.
فقال معاوية: أتهدّديني بقومك؟! لقد هممت أن أحملك على قَتَب
___________________________________ القَتَب: رَحل صغير على قَدر السنام "الصحاح: 198:1".
صلّى الإله على جسم تضمّنهُ++
قبرٌ فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحقَّ لا يبغي به بدلاً++
فصار بالحقّ والإيمان مقرونا
قال لها: ومَن ذلك؟
قالت: عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
قال: وما صنع بكِ حتى صار عندك كذلك؟
قالت: قدمت عليه في رجل ولّاه صدقتنا قدم علينا من قبله، فكان بيني وبينه ما بين الغثّ والسمين، فأتيت عليّاً عليه السلام لأشكو إليه ما صنع فوجدته قائماً يصلّي، فلمّا نظر إليّ انفتل من صلاته، ثمّ قال لي برأفة وتعطّف: ألكِ حاجة؟ فأخبرته الخبر، فبكى، ثمّ قال: اللهمّ إنّك أنت الشاهد عليَّ وعليهم، إنّي لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقّك، ثمّ أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجواب فكتب فيها: بسم اللَّه الرحمن الرحيم قد جاءتكم بيّنة من ربّكم، فأوفوا الكيل والميزان بالقسط،
___________________________________ مضمون الآية 85 من سورة الأعراف.
___________________________________ الشعراء: 183.
___________________________________ هود: 86.
بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك مَن يقبضه منك، والسلام.
فأخذته منه، واللَّه ما ختمه بطين ولا خزمه بخزام، فقرأته، فقال لها معاوية: لقد لمّظَكم
___________________________________ التَّلَمُّظ: التذوّق، ولَمَظَ الماءَ: ذاقَه بطرف لسانه، ولمَّظ فلاناً لُماظَةً: أي شيئاً يتلمّظه "لسان العرب: 461:7 و462".
ثمّ قال: اكتبوا لها بردّ مالها والعدل عليها. قالت: إليّ خاصّ أم لقومي عامّ؟ قال: ما أنتِ وقومكِ؟
قالت: هي واللَّه إذن الفحشاء واللؤم، إن لم يكن عدلاً شاملاً وإلّا فأنا كسائر قومي. قال: اكتبوا لها ولقومها.
___________________________________ بلاغات النساء: 47، العقد الفريد: 335:1، الفتوح: 59:3 وراجع الفصول المهمّة: 127 وتاريخ دمشق: 587:42.
3896- تاريخ اليعقوبي- في ذكر بيعة الناس لأمير المؤمنين عليه السلام-:... وقام صعصعة بن صوحان فقال: واللَّه يا أميرالمؤمنين، لقد زيّنتَ الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، ولَهي إليك أحوج منك إليها.
___________________________________ تاريخ اليعقوبي: 179:2.
3897- المناقب للكوفي عن عبدالملك بن عمير: سئل صعصعة بن صوحان: كيف كان عليّ؟ قال: لم يقل مستزيداً له فواتَه ولا مستقصراً،
___________________________________ كذا في المصدر.
والسلم، والعلم، والقرابة القريبة، والهجرة القديمة، والبلاء العظيم في الإسلام.
___________________________________ المناقب للكوفي: 550:67:2.
3898- شرح نهج البلاغة: قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان |عليّ عليه السلام| فينا كأحدنا؛ لين جانب، وشدّة تواضع، وسهولة قياد، وكنّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسيّاف الواقف على رأسه.
___________________________________ شرح نهج البلاغة: 25:1؛ بحارالأنوار: 147:41.
3899- تذكرة الخواصّ عن عمرو بن يحيى عن صعصعة بن صوحان: أنّه مرّ على المغيرة بن شعبة فقال له: من أين أقبلت؟ فقال: من عند الوليّ التقيّ الجواد الحييّ
___________________________________ في المصدر: 'الحي' وهو تصحيف.
___________________________________ الزَّنْد: العود الأعلى الذي يقتدح به النار. وإنّه لواري الزَّند ووريّه: يكون ذلك في الكرم وغيره من الخصال المحمودة "لسان العرب: 195:3".
___________________________________ الضئضئ: هو الأصل والمعدن "لسان العرب: 110:1".
___________________________________ الإقعاد: قلّة الآباء والأجداد؛ وهو مذموم "لسان العرب: 362:3".
___________________________________ الرايث: من الرَّيث؛ الإبطاء. ورجلٌ مَذِق: مَلُول "لسان العرب: 157:2 و ج 340:10".
___________________________________ تذكرة الخواصّ: 118.
3900- الاختصاص عن مسمع بن عبداللَّه البصري عن رجل: لمّا بعث عليّ بن
أبي طالب صلوات اللَّه عليه صعصعة بن صوحان إلى الخوارج قالوا له: أرأيت لو كان عليّ معنا في موضعنا أتكون معه؟ قال: نعم، قالوا: فأنت إذاً مقلّد عليّاً دينَك، ارجع فلا ديَن لك!
فقال لهم صعصعة: ويلكم! ألا اُقلّد من قلّد اللَّه فأحسن التقليد، فاضطلع بأمر اللَّه صدّيقاً لم يزل؟ أوَلم يكن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذا اشتدّت الحرب قدّمه في لهواتها فيطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بحدِّه، مكدوداً في ذات اللَّه....
فأنّى تصرفون؟ وأين تذهبون؟ وإلى من ترغبون؟ وعمّن تصدفون؟ عن القمر الباهر، والسراج الزاهر، وصراط اللَّه المستقيم، وحسان الأعدِّ المقيم.
___________________________________ في بعض النسخ: 'وسبيل اللَّه المقيم'.
قاتلكم اللَّه، أنّى تؤفكون؟ أفي الصدّيق الأكبر والغرض الأقصى ترمون، طاشت عقولكم، وغارت حلومكم، وشاهت وجوهكم، لقد علوتم القلّة من الجبل، وباعدتم العلّة
___________________________________ من العَلّ: الشربة الثانية "لسان العرب: 467:11".
___________________________________ الاختصاص: 121، بحارالأنوار: 624:402:33.
راجع: القسم الثامن/بعد الاستشهاد/في رثاء الإمام.
3901- مروج الذهب: دخل ضرار بن ضمرة؛ وكان من خواصّ عليّ على
معاوية وافداً، فقال له: صف لي عليّاً. قال: اعفني يا أميرالمؤمنين. قال معاوية: لابدّ من ذلك. فقال: أمّا إذا كان لابدّ من ذلك فإنّه كان واللَّه بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يعجبه من الطعام ما خشن، ومن اللباس ما قصر.
وكان واللَّه يجيبنا إذا دعوناه، ويعطينا إذا سألناه، وكنّا واللَّه- على تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلّمه هيبة له، ولا نبتدئه لعظمه في نفوسنا، يبسم عن ثغر كاللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين، ويرحم المساكين، ويطعم في المسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة، يكسو العريان، وينصر اللهفان، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته.
وكأنّي به وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو في محرابه قابض على لحيته، يتململ تململ السَّلِيم،
___________________________________ السَّلِيم: اللديغ. يقال: سَلَمَتْهُ الحيّة؛ أي لدَغَتْه "لسان العرب: 292:12".
فقال له معاوية: زدني شيئاً من كلامه، فقال ضرار: كان يقول: أعجب ما في الإنسان قلبه... فقال له معاوية: زدني كلّما وعيته من كلامه، قال: هيهات أن آتي على جميع ما سمعته منه.
___________________________________ مروج الذهب: 433:2، الاستيعاب: 1875:209:3 عن رجل من همدان، حلية الأولياء: 84:1، تذكرة الخواصّ: 118، تاريخ دمشق: 401:24 والثلاثة الأخيرة عن أبي صالح و ص 402 عن محمّد بن غسّان، مقتل أميرالمؤمنين: 93:100 عن أبي عمرو الأسدي وفيه 'عن رجل من كنانة' بدل 'ضرار بن ضمرة'؛ خصائص الأئمّة عليهم السلام: 70 كلّها نحوه وراجع نهج البلاغة: الحكمة 77 والمناقب لابن شهر آشوب: 103:2.
راجع: القسم العاشر/الخصائصه العمليّة/قصص من عبادته.