مجمع البیان فی تفسیر القرآن

الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسی

جلد 8 -صفحه : 409/ 32
نمايش فراداده

النزول‏

قيل نزلت الآية الأولى في المستضعفين منالمؤمنين بمكة أمروا بالهجرة عنها عنمقاتل و الكلبي و نزل قوله «وَ كَأَيِّنْمِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا» فيجماعة كانوا بمكة يؤذيهم المشركون فأمروابالهجرة إلى المدينة فقالوا كيف نخرجإليها و ليس لنا بها دار و لا عقار و منيطعمنا و من يسقينا.

المعنى‏

ثم بين سبحانه أنه لا عذر لعباده في تركطاعته فقال «يا عِبادِيَ الَّذِينَآمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ» يبعدأقطارها فاهربوا من أرض يمنعكم أهلها منالإيمان و الإخلاص في عبادتي و قال أبو عبد الله (ع) معناه إذا عصي الله فيأرض أنت فيها فاخرج منها إلى غيرها و قيل معناه إن أرض الجنة واسعة عنالجبائي و أكثر المفسرين على القول الأول«فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ» أي اعبدونيخالصا و لا تطيعوا أحدا من خلقي في معصيتيو إياي منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده و قدمر بيانه و قيل إن دخول الفاء للجزاء والتقدير إن ضاق بكم موضع فاعبدوني و لاتعبدوا غيري إن أرضي واسعة أمر سبحانهالمؤمنين إذا كانوا في بلد لا يلتئم فيهلهم أمر دينهم أن ينتقلوا عنه إلى غيره ثمخوفهم بالموت ليهون عليهم الهجرة فقال«كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ» أي كلنفس أحياها الله بحياة خلقها فيه ذائقةمرارة الموت بأي أرض كان فلا تقيموا بدارالشرك خوفا من الموت «ثُمَّ إِلَيْناتُرْجَعُونَ» بعد الموت فنجازيكمبأعمالكم ثم ذكر سبحانه ثواب من هاجر فقال«وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُواالصَّالِحاتِ» يعني المهاجرين«لَنُبَوِّئَنَّهُمْ» أي لننزلنهم «مِنَالْجَنَّةِ غُرَفاً» أي علالي عاليات«تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ»قال ابن عباس لنسكننهم غرف الدر و الزبرجدو الياقوت و لننزلنهم قصور الجنة«خالِدِينَ فِيها» يبقون فيها ببقاء الله«نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ» لله تلكالغرف ثم وصفهم فقال «الَّذِينَصَبَرُوا» على دينهم فلم يتركوه لشدةنالتهم و أذى لحقهم و صبروا على مشاقالطاعات «وَ عَلى‏ رَبِّهِمْيَتَوَكَّلُونَ» في مهمات أمورهم ومهاجرة دورهم ثم قال «وَ كَأَيِّنْ مِنْدَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا» أي و كممن دابة لا يكون رزقها مدخرا معدا عن الحسنو قيل معناه لا تطيق حمل رزقها لضعفها وتأكل بأفواهها عن مجاهد و قيل إن الحيوانأجمع من البهائم و الطيور و غيرهما مما يدبعلى وجه الأرض لا تدخر القوت لغدها إلا ابنآدم و النملة و الفأرة بل تأكل منه قدركفايتها فقط عن ابن عباس «اللَّهُيَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ» أي يرزق تلكالدابة الضعيفة التي لا تقدر على حملرزقها و يرزقكم أيضا فلا تتركوا الهجرةبهذا السبب و عن عطا عن ابن عمر قال خرجنا مع رسول الله(ص) حتى دخل بعض حيطان الأنصار فجعل يلتقطمن التمر و يأكل فقال يا ابن عمر ما لك لاتأكل فقلت لا أشتهيه يا رسول الله قال لكنيأشتهيه و هذه صبح رابعة منذ لم أذق‏