و كل طلب فيوذن بمناسبة فإن الحاصل لايبتغى فلا يكون الطلب إلا في شيء ليس عندالطالب في حال الطلب و لهذا لا يتعلق إلابالعدم الذي هو عين المعدوم و قد يكون ذلكالمطلوب في عين موجودة و لا عين موجودة مافي الكون إلا طالب فما في الكون إلا فقيرلما طلب و يتميز الفقر عن سائر الصفات بأمرلا يكون لغيره و هو أنه صفة للمعدوم والموجود و كل صفة وجودية من شرطها أن تقومبالموجود أ لا ترى الممكن في حال عدمهيفتقر إلى المرجح فإذا وجد افتقر أيضا إلىاستمرار الوجود له و حفظه عليه فلا يزالفقيرا ذا فقر في حال وجوده و في حال عدمهفهو أعم المقامات حكما فالذي يكتسب من هذهالصفة إضافة خاصة و هي الفقر إلى الله لاإلى غيره و به يثنى عليه و هو الذي يسعده ويقربه إلى الله و يشركه في هذه الإضافة كلوصف جبل عليه الإنسان مثل البخل و الحرص والشرة و الحسد و غير ذلك تشرف و تعلوبالإضافة و المصرف و تتضع و تسفل بالإضافةو المصرف لا فقر أعظم من فقر الملوك لأنهمفتقر إلى مشاغلي و إلى كل ما يصح له بهالملك و هو فقير إلى ملكه الذي يبقى عليهاسم الملك قيل للسلطان صلاح الدين يوسفابن أيوب رحمه الله سنة إحدى و ثمانين وخمسمائة لما ذكر أبو القمح المنجم أن ريحاعظيمة في هذه السنة تكون لا تمر على شيءإِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ فأشارعليه بعض جلسائه أن يتخذ في الأرض سربايكون فيه ليلة هبوب تلك الريح فقال و يهلكالناس قيل له نعم فقال إذا هلك الناس فعلىمن أكون ملكا أو سلطانا لا خير في الحياةبعد ذهاب الملك دعني أموت ملكا و الله لافعلت فانظر ما أحسن هذا فكل موجود إضافيمتحقق بالفقر و إن لم يشعر بذلك و إن وجدهفلا يعلم أن ذلك هو المسمى فقرا و إذا كانحكمه هذا فالفقر إلى الله تعالى الذيبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ثابت وموجود و لذلك الإشارة بقوله تعالىسَنَكْتُبُ ما قالُوا أي سنوجبه أيسيعلمون أن الفقر نعت واجب لا يشكون فيهوجوبا ذاتيا من أجل قولهم وَ نَحْنُأَغْنِياءُ لأنهم انحجبوا عما هو الأمرعليه من فقرهم و لذلك كانوا كافرين فسترواما هم به عالمون ذوقا من أنفسهم لا يقدرونعلى إنكاره و إن باهتوا فالحال يكذبهمفقالوا نَحْنُ أَغْنِياءُ و ليسوابأغنياء و قالوا إِنَّ الله فَقِيرٌ و ليسبفقير من حيث ذاته فإنه غَنِيٌّ عَنِالْعالَمِينَ و قد تقدم في مواضع من هذاالكتاب معنى قوله فَإِنَّ الله غَنِيٌّعَنِ الْعالَمِينَ و إنه ليس مثل قوله وَالله هُوَ الْغَنِيُّ و لا مثل قوله وَالله الْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُفإذا علمت إن الفقر بهذه المثابة فالزماستحضاره في كل نفس و على كل حال و علق فقركبالله مطلقا من غير تعيين فهو أولى بك و إنلم تقدر على تحصيل عدم التعيين فلا أقل إنتعلقه بالله تعالى مع التعيين أوحى الله تعالى إلى موسى يا موسى لا تجعلغيري موضع حاجتك و سلني حتى الملح تلقيه فيعجينك هذا تعليم الله نبيه موسى (ع) و لقد رأيتهسبحانه و تعالى في النوم فقال لي وكلني فيأمورك فوكلته فما رأيت إلا عصمة محضة للهالحمد على ذلك جعلنا الله تعالى منالفقراء إليه به فإن الفقر إليه تعالى بههو عين الغني لأنه الغني و أنت به فقيرفأنت الغني به عن العالمين فاعلم ذلك
اعلم أيدك الله أن الغني صفة ذاتية للحقتعالى فإن الله لَهُوَ الْغَنِيُّالْحَمِيدُ أي المثنى عليه بهذه الصفة وأما الغني للعبد فهو غنى النفس بالله عنالعالمين قال رسول الله (ص) ليس الغني عن كثرة العرضلكن الغني غنى النفس خرجه الترمذي و العرض المال و هذه كلمة نبوية صحيحة فإنغنى الإنسان عن العالم لا يصح و يصح غناهعن