أسرار الآیات و أنوار البینات

محمد بن ابراهیم بن یحیی الشیرازی

نسخه متنی -صفحه : 186/ 68
نمايش فراداده

(3) قاعدة في أن اللّه سبحانه فاعل لما سواهو موجد لما عداه على أربعة أنحاء

الأول الإبداع و هو إيجاده لأفعال تولاهابذاته و هي الإبداعيات.

و معنى الإبداع هو إيجاد الشي‏ء عن العدمأي إيجاده لا من شي‏ء لست أقول من لا شي‏ءو إليه أشار بقوله: «بَدِيعُ السَّماواتِوَ الْأَرْضِ» و قوله: «إِنَّما أَمْرُهُإِذا أَرادَ...».

«وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَلِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ و سَخَّرَلَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ» إلى غيرذلك من الآيات.

الخامس الصناعة و هي المهنة و هي التياستعبد الإنسان فيها و استخلفه و هيالأشياء التي يحتاج صنعة أكثرها إلى ستةأشياء. إلى عنصر يعمل منه و إلى مكان و إلىزمان و إلى حركة و إلى أعضاء و إلى آلة. وهذا الضرب خص الإنسان به و لم يستصلح لهاالملائكة كما استصلح الملائكة لأمور لميستصلح لها الناس و جعل لكل ملك مقامامعلوما «وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌمَعْلُومٌ» و كذا جعل لكل من أصناف الناسمقاما معلوما كما نبه بقوله: «قُلْ كُلٌّيَعْمَلُ عَلى‏ شاكِلَتِهِ» و قوله:«كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْفَرِحُونَ» و قوله صلّى الله عليه وآله:«كل ميسر لما خلق له» و لكن عامة الملائكةلا يعصون اللّه في ما أمرهم وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ لبساطتهم وعدم تركبهم من أمشاج. و الناس فيما أمروا وكلفوا بين مطيع و عاص فهم على القول المجملثلاثة أضرب: ضرب أخلوا بأمره و انسلخوا عماخلقوا لأجله و اتبعوا خطوات الشيطان وعبدوا الطاغوت. و ضرب وقفوا بغاية جهدهمحيثما وقفوا كالموصوف بقوله: «وَ عِبادُالرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىالْأَرْضِ هَوْناً». و ضرب ترددوا بينالطريقين كما قال: «خَلَطُوا عَمَلًاصالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً» فمن رجححسناته على سيئاته فهو موعود بالإحسانإليه.

و على الأنواع الثلاثة دل بقوله: «وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُالْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُالْمَيْمَنَةِ» و على هذا قسم في آخرالسورة و قال: «فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَالْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ...».

و كثير من الناس يعصون اللّه و لا يأتمرونله و لكن يستعملهم اللّه تعالى بغير إرادةللسعي في تصرفه من حيث لا يشعرون كفرعون فيأخذ موسى ابنا له و تربيته إياه و كجمعهالسحرة في إيمانهم باللّه و بموسى و كإخوةيوسف في فعلهم بيوسف ما أفضي به إلى ملكمصر و تمكنه مما مكن فيه و يكون مثلهم فيذلك كما قيل:


  • قصدت مساءتي فاجتلبت مسرتي و قد يحسنالناس من حيث لا يدري‏

  • و قد يحسنالناس من حيث لا يدري‏ و قد يحسنالناس من حيث لا يدري‏

فيكون فعله محمودا و فاعله مذموما كماقيل: رب امرئ أتاك لا يحمد الفعال فيه ويحمد الأفعالا.