حوالة؛ حقیقتها و بعض مقوماتها

السید محمدباقر الصدر؛ النحقیق: السید علیرضا الحائری

نسخه متنی -صفحه : 19/ 2
نمايش فراداده

الحــوالة حقيقتها وبعض مقوماتها تقرير بحث سيّدنا الشهيد السعيد آية اللّه‏ العظمي السيّد محمّد باقر الصدر ( قدّس سرّه الشريف ) ألقاه في ليالي شهر

سماحة السيّد علي رضا الحائري وقد عدّد لها في العروة عشرين فرعا أو ما يقاربها ، ونحن سوف لا نتعرّض للفروع جميعها بحسب تعدادها الترتيبي بحيث نذكر فرعا بعد آخر ، بل ننسّق البحث في ترتيب بحيث تتحفّظ فيه الفروع وتنطبق عليه ، ويتشكل هذا الترتيب في فصول ثلاثة( 1 ) :

الفصل الأوّل : في بيان حقيقة الحوالة وتكييفها الفقهي والأنحاء المتصوّرة لهذه المعاوضة مع الموازنة فيه بين الفقه الجعفري وسائر المذاهب الإسلامية وغير الإسلامية ، وهذا الفصل سوف يشكّل القواعد الأساسية لفقه الحوالة بحيث ينطوي تحته ما يستنبط في الحوالة .

الفصل الثاني : في بيان مقوّمات الحوالة وأركانها ، وهي ثلاثة :

أ ـ العقد المقوّم للحوالة .

ب ـ المتعاقدان اللّذان يقعان طرفي الحوالة .

ج·· ـ المال الذي يقع موضوعا للحوالة .

الفصل الثالث : في بيان أحكام الحوالة وآثارها ، وفيه ثلاثة بحوث :

أ ـ في أحكامها وآثارها بلحاظ المحيل مع المحال .

ب ـ في أحكامها وآثارها بلحاظ المحال مع المحال عليه .

ج·· ـ في أحكامها وآثارها بلحاظ المحيل مع المحال عليه .

في بيان حقيقة الحوالة والأنحاء المتصوّرة فيها وتحقيق هذا الفصل يتم بتقديم اُمور ثلاثة :

الأمر الأوّل :

في أنّ الديون كلها تشتمل علي إحدي المرتبتين : الذمّة والعهدة ، فلابد من بيان معني الذمّة والعهدة ، فنقول :

إنّ الذمّة والعهدة من المفاهيم التي وضعها الفقه الإسلامي ، فهما وعاءان اعتباريان من الاعتبارات العقلائية يختلفان من حيث المظروف الذي يحتويانه ، فإن كان المظروف أمرا شخصيا وعينا خارجية فظرفه العهدة ، وإن كان أمرا كليّا لا شخص له خارجا فظرفه الذمّة ، فالذمة : هو الوعاء الذي صاغه العقلاء واعتبروه ظرفا للاُمور الكلّية ، والعهدة : هو الوعاء الذي صاغوه واعتبروه ظرفا للاُمور الجزئية الشخصية الخارجية .

وهذا التعريف المزبور لكل من الذمّة والعهدة كأنه مأخوذ من ارتكازات العقلاء في باب الغصب ؛ حيث رأوا أنّ العين المغصوبة إذا كانت موجودة يقال : إنّها في عهدة الغاصب ، فإذا تلفت يقال : إنّها في ذمّته ، وحيث إنّ العين قبل تلفها أمر خارجي وبعده عبارة عن المثل أو القيمة فمن هنا تخيّل أنّ الفارق الأساسي بين العهدة والذمّة هو : أنّ الأوّل ظرف للشيء الخارجي والثاني ظرف للشيء الكلي الذي لا وجود له خارجا ، بينما نري أنّ بينهما بحسب الحقيقة فرقا جوهريا في تركيبهما العقلائي ، والفرق الذي ذكروه إنّما هو من نتائج ذاك الفرق الجوهري الحقيقي ، وحاصل هذا الفرق الحقيقي :

أنّه لو واجهنا السؤال الآتي : ماهو معني الذمّة ؟ فنقول في جوابه : إنّ العقلاء اتفق لهم في كثير من الأحيان أن كانوا في مقام التمليك والتملّك من دون أن تتيسّر لهم أعيان خارجية يصبّون عليها التمليك أو التملّك ، كما في المعاوضات التي لايتيسّر لكلا الطرفين أو لأحدهما مال خارجي يوقع عليه العقد ، وكما في باب التحميلات القانونية من قبيل الحكم علي من أتلف مال غيره بأنه يجب عليه إيفاء مثله له مع عدم وجود المثل عنده ، ففي مثل هذه الموارد ـ التي احتاج فيها العقلاء إلي جعل تمليكات علي الأموال من دون أن تتيسّر لهم أموال وأعيان خارجية ـ اخترع وعاء سمّي بالذمة ، وفرض فيه وجود أموال هي في الحقيقة مفهومات خارجية معتبرة بالمعني الحرفي لا بالمعني الاسمي ؛ بمعني أنّ نسبة المال الموجود في الذمّة إلي المال الموجود خارجا نسبة المعني الحرفي إلي الاسمي في كون الأوّل رمزا ومعنيً آليّا دون الثاني الذي هو معني استقلالي ، فالملكية انصبّت ـ في الموارد المزبورة التي احتيج فيها إلي جعل تمليكات مع عدم وجود أعيان خارجية ـ علي المعني الآلي الذمّي بلحاظ كونه مرآة للخارج ، فإذا فرض أنّ في ذمّة زيد عشرة دنانير فمعناه أنّ هذه العشرة دنانير أموال رمزيّة ومرآة لتلك الأموال الخارجية ، وإنّما فرض ذلك لكي يترتب علي هذه الأموال الرمزيّة نفس الأثر المترتب علي الأموال الخارجية ؛ فإنّه لايمكن تصوّر العشرة دنانير غير الموجودة خارجا إلاّ بوجودها الذمّي الرّمزي ، وإلاّ فهي ليست موجودة بين الأرض والسماء من دون أن تستقر لا في الذمّة ولا في الخارج ، إذن فالذمة وعاء للأموال الرمزية وليست وعاءً للخارج ، فليس تقسيم الدين إلي الذمّة والعهدة تقسيما اعتباطيا ، بل هو راجع إلي طبيعة الوعاء الذي يحتوي علي الدين ، فما دامت العين موجودة في يد الغاصب لا معني لكونها في ذمّته ؛ لأنّ الذمّة وعاء للرموز لا للأعيان الموجودة ، وهذا التملّك الذمّي هو الذي عبّر عنه في كلماتهم قدس‏سرهم بشغل الذمّة ، ويعبّر عن المال بالدين وعن المالك بالدائن . هذا هو تفسير الذمّة .

وأمّا العهدة فهي وعاء اعتباري آخر وظرف لشيء آخر يختلف عمّا كانت الذمّة ظرفا له ، فالعهدة ظرف للتعهدات والمسؤوليات المجعولة علي الشخص سواء منها ما كان مجعولاً من قبل نفس الشخص كما في الالتزامات التي يتعهدها الشخص في العقود ـ ونعني بالالتزامات الشروط ـ وكما في النذر علي بعض مبانيه ، أو ما كان مجعولاً بشكل قانون عام كنفقة الأقارب ـ لا الزوجة ـ فلهذه التعهدات والمسؤوليّات وعاء آخر اسمه العهدة ، وهي كما تكون ظرفا للأعيان الخارجية كذلك تكون ظرفا للأعيان الكلية ، فأمّا الأوّل فكالغاصب ؛ فإنّ العين الموجودة الخارجية تكون في عهدته فهو مسؤول عنها ، وأمّا الثاني فكالمدين ؛ فإنّ الدين يترتب علي وعاء الذمّة أولاً فتصير ذمّته مشغولة ، وبعد ذلك يكون عليه مسؤولية الوفاء .