و التجرد عن الماديات و الظلمات و هييخالف حراثة الدنيا و هي تحصيل المال والجاه فلا نجاة لأحد إلا لمن كان حاله فيالدنيا كحال المسافر الذي يقتصر منها علىقدر الضرورة و لا سعادة لأحد إلا لمن قدمإلى اللّه عارفا به و بملكوته و آيات جلالهو عظمته و أحب اللّه بقلبه فإن المعرفة والمحبة لا ينالان إلا بدوام الطلب و الفكرو لا يفرغ القلب إليهما إلا بالإعراض عنشواغل الدنيا و الفراغ عن محبة غير اللّه وغير صفاته و أفعاله من حيث هي أفعاله فإنمن أحب أحدا أحب آثاره لأجله.
فأنت يا حبيبي إن كنت من أهل البصيرة فقدعلمت أن مدار النجاة على الأعراض عنالدنيا و أهلها و مدار السعادة الحقيقية والتقرب عند اللّه بالحكمة الإلهية التي هيالمعبر عنها بالإيمان بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ و إن لم تكن من أهلالكشف و البصيرة فكن لا أقل من أهل التقليدو الإيمان بظاهر القرآن و انظر إلى تحذيراللّه تعالى إياك في عدد كثير من الآياتكقوله: «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَالدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّإِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ الآية و كقولهتعالى: «فَأَمَّا مَنْ طَغى وَ آثَرَالْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَهِيَ الْمَأْوى و كقوله: «الَّذِينَيَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْياعَلَى الْآخِرَةِ وَ (يَصُدُّونَ عَنْسَبِيلِ اللَّهِ وَ) يَبْغُونَها عِوَجاًأُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ» و كقوله:«وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِصَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَاللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ذلِكَبِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَالدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ» و قوله:«مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَعَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْنُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَيَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَ مَنْأَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَهاسَعْيَها الآية» فَمِنَ النَّاسِ مَنْيَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ الآيةو في حمعسق مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَالْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيانُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِيالْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ و قوله: «إِنَّالَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْعَنْ آياتِنا غافِلُونَ أُولئِكَمَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوايَكْسِبُونَ» و قوله: «زُيِّنَلِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُالدُّنْيا وَ يَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَآمَنُوا وَ الَّذِينَ اتَّقَوْافَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» و قوله:«تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهالِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي»