لقد عاصر الامام عليه السلام ستة من خلفاء بني العباس ، وهم : والمنصور ، والمهدي ، والهادي ، والرشيد ، والامين ، والمأمون . وكانت البلاد الاسلامية آنذاك تتمخض عن ثورات علوية متتالية ، فكلما قضى على واحدة منها قامت الاخرى .
وكان المأمون يعيش خضم تلكم الاحداث السياسية ، الا أنه بدهائه وسعة حيلته ، رأى أن يجنح للاكثرية الساحقة في البلاد ، وتسخيرها لاغراضه .
فاشخص عميد البيت العلوي الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام من مدينة جده صلى الله عليه وآله الى مرو عاصمة ملكه ، لما رأى من فضله البارع ، وعلمه النافع ، وورعه الباطن والظاهر ، وتخليه عن الدنيا وأهلها وميله للاخرة وايثاره لها ، وبعد ان أيقن أن الناس عليه متفقة ، عقد له ولاية العهد من بعده ، فأطفأ بذلك غضب العلويين .
كان اشخاصه عليه السلام على يد رجاء بن أبي الضحاك ، وأمره المأمون أن يترك طريق الكوفة وقم ، ويأخذ به طريق البصرة والأهواز وفارس حتى يوافى مرو (1) .
ولما وصل الامام عليه السلام الى نيسابور وهو راكب بغلته الشهباء ، فاذا بمحمد بن رافع وأحمد بن الحرث ويحيى بن يحيى واسحاق بن راهويه وعدة من أهل العلم قد تعلقوا بلجام بغلته لطلب الحديث منه ، والرواية عنه ، والتبرك به ، فأجابهم لذلك ، ثم سار متوجهاً الى مرو ، فتلقاه المأمون بنفسه وأعظمه (2) .
ثم جرت بين الامام عليه السلام والمأمون خطابات كثيرة في أمر الخلافة والولاية ، حتى اضطر الامام لقبول ولاية العهد . فكتب المأمون نص الولاية
(1) عيون أخبار الرضا : 2|149 . (2) مرآة الزمان : 9|15 أ .