فتوحات المکیة فی معرفة الأسرار المالکیة و الملکیة

ابی عبد الله محمد بن علی الحاتمی الطائی المعروف بابن عربی

جلد 2 -صفحه : 694/ 155
نمايش فراداده

بالعزلة ثم إن ارتقى إلى طور أعلى من هذافيجعل عزلته رياضة و تقدمة بين يدي خلوتهلتالف النفس قطع المألوفات من الأنسبالخلق فإنه يرى الأنس بالخلق من العلائقو العوائق الحائلة بينه و بين مطلوبه منالأنس بالله و الانفراد به فإذا انتقل منالعزلة بعد إحكامه شرائطها سهل عليه أمرالخلوة هذا سبب العزلة عند خاصة أهل الله‏

العزلة التي هي نسبة و العزلة التي هيمقام‏

فهذه العزلة نسبة لا مقام و العزلة الأولىالتي ذكرناها مقام مطلوب و لهذا جعلناهافي المقامات من هذا الكتاب و إذا كانتمقاما فهي من المقامات المستصحبة فيالدنيا و الآخرة فللعارفين من أهل الأنس والوصال في العزلة من الدرجات خمسمائة درجةو ثمان و ثلاثون درجة و للعارفين الأدباءالواقفين مائة و ثلاث و أربعون درجة وللملامية فيها من أهل الأنس خمسمائة درجةو سبع درجات و للملامية من أهل الأدبالواقفين معهم مائة و اثنتي عشرة درجة والعزلة المعهودة في عموم أهل الله منالمقامات المقيدة بشرط لا تكون إلا به و هينسبة في التحقيق لا مقام إلا أنها تحصلعنها فوائد أقلها العصمة لها الدعوىصاحبها مسئول و علتها سوء الظن بنفسك أوبمن اعتزلت عنهم و هذا كله في عزلة العمومو هي من عالم الجبروت و الملكوت ما لها قدمفي عالم الشهادة فلا تتعلق معارفها بشي‏ءمن عالم الملك‏

(الباب الحادي و الثمانون في ترك العزلة)


  • لا تفرحن بالاعتزال فإنه نور الإله أجل منك نفاسة لم يعتزل عن نور كون حادث لو أن نور الحق معتزل لما بالنور من فلك البهاء إذا بدا للناظرينأضاءت الأشباح‏

  • جهل و أين اللهو الأرواح‏ و مع الجلالجليسه المصباح‏ و إلى التعلقذاته ترتاح‏ ظهر الوجود ودامت الأفراح‏ للناظرينأضاءت الأشباح‏ للناظرينأضاءت الأشباح‏

مثير العزلة إنما هو خوف القواطع أو رجاءالوصلة

اعلم أيدنا الله و إياك أن مثير العزلةإنما هو خوف القواطع عن الوصلة بالجنابالإلهي أو رجاء الوصلة بالعزلة به لما كانفي حجاب نفسه و ظلمة كونه و حقيقة ذاتهيبعثها على طلب الوصلة ما هي عليه منالصورة الإلهية كما يطلب الرحم الوصلةبالرحمن لما كانت شجنة منه‏

ارتباط الكون بالله وصف ذاتى للكون‏

ثم إن العبد رأى ارتباط الكون باللهارتباطا لا يمكن الانفكاك عنه لأنه وصفذاتي له و تجلى له في هذا الارتباط و عرف منهذا التجلي وجوبه به و أنه لا تثبت لمطلوبههذه الرتبة إلا به و أنه سرها الذي لو بطللبطلت الربوبية و رآه في كل شي‏ء مثل ما هوعنده و نسبة كل شي‏ء إليه كنسبته هو إليهفلم يتمكن له الاعتزال‏

النور و المشكاة و المصباح‏

فتأدب مع قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِكَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ أي صفة نورهصفة المصباح و لم يقل صفة الشمس فإنالإمداد في نور الشمس يخفى بخلاف المصباحفإن الزيت و الدهن يمده لبقاء الإضاءة فهوباق بإمداد دهني من شجرة نسبة الجهاتإليها نسبة واحدة منزهة عن الاختصاص بحكمجهة و هو قوله لا شَرْقِيَّةٍ وَ لاغَرْبِيَّةٍ و هذا الإمداد من نور السبحاتالظاهرة من وراء سبحات العزة و الكبرياء والجلال فما ينفذ من نور سبحات هذه الحجب هونُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و مثلهكمثل المصباح و النور الذي في الدهن معلومغير مشهود وضوء المصباح من أثره يدل عليه وعلى الحقيقة ما هو نور و إنما هو سبب لبقاءالنور و استمراره فالنور العلمي منفر ظلمةالجهل من النفس فإذا أضاءت ذات النفسأبصرت ارتباطها بربها في كونها و في كون كلكون فلم تر عمن تعتزل‏

النشأتان الظاهرة و الباطنة شاهدتان علىالنفس المدبرة

و جعل هذا النور في مشكاة و زجاجة مخافةالهواء أن يجيره و يشتد عليه فيطفيه فكانمشكاته و زجاجته نشأته الظاهرة و الباطنةفإنهما من حيث هما عاصمان فإنهما من الذينيُسَبِّحُونَ بحمد الله اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ و هما اللذانيشهدان على النفس المدبرة إذا أنكرت بينيدي الله فهما أهل عدالة قال تعالى شَهِدَعَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وهما من النشأة الباطنة و جلودهم و هي منالنشأة الظاهرة فما من شخص يروم مخالفة حقإلا و نشأتاه تقولان له لا تفعل أيها الملكو لا تحوجنا أن نكون سببا في إهلاكك فإنالله إن استشهدنا شهدنا أ لا ترى الرسول صلّى الله عليه وسلّم لمابلغ و أنذر و وعد و أوعد قال لقومه إنكملتسئلون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهدأنك بلغت و نصحت و أديت فقال اللهم اشهد و قد سأل هود قومه مع شركهم فقالاشْهَدُوا أَنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّاتُشْرِكُونَ فاستشهدهم لعلمه أنهم لا بدأن يسألهم و نحن رعيتك و لا حركة لنا إلا بكفلا تحركنا إلا