إمام علی (ع) سیرة و تاریخ

عبدالزهرا عثمان محمود

نسخه متنی -صفحه : 23/ 2
نمايش فراداده

الامام علي سيرة و تاريخ

مقدمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين.. وصلى الله على سيدنا محمَّد وآله الهداة الميامين الطاهرين..

وبعد:

إن دراسة سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام تعدّ إحدى الركائز الأساسية في البناء العقائدي والفكري والسلوكي لديننا القويم، ذلك لأنهم عدل القرآن الكريم والامتداد الرسالي لمنهج النبوة، والحارس الأمين للقيم والمفاهيم الإسلامية في وجه التشويه والتحريف والضلال.

إنها سيرة معصومة تكشف عن سلوك القدوة الحسنة بكل تجلياتها، وتربط المرء بالمفاهيم الإسلامية في أصالتها، وتفتح له آفاقاً جديدة في مجالات العلم والعمل والفكر والتربية والسلوك.

ومن هنا فإن الكتابة عنها لا تنتهي، مهما تعددت الدراسات وتنوعت أساليبها، ذلك مما يجده الباحثون من حالة التواصل مع دلالاتها التي تتسع بسعة الحياة وتستغرق كل مفرداتها، وتسير بها باتجاه حركة التكامل المطلوب على صعيد الفرد والاُمّة.

وعلى هذه الصفحات نسير في رحلة جميلة مع سيرة وصي النبي وابن عمه وباب مدينة علمه، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، منذ مولده الشريف في الكعبة المعظمة، حتى لقي الله مخضباً بدمه في محراب العبادة بمسجد الكوفة، شهيداً وشاهداً على الاُمّة بعد سنواتٍ من المحنة والجهاد.

إن سيرته عليه السلام صفحة خالدة من صفحات المجد والسمو، نقرأ فيها عالم المثل العادلة ومبادئ العظمة والاستقامة والخصائص الفريدة، نقرأ سيرة رجل عاش لله، وليس فيه شيء لغيره، يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه، ويحب فيه، ويبغض فيه،

أعظم الناس جهاداً في سبيله وأكثرهم معرفة بشريعته وعملاً باحكامها وإحياءً لمعالمها.. فجاءت سيرته تجسيداً لرسالة الإسلام، بل كانت إسلاماً يتحرك على الأرض.. انه الكتاب الناطق والسنة الحية.

لقد كان علي عليه السلام قمةً في كلّ شيء، ينحدر عنه السيل، ولا يرقى إليه الطير، استغنى عن الكل، واحتاج الكل إليه، لكنه عاش في مجتمعٍ عزّ وجود من يفهمه فيه، فكان يقودهم إلى مبادئ الحق ومعارج الكمال، وكانوا يريدونه لدنياهم وشهواتهم ولذاتهم، قال عليه السلام: ''''ليس أمري وأمركم واحداً، انني اُريدكم لله، وتريدونني لأنفسكم'''' وكان يتفجّر علماً لم يجد له حملة، قال عليه السلام: ''''إن ها هنا لعلماً جماً لو أصبت له حملة''''.

ورغم هذا وذاك، فقد أضحى عليٌ عليه السلام مناراً أبدياً وراية خالدة ترفعها البشرية على اختلاف ألوانها وأديانها، لأنه إمام الإنسانية الذي يقول: ''''الناس صنفان: أخ لك في الدين، ونظير لك في الخلق''''.

إن مسؤولية الانتماء إلى علي عليه السلام تدعونا إلى الاجتهاد في طاعة الله والتواصل على خط العفة والورع والسداد، والاقتداء ببعض جوانب سيرته، ذلك لأن تجسيد شخصيته الموسوعية الهائلة بكل أبعادها أمرٌ دونه خرط القتاد، فهو القائل عليه السلام: ''''ألا وان لكل مأموم إماماً، يقتدي به، ويستضيء بنور علمه، ألا وان امامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طُعمه بقرصيه، ألا وأنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد''''.

ومن هنا فإن اصدارنا هذا تكفل بتغطية بعض مفردات تلك السيرة العطرة، باسلوب واضح يتبع المنهج العلمي الدقيق، موثقاً بالمصادر المعتبرة.

ندعو من الله العزيز أن ينفع به الأخوة المؤمنين، وهو تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

مركز الرسالة

المقدمة

إنه قد لا يخفى على قارئ ما يعانيه كاتب وهو يحاول الاقتراب من مقامٍ عليٍّ، كَمَقام عليّ.. ذلك المقام الذي طالما أدهش العقول، وأذهل البصائر، وحيّر الألباب.. فليس لأحد بعد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من مقام يشبه مقام رجل اقترنت حياته كلها بحياة ذلك النبي العظيم، منذ ولادته وعلى امتداد أيام نشأته، ومنذ فجر الإسلام ومبعث النبي وعلى امتداد ايام دعوته وفصول جهاده وحتى لحظاته الأخيرة بل حتى توديع جثمانه الطاهر، بل بعد ذلك إلى يوم الدين إذ به قد امتد نسل النبي من ابنته الوحيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، بل حتى في يوم الدين وبعده في مقام الخلود تقترن الشخصيتان في أعظم مقام عند الله تعالى، فلواء الحمد لخاتم النبيين محمد، وحامله علي، وحوض الكوثر تحفة الله لنبيه محمد، والساقي عليه عليّ، والمقام المحمود في الجنان لسيد الخلق محمد، وصاحبه فيه عليّ.. فمهما أفاض القلم بالمداد، ومهما أبدع الكاتب وأجاد، فإن الذي بينه وبين حقيقة مقام علي مسافات شاسعة ودنيا واسعة.. ويبقى جهد المقل في صفحات معدودات أن يستعيد العناوين الرئيسية التي تستوعبها الكتابات التقليدية عن رجل له هذا المقام الكبير.

وغاية هذا الكتاب هي الوقوف عند مثل هذه العناوين، إسهاماً في تأكيد الحق العلوي الذي لا يحجب اشراقه كل ما وضعه جبابرة التاريخ من حُجب، ولا يعلو عليه كل ما راكموه من باطل...

تناولنا ذلك معتمدين التركيز والاختصار، مع التوثيق المناسب.

وقد جاء هذا الكتاب في ثلاثة أبواب:

تناول الباب الأول: حياة علي عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فصلين

الفصل الأول: علي عليه السلام مع الرسول قبل البعثة.

الفصل الثاني علي عليه السلام مع الرسول بعد البعثة والذي يقسم إلى مبحثين:

المبحث الأول: في مكة.

المبحث الثاني: في المدينة.

وتناول الباب الثاني: علي عليه السلام قبل تولي الخلافة، على النحو الاتي:

مدخل في خصائصه والادلة على امامته.

الفصل الأول: قصة السقيفة.

الفصل الثاني: مع أبي بكر وعمر وعثمان.

والباب الثالث: خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وهو في فصلين:

الأول: تولي الخلافة وسياسته عليه السلام في الإصلاح

الثاني: علي عليه السلام في العراق.

راجين أن نكون قد وفينا بهذا الجهد المتواضع بعض الحق الذي في أعناقنا لهذا الامام الكبير، آملين الفوز بشفاعته.. والله من وراء القصد.

عليّ مع رسول الله

علي مع رسول الله قبل البعثة

وهو فصل تمهيدي نتناول فيه شخصية أمير المؤمنين عليه السلام من حيث نسبه وصفته وأسمائه وألقابه ومولده ونشأته في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

نسبه

هو سيِّد العرب، يعسوب المؤمنين، مولى الموحّدين، أسد الله الغالب عليُّ بن أبي طالب بن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان

[ أسد الغابة، ابن الأثير 4: 100، البداية والنهاية، ابن كثير 7: 223.]

القرشي، الهاشمي، المكِّي، المدني.

قيل: ''''هو أول هاشمي ولد من أبوين قرشيين هاشميين''''

[ أسد الغابة 4: 100، إعلام الورى، الطبرسي 1: 306، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ط1: 1417هـ، الإرشاد، الشيخ المفيد 1: 6، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم.] وفي عبارة الكليني: ''''وهو أول هاشمي ولده هاشم مرَّتين''''

[ الكافي، الكليني 1: 452 باب: مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه.]

ولا يصحُّ ذلك، لأنَّ اُمَّه ولدت قبله طالباً وعقيلاً وجعفراً من أبوين هاشميين!!

والصحيح أن يقال: ''''وأمُّه أول هاشمية ولدت هاشمياً''''

[ البداية والنهاية 7: 223.]

وهو والد ابنين هاشميين، لأبوين وجدَّين كلِّهم من بني هاشم.

كنيته: أبو الحسن

ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخوه، آخاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّتين؛ فإنَّ رسول الله آخى بين المهاجرين، ثُم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، وقال لعليٍّ في كلِّ واحدة منها: ''''أنت أخي في الدنيا والآخرة''''

[ أسد الغابة 4: 91، تهذيب الكمال في أسماء الرجال 13: 103.]

وهو وزير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيُّه وخليفته في أُمَّته، وجامع فضائله وشمائله، ووارث علمه وحكمه، وختنه على ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام.

وأول خليفة من بني هاشم، هاجر الهجرتين، ماشياً حافياً، وشهد بدراً وأُحداً والخندق وبيعة الرضوان والمشاهد كلَّها، الا معركة تبوك، فقد خلَّفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة، كان ذلك أحد مواضع قوله له: ''''أنت منِّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي''''

[ مسند أحمد بن حنبل 5: 64.] وأبلى في جميع المعارك بلاءً عظيماً، وكان اللواء في أكثر المواضع بيده.

جدّه وأبوه

جدّه عبدالمطَّلب، الملقَّب بشيبة الحمد؛ لشيبة كانت في رأسه

[ تذكرة الخواص: 14.]، وقيل: ''''اسمه شيبة''''

[ البداية والنهاية 7: 223.]، وكنيته: أبو البطحاء، لأنَّهم استسقوا به سقياً فكنَّوه

به

[ انظر تفاصيل ذكره في تذكرة الخواص: 14.]. وقد بلغ من الشرف في قومه ما لم يبلغه أحد من قبل.

وكان عبدالمطَّلب جدُّ رسول الله يكفله، وعبدالمطَّلب يومئذٍ سيِّد قريش غير مدافَع، قد أعطاه الله من الشرف ما لم يعطِ أحداً، وسقاه زمزم وذا الهُدُم، وحكَّمته قريش في أموالها، وأطعم في الُمحل حتى أطعم الطير والوحوش في الجبال.

قال أبو طالب:

ونُطعمُ حتى تأكُلَ الطيرُ فضلَنا

إذا جَعَلَتْ أيدي المُفيضينَ تَرْعَدُ

وكان على ملَّة إبراهيم الخليل؛ فرفض عبادة الأصنام ووحَّد الله عزَّوجلَّ، وسنَّ سنناً نزل القرآن بأكثرها، وجاءت السُنَّة من رسول الله بها وهي: الوفاء بالنذور، ومائة من الإبل في الديّة، والا تنكح ذات محرم، ولاتؤتى البيوت من ظهورها، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموؤدة، والمباهلة، وتحريم الخمر، وتحريم الزنا، والحدُّ عليه، والقرعة، والا يطوف أحدٌ بالبيت عرياناً، وإضافة الضيف، والا ينفقوا إذا حجَّوا الا من طيِّب أموالهم، وتعظيم الأشهر الحُرم، ونفي ذوات الرايات

[ تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب 2: 10ـ 11 دار صادر.]

هكذا كان مجاهراً بدينه، داعياً إلى الخلق الكريم والمبادئ السامية التي جاءت بها الاديان، وكان له في هذه الخصال دور لا يشاركه فيه أحد، حتى أنَّ قريشاً كانت تسميه إبراهيم الثاني.

وكان يفرش له بفناء الكعبة والناس من حوله يهابونه، فلا يقرب فراشه أحد، الا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان يتخطَّى رقاب عمومته، ويجلس على فراش جدِّه، ولما حاولوا منعه قال لهم: دعوا ابني، إنَّ لابني هذا شأناً..

وتوفِّي عبدالمطَّلب ولرسول الله ثماني سنين، وكانت قد أتت على عبدالمطَّلب مائة وعشرون سنة، وقيل: مائة وأربعون سنة

[ انظر تاريخ اليعقوبي 2: 13.]

وعن أمِّ أيمن قالت: أنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي تحت سريره وهو يبكي، وقيل: كان لعبدالمطَّلب يوم مات ثمانون سنة

[ انظر تذكرة الخواص: 18.]

وأعظمت قريش موته، وغُسل بالماء والسدر ودُفن بالحجون، وقيل: إنَّه حُمل على أيدي الرجال عدَّة أيَّام إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: ''''إنَّ الله يبعث جدِّي عبدالمطَّلب أُمَّة واحدة في هيئة الأنبياء وزيِّ الملوك''''

[ تاريخ اليعقوبي 2: 14.]

وورث أبو طالب ـ والد عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام ـ زعامة أبيه عبدالمطَّلب، وكفالته رسول الله، فكان خير كافل ومعين، وقد كان كأبيه سيِّداً شريفاً مهيباً.

قال عليُّ بن أبي طالب: ''''أبي ساد فقيراً، وما ساد فقيرٌ قبله''''

[ تاريخ اليعقوبي 2: 14.]

وخرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بُصرى من أرض الشام وهو ابن تسع سنين، وقال: ''''والله لا أكِلك إلى غيري''''

[ أنظر تاريخ اليعقوبي 2: 14.]

وتولَّى العناية برسول الله والقيام بشؤونه من سنة ثمان من مولده الشريف، وحتى العاشرة من النبوَّة، وذلك اثنان وأربعون سنة، وظل يدافع عن النبي ورسالته حتى آخر نفس من حياته، وقد انعكست هذه الحقيقة وتجلَّى موقفه هذا في كثير من أشعاره، منها قوله:

  • ليعلــم خيار الناس أنَّ محمداً نبيٌّ كموسى والمسيح ابن مريم

  • نبيٌّ كموسى والمسيح ابن مريم نبيٌّ كموسى والمسيح ابن مريم

وقوله:

  • ألم تعلمــوا أنَّا وجدنــا محمدا رسولاً كموسى خطَّ في أوَّل الكتبِ

  • رسولاً كموسى خطَّ في أوَّل الكتبِ رسولاً كموسى خطَّ في أوَّل الكتبِ

وقوله في لاميَّته الشهيرة:

  • لقد علمـوا أنَّ ابننا لا مكذَّبٌ فأصبـح فينا أحمد في اُرومة حَدِبْتُ بنفسـي دونه وحميتُه فأيَّده ربُّ العبـاد بنصــره وأظهرَ ديناً حَقُّهُ غيرُ باطلِ

  • لدينا ولا يُعنَى بقولِ الأباطلِ تُقصِّـر عنه سَورَة المتطاوِلِ ودافعت عنه بالذُّرا والكلاكلِ وأظهرَ ديناً حَقُّهُ غيرُ باطلِ وأظهرَ ديناً حَقُّهُ غيرُ باطلِ

[ أنظر: السيرة النبوية، ابن هشام 1: 229ـ 235، دار الفكر، 1415هـ.]

وتوفِّي أبو طالب بعد وفاة خديجة بثلاثة أيَّام ـ أي قبل هجرة الرسول من مكَّة إلى المدينة بثلاث سنين ـ في شوال أو في ذي القعدة، وله ست وثمانون سنة، وقيل بل تسعون

[ تاريخ اليعقوبي 2: 35.]، وسمَّى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا العام بعام