عروة الوثقی

بهاءالدین محمد العاملی

نسخه متنی -صفحه : 26/ 18
نمايش فراداده

لبعض النّاس بحسب الظّاهر يزولان ويبطلان في ذلك اليوم و ينسلخ الخلائقعنهما انسلاخا بينا و ينفرد جلّ شانه بهماانفرادا ظاهرا على كلّ احد و في إجراء هذهالصّفات الأربع عليه تعالى تعليل و تمهيدلما اكتنف بها سابقا و لاحقا من اختصاصالحمد سبحانه و قصر العبادة و الاستعانةعليه عزّ سلطانه دائما و لو بمعونة مقامالتّمدّح الى انّ هذه الصّفات هي الموجبةللتخصيص و القصر المذكورين و ان من لميتّصف بها لا يستحقّ ان يحمد فضلا عن انيعبد و في ذكرها بعد اسم الذات الدّال علىاستجماع صفات الكمال تلويح بان من يحمدهالنّاس و يعظمونه انّما يكون حمدهم وتعظيمهم له لأحد أمور أربعة امّا لكونهكاملا في ذاته و صفاته و امّا لكونه محسناإليهم و منعما عليهم و امّا لأنّهم لايرجون الفوز في الاستقبال و الحال بجزيلإحسانه و جليل امتنانه عاجلا و أجلا و امّالأنّهم يخافون من قهره و كمال قدرته وسطوته فكأنّه جلّ و علا يقول يا معشرالنّاس ان كنتم تحمدون و تعظّمون للكمالالذاتي و الكمال الصّفاتى فإنّي أنا اللّهو ان كان للإحسان و التّربية و الأنعامفانا ربّ العالمين و ان كان للرّجاء والطّمع في المستقبل فانا الرّحمن الرّحيمو ان كان للخوف من كمال القدرة و السّطوةفانا مالك يوم الدّين هذا و قد يظنّ انّاستحقاقه جلّ شانه للحمد بسبب الرّحمةالتي هي تفضّل و إحسان ممّا لا يستقيم علىمذهب المعتزلة القائلين بوجوب إيصالالثّواب و قد أسلفنا في تفسير أخر البسملةما يتحتّم به مادّة هذا الظنّ رأسا فإن قلتانّ قولهم بوجوب كلما أصلح بحال العبادعليه تعالى ان ينفى التفضّل بالكلية إذ لامزية في انّ كلّ فرد من افراد الإحسان وأصناف الامتنان أصلح بحالهم فيكون واجبةعليه جلّ شانه فلا يكون متفضّلا بشي‏ءمنها فلا يستحقّ الحمد عليها عندهم فقدعاد المحذور قلت انّه لم يذهب إلى الكلّيةإلّا شرذمة منهم لا يعبأ بهم و لا بكلامهمو المحقّقون على انّ هذه القضيّة جزئيّة وقد نبّه المحقّق الطّوسي في التّجريد و لمينبّه لذلك شرّاح كلامه و الحاصل انّهمانّما يوجبون الأصلح الّذي لو لم يفعلهلكان مناقضا لغرضه قالوا لمّا كان غرضهجلّ شانه من إظهار المعجزة على يد النّبيّصلى الله عليه وآله تصديق الخلق فيجب له انيخلق فيهم ما يصبرونها به ان كانت منالمبصرات و ما يسمعونها به ان كانت منالمسموعات لئلّا يكون بإهمال ذلك مناقضالغرضه و (- كك-) لمّا كان غرضه من خلقنا اننعبده كما قال عزّ و علا و ما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون فيجب عليه إرشادنا الىذلك بإرسال الرّسل صلوات اللّه عليهم والّا لفات الغرض و على هذا فقس و (- ح-) يبقىالجدال معهم في تعليلهم أفعاله تعالىبالأغراض و إجرائهم هذه الآية و أمثالهامن الايات على ظاهرها و سنتكلّم في موضعيليق به إنشاء اللّه تعالى على انّهميقولون انّ وجوب الشّي‏ء لا ينافيالتّفضّل به إذ إنشاء وجوبه من تفضّل سابقكمن الزم نفسه بعهد أو يمين ان يتصدّق علىالمسكين الفلاني بمال جزيل فإنّه إذا أوصلذلك المال اليه عدّ في العرف متفضّلا عليهو لهذا لو اعرض ذلك المسكين عن حمده و شكرهمستندا الى انّ ذلك الإعطاء كان واجباعليه لاستحقّ الذّمّ من جميع العقلاء و مانحن فيه من ذلك القبيل فانّ خلقنا لم يكنواجبا عليه سبحانه لكن لمّا أوجدنا من كتمو إحسانا و ألبسنا خلعة الوجود تفضّلا وتطوّلا و امتنانا لتتاهل للقرب من ساحةجلاله و نستعدّ للاستضائه بأنوار جمالهوجب بسبب ذلك التفضل‏