الاستاذ مهدي هادوي تنويه إن التحولات الواسعة الحاصلة في أسلوب الثقافة وجوهرها والعلاقات الاجتماعية أدت إلي تعارض شكلي في المعتقدات الماضية و الحاضرة، وأبرزت نزاعاً بين القديم والجديد. إن الاسئلة الكثيرة والضخمة، التي نبتت من زرع بذور التجدد، تشغل الآن بال الذين جعلوا من الحفاظ علي السنن القديمة عماداً لأنفسهم ولتطلاعاتهم.
إن محور الكلام في هذا البحث يدور علي الإرتباط بين «دخول الإسلام إلي ميدان العمل الاجتماعي» وقضية الزمان والمكان، وهو، بقول أدق، تحليل شأن الدين ومكان الدين الكامل ومكانة العمل الاجتماعي. كذلك تتم دراسة دور الزمان والمكان في العناصر الثابتة والعالمية، وايضاً في الأجزاء المتغيرة والآنية في عالمي الثبوت والإثبات. و في النهاية يتم إثبات كون بيان العناصر الثابتة. هو من شؤون الدين الأصلية، وأن هذه العناصر يمكن استنباطها بالاسلوب الفقهي من المصادر الدينية. أما مصير العناصر المتغيرة فيرتبط بالوضعية والظروف الزمكانية بقدر ارتباطهابالعناصر الدينية الثابتة.
المقدمة تري ماالذي حصل حتي أصبح للزمان والمكان دور في الإجتهاد يزداد أهمية يوماً بعد يوم؟ لماذا لم تطرح هذه الأبحاث من قبل؟ لماذا لم يكن الامام الخميني يؤكد هذا الجانب كثيراً قبل الثورة الإسلامية؟ ولماذا اخذ يزداد اهتماماً به بمضي الزمان بحيث إننا نقرأ في «بيان الروحانيين» ـ أي في آخر خطاب مسهب وجهه الي الروحانيين عبارة:
«إن الزمان والمكان عنصران حاسمان في الاجتهاد، فالمسألة التي كان لها حكمها في القديم، يمكن أن يكون لها حكم جديد تحت الظروف التي تتحكم في شؤون البلد السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية. أي إن ذلك الموضوع الذي لا يختلف الآن في الظاهر عما كان عليه من قبل أصبح، بما استجد من المعرفة الدقيقة بالعلائق الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية، موضوعاً جديداً من حيث الواقع مما يتطلب بالضرورة حكما جديداً».
ألا يعني هذا أن دخول الاسلام العزيز إلي ميدان إدارة المجتمع بصفته صاحب الحل النهائي لمشكلات البشر الفردية و الاجتماعية في كل عصر هوالذي أوجب الالتفات إلي هذا الأمر وزاد من اهتمامه به وأصبح ملموساً أكثر فأكثر؟ ألم يأت الإسلام منذ يومه الأول لهذا الغرض؟ فلماذا إذن تأخر فتح باب هذا البحث إلي هذا الحد؟ هذه أسئلة تجب الإجابة عنها قبل الدخول في بحث «مقام الزمان والمكان في الإجتهاد» لا شك في آن مجيء الإسلام إلي ميدان العمل الإجتماعي كان السبب الرئيس في طرح هذه المسألة، ولكن لم ارتبط هذان الاثنان: «مجيء الاسلام الي ميدان العمل الاجتماعي» وطرح مسألة «دور الزمان والمكان في الاجتهاد» بعض ببعض؟ لفتح مغاليق سر هذا الارتباط، يلزم أن نلقي نظرة علي شأن الدين من جهة، وعلي مقام الدين الكامل من جهة اخري، وكذلك مقام العمل الاجتماعي في نظرة ثالثة.
تعريف الدين
قيل في تفسير «الدين» الكثير من الآراء والأفكار. قال بعض إن الدين هو الاعتقاد بالأمور الغيبية، وجعلوا مجموعة المعتقدات الخرافية والوهمية ضمن الدين. هؤلاء هم الذين نظروا إلي الدين من وجهة نظر علم الاجتماع، وقاسوا الأفكار والعقائد الدينية بالمقاييس التجريبية. وعلي هذا لم يضعوا حداً فاصلاً بين الخرافات والعقائد التي تستند إلي دليل، و ساقوا الجميع بعصا واحدة ووضعوها في المرتبة نفسها.
ولكن إذا نظرنا إلي المسألة نظرة إلهية، و فسرنا الدين وفق القاموس الإلهي نجد أن الدين هو تلك الأمور التي بينها الله تعالي لهداية البشرية بوساطة الأنبياء الإلهيين والرسل الربانيين. بهذا المعني يكون «الدين» حقيقة ثبوتية وواقعاً عينياً يدرك أحياناً إدراكاً، صحيحاً، وأحياناً أخري يوضع شيء آخر مكانه خطأً، وهكذا. فالعقائد الغلط التي يؤمن بها أتباع دين من الأديان، أو التفسيرات غير الصحيحة عن الحقائق الدينية التي يدلون بها لا تعتبر جزءاً من ذلك الدين.