على طريق البلاغة لشدة إدراك الحاسةإياها «إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا»أي فهم يحتالون لدفع آياتنا بكل ما يجدونالسبيل إليه من شبهة أو تخليط في مناظرة أوغير ذلك من الأمور الفاسدة و قال مجاهدمكرهم استهزاؤهم و تكذيبهم «قُلِ» يا محمدلهم «اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً» أي أقدرجزاء على المكر و معناه أن ما يأتيهم منالعقاب أسرع مما أتوه من المكر أي أوقع فيحقه و قيل أن مكره سبحانه إنزاله العقوبةبهم من حيث لا يشعرون «إِنَّ رُسُلَنا»يعني الملائكة الحفظة «يَكْتُبُونَ ماتَمْكُرُونَ» أي ما تدبرون من سوء التدبيرو في هذا غاية الزجر و التهديد من وجهين(أحدهما) أنه يحفظ مكرهم (و الآخر) أنه أقدرعلى جزائهم و أسرع فيه ثم امتن الله سبحانهعلى خلقه بأن عدد نعمه التي يفعلها بهم فيكل حال فقال «هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْفِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ» أي يمكنكم منالمسير في البر و البحر بما هيأ لكم منآلات السير و هي خلق الدواب و تسخيرها لكملتركبوها في البر و تحملوا عليها أثقالكمو هيأ السفن في البحر و إرسال الرياحالمختلفة التي تجري بالسفن في الجهاتالمختلفة «حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِيالْفُلْكِ» خص الخطاب براكب البحر أي إذاكنتم راكبي السفن في البحر «وَ جَرَيْنَبِهِمْ» أي و جرت السفن بالناس لما ركبوهاعدل عن الخطاب إلى الإخبار عن الغائبتصرفا في الكلام على أنه يجوز أن يكونخطابا لمن كان في تلك الحال و إخبارالغيرهم من الناس «بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ» أيبريح لينة يستطيبونها «وَ فَرِحُوا بِها»أي سروا بتلك الريح لأنها تبلغهم مقصودهمعن أبي مسلم و قيل فرحوا بالسفينة حيثحملتهم و أمتعتهم «جاءَتْها رِيحٌعاصِفٌ» أي جاءت للسفينة ريح عاصف شديدةالهبوب الهائلة «وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُمِنْ كُلِّ مَكانٍ» من البحر و الموجاضطراب البحر و معناه و جاء راكبي البحرالأمواج العظيمة من جميع الوجوه «وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ» أيأيقنوا أنهم دنوا من الهلاك و قيل غلب علىظنهم أنهم سيهلكون لما أحاط بهم منالأمواج «دَعَوُا اللَّهَ» عند هذهالشدائد و الأهوال و التجئوا إليه ليكشفذلك عنهم «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» أيعلى وجه الإخلاص في الاعتقاد و لم يذكرواالأوثان و الأصنام لعلمهم بأنها لا تنفعهمهاهنا شيئا و قالوا «لَئِنْأَنْجَيْتَنا» يا رب «مِنْ هذِهِ» الشدة«لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ» أي منجملة من يشكرك على نعمك و قوله «جاءَتْهارِيحٌ عاصِفٌ» جواب قوله «إِذا كُنْتُمْفِي الْفُلْكِ» و قوله «دَعَوُا اللَّهَ»جواب قوله «وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَبِهِمْ» «فَلَمَّا أَنْجاهُمْ» أي خلصهمالله تعالى من تلك المحن «إِذا هُمْيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِالْحَقِّ» أي يعملون فيها بالمعاصي والفساد و يشتغلون بالظلم على الأنبياء وعلى المسلمين «يا أَيُّهَا النَّاسُإِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْمَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا» أي بغيبعضكم على بعض و ما ينالونه به متاع فيالدنيا و إنما تأتونه لحبكم