تشیید المراجعات و تفنید المکابرات (20)

السید علی المیلانی الحسینی

نسخه متنی
نمايش فراداده

تشـييد المـراجَعـاتوتفنيد المكابَـرات(20)

السـيّد عليّ الحسـيني الميلاني

المبحث الثاني في الإمامة العامّة وهي الخلافة عن رسول الله

أقـول :

كان المبحـث الأَوّل في : (إمامـة المذهـب) في الأُصول والفروع ، وقـد أورد السـيّد فيه أدلّـةً من الكتاب والسُـنّة على وجوب الرجوع إلى أهـل البـيت عليهم السلام بعـد رسـول الله صـلّى الله علـيه وآله وسلّـم ، فـي القضايا الاعتقادية والأحكام العملية والآداب والسُـنن الشرعية ، وأشار إلى حكم العقـل في الباب ، في نهايـة المراجـعة 18 بقوله : « دعنا من نصوصـهم وبيّناتهم ، وانظر إليـهم بقطع النظر عنهما ، فهل تجد فيهم قصـوراً في علم أو عمـلٍ أو تقـوىً عن الإمام الأشـعري أو الأئمّـة الاَربعة أو غيرهم ، وإذا لم يكن فيهم قصور ، فبمَ كان غيرهم أوْلى بالاتّباع وأحقُّ بأنْ يطاع ؟ ! » . .

هذا ، وقد تقرّر عندنا وعند الجمهور قبح تقدُّم المفضول على الفاضل ، الأمر الذي أذعن به حتّى ابن تيميّة[1].

وعنوان المبحث الثاني : (الإمامة العامّة وهي الخلافة عن رسول الله) وفي هذا العنوان إشارة إلى مطلبين :

* أحدهما : تعريف الإمامـة ؛ فقد اتّفق الفريقان على أنّ الإمامـة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا لشخصٍ من الأشخاص نيابة عن النبيّ[2]. . .

فالإمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا ، وزعامة مطلقة في جميع شؤون الأُمّة المادّية والمعنوية ، وهي نيابة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسـلّم ؛ فيكون للإمام كلّ ما كان للنـبيّ من المنازل والحالات والصفات ، إلاّ النـبوّة .

* والآخـر : المرادفـة بـين « الإمامـة العامّـة » و « الخلافـة الكـبرى » و « الولاية المطلقة » . .

فالخليفة عن رسول الله لا بُدّ وأن تتوفّر فيه كلّ ما يعتبر فيه من الصفات والحالات ، وحينئذٍ يجب على الأُمّة الاقتداء به في كلّ الأُمور ، والإطاعة له في كلّ ما يأمـر به أو ينهى عنه ، وتنفذ فيهم جميع تصرّفاته ، ولا يجوز لأحدٍ الاعتراض عليه في شيء من ذلك .

وممّا ذكرنا يظهر أنّ « الحكومة » شأنٌ من شؤون الإمام ، ومن الواجب على أفراد الأُمّة أن يتعاونوا معه في القيام بمهامّها ، لينالوا بذلك الخير والفلاح في الدنيا والآخرة .

فموضوع هذا المبحث هو : « إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مباشرةً » .

قال السيّد ـ رحمه الله ـ :

« من أحاط علماً بسيرة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في تأسيس دولة الإسلام ، وتشريع أحكامها ، وتمهيد قواعدها ، وسـنّ قوانينها ، وتنظيم شؤونها عن الله عزّ وجلّ ، يجد عليّاً وزير رسول الله في أمره ، وظهيره على عدوّه ، وعيبة علمه ، ووارث حكمه ، وولي عهده ، وصاحب الأمر من بعده . .

ومن وقف على أقوال النبيّ وأفعاله ، في حلّه وترحاله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، يجد نصوصه في ذلك متواترةً ، من مبدإ أمره إلى منتهى عمره » .

أقول :

فهذا موضوع المبحث الثاني .

وأمّا بالنسبة إلى غير عليّ عليه السلام ، فقد نصّ كبار أئمّة القوم على عدم النصّ على إمامة أبي بكر وولايته وخلافته بعد رسول الله ؛ قال القاضي العضد الإيجي : « إنّ طريقه إمّا النصّ أو الإجماع ، أمّا النصّ فلم يوجد»[3].

وقد اكتفى السـيّد لإثبات المدّعى بذكر عدّة نصوص ، مع التعرّض لشبهات الخصوم بشأنها ، والجواب عنها ، بحيث يصلح كلّ واحد من تلك النصوص لأنْ يكون دليلاً على الإمامة العامّة حتّى لو لم يكن دليل غيره ، ومن هنا ، فقد استغرق كلّ واحدٍ منها عدّة مراجعات :

المراجعة (20) ـ المراجعة (25)

نصُّ الدار يوم الإنذار

قال السـيّد :

« وحسبك منها ما كان في مبدأ الدعوة الإسلامية قبل ظهور الإسلام بمكّة ، حين أنزل الله تعالى عليه : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ، فدعاهم إلى دار عمّه أبي طالب ، وهم يومئذ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعبّـاس وأبو لهب ، والحديث في ذلك في صحاح السُـنن المأثورة ، وفي آخر ما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :

يا بني عبـد المطلب! إنّي ـ والله ـ ما أعلم شابّاً من العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني أنْ أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا ، على أنْ يكون أخي ووصيّي فيكم ؟ !

فأحجم القوم عنه غير عليّ وكان أصغرهم ، إذْ قام فقال : أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه .

فأخذ رسول الله برقبته ، وقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا . فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع . انتهى .

أخرجه بهذه الألفاظ كثير من حفظة الآثار النبوية ، كابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبي نعيم ، والبيهقي في سُننه وفي دلائله ، والثعلبي والطبري في تفسير سورة الشعراء من تفسيريهما الكبيرين .

وأخرجه الطبري أيضاً في الجزء الثاني من كتابه : تاريخ الأُمم والملوك[4].

وأرسله ابن الأثير إرسال المسلّمات في الجزء الثاني من كامله[5]، عند ذكره أمر الله نبـيّه بإظهار دعوته .

وأبو الفداء في الجزء الأوّل من تاريخه[6]، عند ذكره أوّل من أسلم من الناس .

ونقله الإمام أبو جعفر الإسكافي المعتزلي في كتابه : نقض العثمانية ، مصـرّحاً بصـحّته[7].

وأورده الحلبي في باب استخفائه صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه في دار الأرقم[8]، من سـيرته المعروفة .

وأخرجه بهذا المعنى مع تقارب الألفاظ غير واحد من أثبات السُـنّة وجهابذة الحديث ، كالطحاوي ، والضياء المقدسي في المختارة ، وسعيد بن منصور في السُـنن .

وحسبك ما أخرجه أحمد بن حنبل من حديث عليّ في ص 111 وفي ص 159 من الجزء الأوّل من مسـنده ، فراجع .

وأخرج في أوّل ص 331 من الجزء الأوّل من مسـنده أيضاً حديثاً جليلاً عن ابن عبّـاس يتضمّن هذا النصّ في عشر خصائص ممّا امتاز به عليّ على من سواه .

وذلك الحديث الجليل أخرجه النَسائي أيضاً عن ابن عبّـاس في ص6 من خصائصه العَلَوية ، والحاكم في ص 132 من الجزء الثالث من المستدرك ، وأخرجه الذهبي في تلخيصـه معترفاً بصـحّته .

ودونك الجزء السادس من كتاب كنز العمّال ، فإنّ فيه التفصيل[9].

وعليك بـ : منتخب الكنز وهو مطبوع في هامش مسند الإمام أحمد ، فراجع منه ما هو في هامش ص 41 إلى ص 43 من الجزء الخامس تجد التفصيل ؛ وحسبنا هذا ونعم الدليل .

تصحيح هذا النصّ :

لولا اعتباري صـحّته من طريق أهل السُـنّة ما أوردته هنا .

على أن ابن جرير ، والإمام أبا جعفر الإسكافي ، أرسلا صـحّته إرسال المسلّمات[10].

وقد صـحّحه غير واحد من أعلام المحقّقين .

وحسبك في تصحيحه ثبوته من طريق الثقات الأثبات ، الّذين احتجّ بهم أصحاب الصحاح بكلّ ارتياح .

ودونك ص 111 من الجزء الأوّل من مسند أحمد ، تجده يخرج هذا الحديث عن أسـود بن عامر، عن شريك[11] [12]، عن الأعمش[13]، عن المنهال[14]، عن عباد بن عبـد الله الأسـدي[15]، عن عليّ مرفوعاً .

وكلّ واحد من سلسلة هذا السند حجّة عند الخصم ، وكلّهم من رجال الصحاح بلا كلام ، وقد ذكرهم القيسراني في كتابه الجمع بين رجال الصـحيحين ؛ فلا مندوحة عن القول بصـحّة الحديث .

على أنّ لهم فيه طرقاً كثيرة يؤيّد بعضها بعضاً ، وإنّما لم يخرجه الشيخان وأمثالهما ؛ لأنّهم رأوه يصادم رأيهم في الخلافة ، وهذا هو السبب في إعراضهم عن كثير من النصوص الصحيحة ، خافوا أن تكون سلاحاً للشيعة ، فكتموها وهم يعلمون . .

وإنّ كثيراً من شيوخ أهل السُـنّة ـ عفا الله عنهم ـ كانوا على هذه الوتيرة ، يكتمون كلّ ما كان من هذا القبيل ، ولهم في كتمانه مذهب معروف ، نقله عنهم الحافظ ابن حجر في فتح الباري .

وعقد البخاري لهذا المعنى باباً في أواخر كتاب العلم من الجزء الأوّل من صـحيحه ، فقال[16]: (باب من خصّ بالعلم قوماً دون قوم) .

ومن عرف سريرة البخاري تجاه أمير المؤمنين وسائر أهل البيت ، وعلم أنّ يراعته ترتاع من روائع نصوصهم ، وأنّ مداده ينضب عن بيان خصائصـهم ؛ لا يسـتغرب إعراضـه عـن هذا الحديث وأمثالـه ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم .

الوجه في احتجاجنا بهذا الحديث .

الخلافة الخاصّة منفيّة بالإجماع .

النسـخ هنا محال .

إنّ أهل السُـنّة يحتجّون في إثبات الإمامة بكلّ حديث صحيح ، سواء كان متواتراً أو غير متواتر ، فنحن نحتجّ عليهم بهذا لصـحّته من طريقهم ، إلزاماً لهم بما ألزموا به أنفسهم ، وأمّا استدلالنا به على الإمامة فيما بيننا ، فإنّما هو لتواتره من طريقنا كما لا يخفى .

ودعوى : أنّه إنّما يدلّ على أنّ عليّاً خليفة رسول الله في أهل بيته خاصّة ، مردودة بأنّ كلّ من قال بأنّ عليّاً خليفة رسول الله في أهل بيته ، قائل بخلافته العامّة ، وكلّ من نفى خلافته العامّـة ، نفى خلافته الخاصّـة ، ولا قائل بالفصل ، فما هذه الفلسفة المخالفة لإجماع المسلمين ؟ !

وما نسـيت فلا أنسَ القول بنسـخه ، وهو محال عقلاً وشرعاً ، لأنّه من النسـخ قبل حضـور زمن الابتلاء كما لا يخـفى ، على أنّه لا ناسـخ هنا إلاّ ما زعمه من إعراض النبيّ عن مفاد الحديث . .

وفيه : إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يعرض عن ذلك ، بل كانت النصـوص بعده متوالية ومتواترة ، يؤيّد بعضها بعضاً ، ولو فرض أنّ لا نصّ بعده أصـلاً ، فمن أين علم إعراض النبيّ عن مفاده ، وعدوله عن مؤدّاه ؟ ! ( إن يتبعون إلاّ الظنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربّهم الهدى)[17] ، والسلام » .

أقـول :

يقع الكلام في هذا المقام في جهات :

* الجهة الأُولى : في متن الحديث ورواته .

لقد روى الشيخ علي المتّقي الهندي هذا الحديث في كتاب كنز العمّال بعدّة ألفاظٍ ، عن جمعٍ كثيرٍ من أئمّة الحديث ، ونحن نورد هنا محلّ الحاجة ، ومن أراد النصوص الكاملة فليرجع إليه :

(36408) ـ « . . . عن عليٍّ ، قال : لمّا نزلت هذه الآية ( وأنذر عشيرتك الأقربين)[18] جمع النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم من أهل بيته ، فاجتمع ثلاثون ، فأكلوا وشربوا ، فقال لهم : من يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنّة ويكون خليـفتي في أهلي ؟ وقال رجل : يا رسول الله! أنت كنت بحراً ، من يقوم بهذا ؟ ! ثمّ قال الآخر . فعرض هذا على أهل بيته واحداً واحداً .

فقال عليّ : أنا . حم ، وابن جرير وصحّحه ، والطحاوي ، والضياء »[19].

(36419) ـ « . . . عن عليٍّ ، قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله ( وأنذر عشيرتك الأقربين ). . . تكلّم النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فقال : يا بني عبـد المطّلب! إنّي ـ والله ـ ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا[20]؟

فقلت ـ وأنا أحدثهم سنّاً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً ـ : أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه .

فأخذ برقبتي فقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا . فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لعليّ .

ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل »[21].

(36465) ـ « . . . عن عليٍّ ، قال : لمّا نزلت هذه الآية ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) دعا بني عبـد المطّلب . . . ثمّ قال لهم ـ ومدّ يده ـ : من يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليّكم من بعدي ؟ !

فمددت وقلت : أنا أبايعك ، وأنا يومئذٍ أصغر القوم ، عظيم البطن ، فبايعني على ذلك . . . (قال : ) وذلك الطعام أنا صنعته . ابن مردويه »[22].

(36520) ـ « . . . عن عليٍّ إنّه قيل له : كيف ورثت ابن عمّك دون عمّك ؟ !

فـقـال : جـمـع رسـول الله صلّـى الله عـلـيـه [وآلـه] وسـلّـم بـنـي عبـد المطّلب . . . فقال : يا بني عبـد المطّلب! إنّي بعثت إليكم خاصّةً وإلى الناس عامّةً ، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم ، فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي ؟ فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه ـ وكنت من أصغر القوم ـ فقال : اجلس . ثمّ قال ثلاث مرّات . كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي : اجلس . حتّى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي . قال : فلذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي .

حم ، وابن جرير ، والضياء »[23].

أقـول :

وهذا سند الرواية الأُولى ـ التي رواها المتّقي برقم (36408) عن أحمد ، وابن جرير وصـحّحه ، والطحاوي ، والضياء ـ في مسـند أحمد : « أسـود بن عامـر ، ثنا شـريك ، عن الأعـمش ، عن المـنهال ، عن عباد بن عبـد الله الأسـدي ، عن عليٍّ »[24].

وهذا سند الرواية الأخيرة ـ التي رواها برقم (36520) عن أحمد ، وابن جرير ، والضياء ـ في مسـند أحمد : « عفّان ، ثنا أبو عوانة ، عن عثمان ابن المغيرة ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجذ ، عن عليٍّ رضي الله عنه ، قال : جمع رسـول الله ـ أو : دعا رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بني عبـد المطّلب . . . »[25].

وقد أخرج الحافظ الهيثمي الرواية الأُولى ، ثمّ قال : « رواه أحمد ، ورجاله ثقات »[26].

وأخرج النَسائي أيضاً الرواية الأخيرة ـ بسـند أحمد بن حنبل نفسـه ـ في خصائص سـيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام[27]، وأهل العلم يعلمون بأنّ هذا الكتاب جزء من سنن النَسائي . . ولا يخفى عليهم أيضاً صحّة السند المذكور .

وأخرجه الهيثمي : « عن عليٍّ ، قال : لمّا نزلت ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ، قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : يا عليّ! اصنع رجل شاةٍ بصاعٍ من طعام واجمع لي بني هاشم . . . فأكلوا وشربوا ، فبدرهم رسول الله فقال : أيّكم يقضي عنّي ديني ؟ قال : فسكت وسكت القوم . فأعاد رسول الله المنطق . فقلت : أنا يا رسول الله . فقال : أنت يا عليّ ، أنت يا عليّ .

رواه البزّار ـ واللفظ لـه ـ وأحمد باختصار ، والطبرانـي باختصارٍ أيضاً ، ورجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقـة »[28].

أقـول :

فهذه نصوص الحديث ، وهؤلاء رواته . .

أمّا من حيث السند ، فقد رأيت كيف ينصّون على صـحّته . .

وأمّا من حيث الدلالة ، فكلُّ لفظٍ من ألفاظه دليل على إمامة عليٍّ عليه السلام بعد رسـول الله ، وهو بمجموع ألفاظه من أقوى النصوص سنداً ودلالةً على ذلك .

ويضاف إلى جهة السند :

1 ـ الحديث من روايات تفسير الطبري ، وابن أبي حاتم الرازي ، والبغوي ، وقد احتجَّ ابن تيميّة في منهاج السُـنّة بهذه الكتب[29]، ووصف الطبري وابن أبي حاتم ـ في جماعةٍ من المفسّـرين ـ بأنّهم : « لم يذكروا الموضوعات »[30]، وبأنّهم : « الّذين لهم في الإسلام لسان صدق ، وتفاسيرهم متضمّنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسـير »[31].

2 ـ الحديث من روايات كتاب المختارة للضياء المقدسي ، وهو ممّن التزم بالصحّة ، بل قال الحافظ ابن حجر ـ لإثبات صحّة أحد الأحاديث ـ : « قلت : وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني . . . (قال : ) وابن تيميّة يصرّح بأنّ أحاديث المختارة أصـحّ وأقوى من أحاديث المسـتدرك »[32].

3 ـ الحديث من جملة الفضائل العشر المختصّة بأمير المؤمنين عليه السلام ، في الصحيح عن ابن عبّـاس ، وسيأتي الكلام حوله بالتفصيل .

* الجهة الثانية : في النظر في كلام ابن تيميّة .

والآن فلننظر في كلام ابن تيميّة حول هذا الحديث ، وهذا نصّـه :

« هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل ، لا في الصحاح ولا في المسانيد والسُـنن والمغازي والتفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يُحتجّ به ، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها الصحيح والضعيف ، مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغوي بل وابن جرير وابن أبي حاتم ، لم يكن مجرّد رواية واحدٍ من هؤلاء دليلاً على صـحّته . . .

( قال : ) إنّ هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث ، فما من عالمٍ يعرف الحديث إلاّ وهو يعلم أنّه كذب موضوع ، ولهذا لم يرْوه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات ، لأنّ أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أنّ هذا كذب . . .

( قال : ) وقد رواه ابن جرير والبغوي بإسنادٍ فيه عبـد الغفّار بن القاسم ابن فهد أبو مريم الكوفي ، وهو مجمع على تركه . . . ورواه ابن أبي حاتم ، وفي إسناده عبـد الله بن عبـد القدّوس ، وهو ليس بثقة . . .

( قال : ) إن بني عبـد المطّلب لم يبلغوا أربعين رجلاً حين نزلت هذه الآية . . .

( قال : ) ليس بنو هاشـم معروفـين بمـثل هـذه الكثـرة فـي الأكـل ، ولا عرف فيهم من كان يأكل جذعةً ، ولا يشرب فرقاً . . .

( قال : ) إنّ الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا . . . »[33].

أقـول :

أوّلاً : إنّ هذا الحديث موجود في سُـنن النَسائي[34]، ومسند أحمد ، ومسند البزّار، وفي المعجم الأوسط للطبراني ، والمختارة للضياء ، وغيرها من كتب الحديث . . كما عرفت .

ورواه ابن إسحاق صاحب المغازي . .

وهو في كثير من التفاسير المعتمدة .

وعرفت أنّ عدّةً من أسانيده صحيحة ، باعتراف الحافظ الهيثمي ، الذي هو عندهم من نقّاد الحديث ، وأنّ جمعاً من أكابرهم يقولون بصحّته . . وأنّ البيهقي وأبا نعيم الأصبهاني يجعلان القضية من دلائل النبوّة .

فكلام ابن تيميّة يشتمل على أكاذيب لا كذبة واحدة .

وثانياً : قد عرفت أنّ غير واحدٍ من أسانـيده الصحيحة ليس فيه « عبـد الغفّار بن القاسم » ولا « عبـد الله بن عبـد القدّوس » .

وثالثاً : إنّ « عبـد الغفّار بن القاسم » ليس بمجمعٍ على تركه ، بل هو مختلف فيه . .

قال الحافظ ابن حجر : « قال أبو حاتم : ليس بمتروكٍ ، وكان من رؤساء الشـيعة »[35].

ونقلوا عن شعبة بن الحجّاج أنّه كان يروي عنه ، ويثني عليه ، ويقول : لم أرَ أحفظ مـنه[36].

وعن ابن عـقدة أنّه كان يثني عليه ويطريه ؛ قال ابن عدي : وتجاوز الحدّ في مدحـه حتّى قال : لو ظهر علم أبي مريم لَما احتاج الناس إلى شعبة . قال ابن عدي : وإنّما مال إليه ابن عقدة هذا الميل لإفراطه في التشـيّع[37].

قلت : وإنّما تكلّم من تكلّم في أبي مريم ، لأنّه كان يحدّث ببلايا عثمان وعائشة[38].

وقد بحثنا سابقاً عن هذا الموضوع بالتفصيل ، وذكرنا أنّ في رجال الصحاح من يتكلّم في الشيخين فضلاً عن عثمان ، وأنّ التشـيّع أو الرفض غير مضـرٍّ بالوثاقة . . . فلا نعيد .

ورابعاً : إنّ « عبـد الله بن عبـد القدّوس » من رجال البخاري في التعاليق ، ومن رجال الترمذي ، وأخرج له أبو داوُد ، وذكره ابن حبّان في الثقات . .

وقال البخاري : هو في الأصل صـدوق إلاّ أنّه يروي عن أقوامٍ ضعاف ، وقال يحيى بن المغيرة : أمرني جرير أنْ أكتب عنه حديثاً ، وقال ابن عدي : عامّة ما يرويه في فضائل أهل البيت[39].

وهذا هو الذنب الوحيد!! ولذا قال الحافظ في التقريب : « صدوق رمي بالرفض »[40].

[35]. تعجيل المنفعة : 297 .

[10]. راجع : الحديث 6045 من أحاديث الكنز في ص 396 من جزئه السادس تجد هناك تصحيح ابن جرير لهذا الحديث ، وإذا راجعت من منتخب الكنز ما هو في أوائل هامش ص 43 من الجزء 5 من مسـند أحمد تجد تصحيح ابن جرير لهذا الحديث أيضاً . أمّا أبو جعفر الإسكافي فقد حكم بصـحّته جزماً في كتابه نقض العثمانية ، فراجع ما هو موجود في ص 263 من المجلّد 3 من شرح نهج البلاغة للحديدي ، طبع مصر .

[12]. احتجّ به مسلم في صـحيحه ، كما أوضحناه عند ذكره في المراجعة 16 .

[16]. في ص 25 .

[18]. سورة الشعراء 26 : 214 .

[17]. سورة النجم 53 : 23 .

[3]. المواقف في علم الكلام : 400 .

[22]. كنز العمّال 13|149 .

[25]. مسـند أحمد 1|159 .

[19]. كنز العمّال 13|128 ـ 129 ، و « حم » : رمز أحمد في المسـند ، و « الضياء » : هو المقدسي صاحب كتاب المختارة .

[24]. مسند أحمد 1|111 .

[40]. تقريب التهذيب 1|430 .

صـحيحه ، وأحمد في مسـنده ، وعبـد الله بن أحمد في زيادات المسـند ، والهيثـمي في مجمع الزوائـد ، وابن قتـيبة في عيون الأخبار ، وأحمد بن عبـد ربّه في العقد الفريد ، وعمرو بن بحر الجاحظ في رسالته عن بني هاشم ، والإمام أبي إسحاق الثعلبي في تفسـيره . . قلت : ونقل هذا الحديث جرجس الانگليزي في كتابه الموسوم مقالة في الإسلام ، وقد ترجمه إلى العربية ذلك الملحد البروتستانتي الذي سمى نفسه بهاشم العربي ، والحديث تجده في صفحة 79 من ترجمة المقالة في الطبعة السادسة .

ولشهرة هذا الحديث ذكره عدة من الإفرنج في كتبهم الفرنسية والانگليزية والألمانية ، واختصره توماس كارليل في كتابه الأبطال .

ومن تتبع كنز العمّال وجد هذا الحديث في أماكن أُخر شتى ، وإذا راجعت ص 255 من المجلد الثالث من شرح النهج للإمام المعتزلي الحديدي ، أو أواخر شرح الخطبة القاصعة منه ، تجد هذا الحديث بطوله .

[39]. تهذيب التهذيب 5|265 .

[34]. السُـنن الكبرى 6|248 .

[29]. انظر احتجاجه بـتفسير البغوي في : منهاج السُـنّة 1|457 .

[30]. منهاج السُنّة 7|13 .

[31]. منهاج السُـنّة 7|178 ـ 179 .

[6]. ص 116 .

[15]. هو عباد بن عبـد الله بن الزبـير بن العوّام القرشي الأسدي ، احتجّ به البخاري ومسلم في صحيحيهما ، سمع أسماء وعائشة بنتي أبي بكر ، وروى عنه في الصحيحين ابن أبي مليكة ، ومحمّـد بن جعفر بن الزبير ، وهشام بن عروة .

[33]. منهاج السُـنّة 7|299 ـ 307 .

[4]. ص 217 ، بطرق مختلفة .

[9]. راجع منه : الحديث 6008 في ص 392 تجده منقولاً عن ابن جرير . . والحديث 6045 في ص 396 تجده منقولاً عن أحمد في مسنده ، والضياء المقدسي في المختارة ، والطحاوي ، وابن جرير وصـحّحه . . والحديث 6056 في ص 397 تجده منقولاً عن ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبي نعيم ، والبيهقي في شعب الإيمان وفي الدلائل . . والحديث 6102 ص 401 تجده منقولاً عن ابن مردويه . . والحديث 6155 في ص 408 تجده منقولاً عن أحمد في مسنده ، وابن جرير ، والضياء في المختارة . .

[27]. خصائص أمير المؤمنين عليّ : 133 ح 66 .

[37]. الكامل ـ لابن عدي ـ 7|18 .

[21]. كنز العمّال 13|131 ـ 133 .

[26]. مجمع الزوائد 8|302 .

[28]. مجمع الزوائد 8|302 .

[5]. ص 22 .

[32]. فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7|217 .

[1]. منهاج السُـنّة 6|475 .

[7]. كما في ص 263 من المجلّد 3 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، طبع مصر . أمّا كتاب نقض العثمانية ، فإنّه ممّا لا نظير له ، فحقيق بكلّ بحّاث عن الحقائق أن يراجعه ، وهو موجود في ص 257 وما بعدها إلى ص 281 من المجّلد 3 من شـرح النهج ، في شرح آخر الخطبة القاصعة .

[14]. احتجّ به البخاري ، كما أوضحناه عند ذكره في المراجعة 16 .

[20]. وفي تفسير البغوي ـ الملتزم فيه بالصحّة ـ توجد هنا إضافة : « ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم » .

[2]. انظـر من كتب أصحابـنا : مناهج اليقين في أُصول الدين : 289 ، النافع يوم الحشر : 44 ، شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام ، وغيرها . . ومن كتب الجمهور : شـرح المواقف ، شرح المقاصـد ؛ في أوّل مباحث الإمامة .

[11]. احتجّ به البخاري ومسلم في صـحيحيهما ، وقـد سمع شـعبة عندهما ، وسمع عبـد العزيز بن أبي سلمة عند البخاري ، وسمع عند مسلم زهير بن معاوية ، وحمّاد ابن سلمة ، روى عنه في صحيح البخاري محمّـد بن حاتم بن بزيع ، وروى عنه في صحيح مسلم هارون بن عبـد الله ، والناقد ، وابن أبي شيبة ، وزهير .

[38]. تعجيل المنفعة : 297 .

[36]. تعجيل المنفعة : 297 .

[8]. راجع الصفحة الرابعة من ذلك الباب ، أو ص 381 من الجزء الأوّل من السيرة الحلبية ، ولا قسط لمجازفة ابن تيميّة وتحكّماته التي أوحتها إليه عصبيّته المشهورة . وهذا الحديث أورده الكاتب الاجتماعي المصري محمّـد حسين هيكل ، فراجع العمود الثاني من الصفحة الخامسة من ملحق عدد 2751 من جريدته (السياسة) الصادر في 12 ذي القعـدة سنة 1350 ، تجده مفصّلاً ، وإذا راجعت العمود الرابع من صفحة 6 من ملحق عدد 2785 من (السياسة) تجـده ينقل هذا الحديـث عن كلّ من : مسلم في

[23]. كنز العمّال 13|175 .

[13]. احتجّ به البخاري ومسلم في صـحيحيهما ، كما بيّـنّاه عند ذكره في المراجعة 16 .