وضع الإقتصادی فی الجزیرة العربیة

کاظم النصیری

نسخه متنی -صفحه : 7/ 2
نمايش فراداده

الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية

كان البدو يحترفون المهن ، وكسب الرزق عن طريق الصناعة ، وقد اقتصر عملهم فيها على مصنوعات بسيطة ، يصنعها العربي لنفسه .

أمّا الزراعة فإن الجفاف وطبيعة البلاد العربية ، قد جعلا الأرض قاحلةً . وحتى التجارة فإنه لم يكن للبدو خُلق يؤهلهم لها ، وقليلا ما كانوا يمارسونها ، بيد أنهم قد استخدموا حراساً للقوافل التجارية ، أو أدلاّء لها لقاء أجور يتقاضونها من أصحاب القوافل ، الذين ربما استأجروا منهم جمالا لنقل بضاعتهم . ومع كون التجارة هي المهنة التي يكنّون لها شيئاً من الاحترام أكثر من سواها ، فإنهم كانوا يكرهون التكالب عليها ، ويندّدون باندفاع قريش فيها .

إنما كانت معيشة البدو قائمة على ما تنتجه مواشيهم من ألبان ولحوم يتغذون بها ، ومن صوف ينسجون منه خيامهم ولباسهم ، ومن جلود يستعملون منها قراباً أو أحذية يحتذونها . كما كانوا يعتمدون على الموارد التي تأتيهم من الغزو ، الذي كان ركناً من أركان الحياة في الصحراء . ولم يكن نوعاً من اللصوصية ، بالرغم من أنه شبيه بها ، بل كان في نظرهم نوعاً من الممارسة المباحة ومن التقاليد المتعارف عليها ، إذ تغير قبيلة على اُخرى بسبب عداوة بينهما ، أو حتى بسبب كونها أضعف منها ، تأخذ إبلها وماشيتها ومتاعها ، وتسبي نساءها وأولادها ، فتتحفّز القبيلة المعتدى عليها للأخذ بالثأر ، وتتربّص بالأولى ، حتى إذا واتتها فرصة سانحة ، انقضّت عليها لتغزوها بدورها ، وتسلبها ما تملكه ، ثأراً منها لما فعلته بها . ومما درج عليه العرب أنهم يحتفظون بالسبي من نساء وأولاد ، حتى ترسل قبيلتهم الفدية التي تطلبها القبيلة المنتصرة ، كما كان المغيرون يتحاشون جهد استطاعتهم إراقة الدماء1 .

فالبيئة البدوية بيئة غزو وغارات ، وماذلك إلاّ لأن الصحراء قليلة الموارد شحيحة بالنبات . فالقبيلة التي تشعر بأنها لا تملك ما يؤمن لها موارد الرزق والمعيشة ، ترى من حقّها أن تأخذ ممّن يملك ، حتى أصبح الغزو جزءاً من عقلية البدوي وطبعه .

التجارة في الحضر :

يختلف الأمر بالنسبة للحضر ، ذلك أن التجارة هي التي حظيت بالاهتمام في المجتمعات الحضرية ، فأقبل القوم عليها إقبالا شديداً إلى درجة أن المؤرخ اليوناني (سترابون) الذي اهتم بأحوال العرب في الجاهلية ، كان يرى أن كلّ عربي فيها تاجر أو دليل2 . ويقول (درمنجهايم) : إن العرب كانوا الروّاد الأوائل للتجارة العالمية ، ولم يكن باستطاعة (الرومان) القدماء الاستغناء عنهم في هذا الميدان . وبلغ من أهمية التجارة لديهم ، أنّ الملوك والزعماء كانوا أحياناً تجاراً ، فملوك المناذرة كانوا يرسلون (القوافل التجارية) الى أسواق الحجاز في كلّ عام ، كما كان ولاة الأمر في تدمر قد مارسوا التجارة ، وكذلك عَلِيّة قريش ورؤساؤها .

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فان التجارة كانت العامل الهام في نشوء دولة الشمال العربي . وكان أثرها كبيراً على أوضاع دول الجنوب العربي ، من حيث تذبذب عواصمها ، وانتقالها تبعاً لانتقال الأهمية التجارية من مكان إلى آخر ، حتى أن سقوط بعض الدول ونشوء غيرها ، سواء في الجنوب أو في الشمال ، كان على الغالب مبنياً على أساس ازدهار التجارة في الدولة الجديدة الناشئة ، وانحطاط التجارة لدى الدولة الزائلة بسبب تحوّل الطرق التجارية عنها ، وانحيازها الى الدولة الناشئة . وفضلا عن ذلك ، فإن العامل التجاري قد كيّف سياسة الدول الأجنبية المحيطة بشبه جزيرة العرب ، وحدّد موقفها تجاه بعض الدول التي قامت فيها ، إذ طمعت فيها كلّ من بيزنطة والحبشة ، وصمّمت إمّا على انتزاع مقاليد التجارة من يدها ، بالسيطرة على المسالك التجارية الهامة التي تصلها بالشرق الأقصى ، أو باحتلالها . والواقع أن بعض أطراف شبه الجزيرة قد رزحت تحت الاحتلال الحبشي . .3.