فحلال و حرام بين *** ما هنا بينهما منمشتبه
إنما الشبهة من قال أنا *** عين من أسرى بهما أنا به
و هو يدري أنه وارثه *** ليس يدري ذاك غيرالمنتبه
[ميراث الأنبياء ما هو]
قال الله تعالى وَ لَقَدْ كَتَبْنا فيالزَّبُورِ من بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّالْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَالصَّالِحُونَ و
قال (ص) العلماء ورثة الأنبياء
و
ذكر أن الأنبياء ورثوا العلم ما ورثوادينارا و لا درهما
فالوارث مستخدم بالمعنى من ورث منه ماجمعه غير إن الموروث في مثل هذا الورث مانقصه شيء من علمه بوراثة الوارث منهففارق ميراث الدينار و الدرهم بهذهالحقيقة و الله يرث الْأَرْضَ وَ منعَلَيْها مما تعلق به علمه من العلمالابتلائي فهذا هو قدر ميراث الحق منعباده و هو قوله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَفاستخدمهم بما ابتلاهم حتى يعلمالمجاهدين من عباده و الصابرين و يبلوأخبارهم و ما عدى هذا النوع في حق الحق فهوعلم لا علم وراثة فكان الورثة من طريقالمعنى استخدموا من ورثوا منه العلم الذيحصله من الله بحكم الكسب ابتداء و بحكمالتكليف كل ذلك ورثوا منه الورثة من علماءالأمم و مما ورثوا منه قرب قاب قوسين و هوقولنا الثاني أعني الذي ينبغي للأولياء منهذا التقريب المحمدي ممن قرب منه هذاالقرب فالأول من ذلك له (ص) و الثاني للوارثو هو عينه و إنما جعلناه ثانيا لكونه ماحصل له حتى تقدم به هذا الرسول المعين (ص)فناله منه فهو في غاية البيان لا يقبلالشبه هذا العلم الموروث مثل ما يقبلهاالعلم النظري و لهذا نبه أبو المعالي لماذكر النظر قال بحصول العلم عقيب النظرضرورة فلو كان ذلك العلم الحاصل عقيبالنظر نتيجة النظر ضرورة لما قبل الدخلبعد ذلك و لا الشبهة مثل ما لا يقبل ذلكالعلم الضروري فتأولوا على إمام الحرمينما لم يقصده بكلامه و إنما أراد رضي اللهعنه ما أردناه أن النظر جعله الله سببا منالأسباب يفعل الأشياء عنده لا به فإذا و فيالنظر في الدليل حقه خلق الله له العلمالضروري في نفسه ليس غير هذا فاعتماده علىالعلم الضروري الذي لا يقبل الشبه فإن لميخلق له العلم الضروري فهو العالم الذييقبل الدخل فيما علمه فيعلم عند ذلك أنه ماعلمه علما ضروريا و لهذا ما يقبل الدخل إلادليله لا ما يقول إنه علمه عقيب النظرفرجوعه أو توقفه عما كان أنتج له ذلكالدليل أخرجه أن يكون ذلك عنده علماضروريا فليفرق الوارث في علمه بربه بين مايأخذه ورثا و بين ما يأخذه ابتداء من غيرورث فأي عامل من العاملين عمل بأمر مشروعله من نص لا من تأويل و حصل له عن ذلك العملعلم بالله فهو من العلم الموروث ثم إنه لايخلو ذلك النص المعمول به هل كان شرعا لمنقبل محمد (ص) أو لم يكن إلا من الشرع المختصبه لا من الشرع المقرر الذي قرره لأمته مماكان الله قد تعبد به نبيا قبله فوارث مثلهذا وارث من كان ذلك العمل شرعه منالأنبياء بلغوا ما بلغوا و وارث أيضامحمدا (ص) فيه فهو وارث من وارث فإن كان ممااختص به رسول الله (ص) فالوارث وارث محمد (ص)فيه خاصة لا ينتسب إلى غيره من الأنبياء (ع)و يتميز بذلك عن سائر ورثة علماء الأنبياء(ع) قبله و يحشر بذلك العلم في صفوفالأنبياء (ع) و خلف محمد (ص) فإن نشأة الآخرةتشبه في بعض الأحكام النشأة البرزخية فترىنفسها و هي واحدة في صور كثيرة و أماكنمختلفة في الآن الواحد فيرى نفسه إن كانورث عن وارث خلف محمد (ص) و خلف كل نبي كانذلك العمل شرعا له و لو كانوا مائة ألفلرأى نفسه في أماكن على عددهم و في صور ويعلم أنه هو و ليس غيره في كل صورة و هو معكونه واحدا عين كل صورة و هكذا يكون يومالقيامة فإن النبي (ص) يطلبه الناس فيمواطن القيامة فيجدونه من حيث طلبهم في كلموطن يقتضيه ذلك الطلب في الوقت الذي يجدهالطالب الآخر في الموطن الآخر بعينه فمنلم يجده في طلبه في موطن ما فإنما ذلكلكونه طلبه في غير الموطن الذي يقتضيهطلبه فإن طلبه في موطن اقتضى حاله الجهللوجده فذلك الجهل إذا وقع إن وقع فسببه ماذكرناه و هو غير واقع و الله أعلم ثم نرجع ونقول و إن كان ذلك العمل الذي أقيم فيهالعبد لا عن نص مشروع بل كان قلد فيهمجتهدا من علماء الأمة صاحب نظر و تأويلفيما حكم به لا عن نص من ذلك المجتهد اتبعهفإنه يكون يوم القيامة وارث ذلك المجتهد ومتبعا إياه و متبعا أيضا و النبي (ص)