فتوحات المکیة فی معرفة الأسرار المالکیة و الملکیة

ابی عبد الله محمد بن علی الحاتمی الطائی المعروف بابن عربی

جلد 2 -صفحه : 694/ 299
نمايش فراداده

العلم الحاصل عن النظر الفكري لا يسلمأبدا من دخول الشبه عليه و الحيرة فيه والقدح في الأمر الموصل إليه‏

لا يصح العلم لأحد إلا لمن عرف الأشياءبذاته‏

و اعلم أنه لا يصح العلم لأحد إلا لمن عرفالأشياء بذاته و كل من عرف شيئا بأمر زائدعلى ذاته فهو مقلد لذلك الزائد فيما أعطاهو ما في الوجود من علم الأشياء بذاته إلاواحد و كل ما سوى ذلك الواحد فعلمهبالأشياء و غير الأشياء تقليد و إذا ثبتأنه لا يصح فيما سوى الله العلم بشي‏ء إلاعن تقليد فلنقلد الله و لا سيما في العلمبه و إنما قلنا لا يصح العلم بأمر ما فيماسوى الله إلا بالتقليد فإن الإنسان لايعلم شيئا إلا بقوة ما من قواه التي أعطاهالله و هي الحواس و العقل فالإنسان لا بدأن يقلد حسه فيما يعطيه و قد يغلط و قديوافق الأمر على ما هو عليه في نفسه أويقلد عقله فيما يعطيه من ضرورة أو نظر والعقل يقلد الفكر و منه صحيح و فاسد فيكونعلمه بالأمور بالاتفاق فما ثم إلا تقليد وإذا كان الأمر على ما قلناه فينبغي للعاقلإذا أراد أن يعرف الله فليقلده فيما أخبربه عن نفسه في كتبه و على ألسنة رسله و إذاأراد أن يعرف الأشياء فلا يعرفها بماتعطيه قواه و ليسع بكثرة الطاعات حتى يكونالحق سمعه و بصره و جميع قواه فيعرف الأموركلها بالله و يعرف الله بالله إذ و لا بد منالتقليد و إذا عرفت الله بالله و الأموركلها بالله لم يدخل عليك في ذلك جهل و لاشبهة و لا شك و لا ريب فقد نبهتك على أمر ماطرق سمعك فإن العقلاء من أهل النظريتخيلون أنهم علماء بما أعطاهم النظر والحس و العقل و هم في مقام التقليد لهم و مامن قوة إلا و لها غلط قد علموه و مع هذاغالطوا أنفسهم و فرقوا بين ما يغلط فيهالحس و العقل و الفكر و بين ما لا يغلط فيهو ما يدريهم لعل الذي جعلوه غلطا يكونصحيحا و لا مزيل لهذا الداء العضال إلا منيكون علمه بكل معلوم بالله لا بغيره و هوسبحانه عالم بذاته لا بأمر زائد فلا بد أنتكون أنت عالما بما يعلمه به سبحانه لأنكقلدت من يعلم و لا يجهل و لا يقلد في علمه وكل من يقلد سوى الله فإنه قلد من يدخلهالغلط و تكون إصابته بالاتفاق فإن قيل لناو من أين علمت هذا و ربما دخل لك الغلط و ماتشعر به في هذه التقسيمات و أنت فيها مقلدلمن يغلط و هو العقل و الفكر قلنا صدقت ولكن لما لم نر إلا التقليد ترجح عندنا أننقلد هذا المسمى برسول و المسمى بأنه كلامالله و علمنا عليه تقليدا حتى كان الحقسمعنا و بصرنا فعلمنا الأشياء بالله وعرفنا هذه التقاسيم بالله فكان إصابتنا فيتقليد هذا بالاتفاق لأنا قلنا مهما أصابالعقل أو شي‏ء من القوي أمرا ما على ما هوعليه في نفسه إنما يكون بالاتفاق فما قلناإنه يخطئ في كل حال و إنما قلنا لا نعلمخطأه من إصابته فلما كان الحق جميع قواه وعلم الأمور بالله عند ذلك علم الإصابة فيالقوي من الغلط و هذا الذي ذهبنا إليه مايقدر أحد على إنكاره فإنه يجده من نفسهفإذا تقرر هذا فاشتغل بامتثال ما أمركالله به من العمل بطاعته و مراقبة قلبكفيما يخطر فيه و الحياء من الله و الوقوفعند حدوده و الانفراد به و إيثار جنابه حتىيكون الحق جميع قواك فتكون على بصيرة منأمرك و قد نصحتك إذ قد رأينا الحق أخبر عننفسه بأمور تردها الأدلة العقلية والأفكار الصحيحة مع إقامة أدلتها علىتصديق المخبر و لزوم الايمان بها فقلد ربكإذ و لا بد من التقليد و لا تقلد عقلك فيتأويله فإن عقلك قد أجمع معك على التقليدبصحة هذا القول أنه عن الله فما لك منازعمنك يقدح فيما عندك فلا تقلد عقلك فيالتأويل و اصرف علمه إلى الله قائله ثماعمل حتى تنزل في العلم به كهو فحينئذ تكونعارفا و تلك المعرفة المطلوبة و العلمالصحيح الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ منبَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا من خَلْفِهِ و بعدأن تقرر هذا فلنرجع إلى الطريقة المعهودةفي هذا الباب التي بأيدي الناس من أهله فإنهذه الطريقة التي نبهناك عليها طريقةغريبة فنقول إن المحاسبي ذكر أن المعرفةهي العلم بأربعة أشياء الله و النفس والدنيا و الشيطان و الذي قال رسول الله (ص)إن‏ المعرفة بالله ما لها طريق إلا المعرفةبالنفس‏ فقال من عرف نفسه عرف ربه‏ و قال أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه‏ فجعلك دليلا أي جعل معرفتك بك دليلا علىمعرفتك به فأما بطريقة ما وصفك بما وصف بهنفسه من ذات و صفات و جعله إياك خليفةنائبا عنه في أرضه و إما بما أنت عليه منالافتقار إليه في وجودك و أما الأمران معالا بد من ذلك و رأينا الله يقول في العلمبالله المعبر عنه بالمعرفة سَنُرِيهِمْآياتِنا في الْآفاقِ وَ في أَنْفُسِهِمْحَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُالْحَقُّ فأحالنا الحق على الآفاق و هو ماخرج عنا و على أنفسنا و هو ما نحن عليه و بهفإذا وقفنا على الأمرين معا حينئذ عرفناهو تبين لنا أنه الحق فدلالة الله أتم و ذلكإنا إذا نظرنا في نفوسنا ابتداء لم نعلم هليعطي النظر فيما خرج عنا من العالم و هو