بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
"قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاءوتنزع الملك من تشاء وتعز من تشاء وتذلك منتشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير،تولج الليل في النهار وتولج النهار فيالليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت منالحي وترزق من تشاء بغير حساب".
فسبحان الله من إله حكيم قادر، ومليكمقتدر قاهر، يعطي العاجز الحقير، ويمنعالبطل الأيد الكبير، ويرفع الخاملالذليل، ويضع ذا العز المنيع والمجدالأثيل، ويعز المحتقر الطريد المجفوالشريد، ويذل أولى الحد الحديد، والعدالعديد، وأرباب الألوية والبنود، ومالكيأزمة العساكر والجنود، ويؤتى مله من لميكن شيئاً مذكورا، ولا عرف له أبا نبيهاوجدا مشهوراً، بل نشأ كلاًّ على مولاهوخادما لسواه، تجبهه وتشنؤه الناس، ولايرعاه سائر الأجناس، لا يقدر على نفع نفسهفضلا عن الغير، ولا يستطيع دفع ما ينزل بهمن مساءة وضير، عجزا وشقاء وخمولاواختفاء، وينزع نعت الملك ممن تهابه أسدالشرى في غِيلها، وتخضع لجلالته عتاةالأبطال يقظّها وقِظيظها، وتخنع لخنزوانةسلطانه حماة الكماة بجمعها وجميعها، وتذللسطوته ملوك الجبابرة وأقيالها، ويأتمربأوامره العساكر الكثيرة العدد، ويقتديبعوائده الخلائق مدى الأبد.
والحمد لله على حالتي منعه وعطائه،وابتلاءه وبلائه، وسراته وضرائه، ونعمهوبأسائه، أهل الثناء والمجد، ومستحقالشكر والحمد: "لا يسأل عما يفعل وهميسألون"، "بيده ملكوت كل شيء وإليهترجعون" ولا إله إلا الله الواحد الأحد،الفرد الصمد، الذي "لم يلد ولم يولد ولميكن له كفوا أحد" والله أكبر، "لا يحيطونبشيء من علمه إلا بما شاء" ولا تدرك منعظمته العقول إلا ما أخبر به عنه الرسلوالأنبياء. وصلى الله على نبينا محمد الذيأذهب الشرك من الأكاسرة، ومحا بشريعتهعظماء الروم القياصرة، وأزال بملتهالأصنام والأوثان، وأحمد بظهوره بيوتالنيران، وجمع له أسود العب وقد كانت فيجزيرتها متفرقة، ولم ببركته شعثها بعدماغبرت زماناً وهي متمزقة، وألف قلوبها علىموالاته وطاعته، وحبب إليها المبادرة إلىمبايعته على الموت ومتابعته، فتواصلوابعد القطعية والتدابر، وتحابوا في اللهكأن لم ينشئوا على البغضاء والتنافر، حتىصاروا باتباع ملته، والإقتداء بشريعته،من رعاية الشاء والبعير، إلى سياسة الجمالغفير، وبعد اقتعاد سنام الناقةوالقعود، وملازمة بيت الشعر والعمود،وأكل القصوم والشيح، ونزول القفر الفسيح،إلى ارتقاء المنابر والسرير، وتوسدالأرائك على الحرير، وارتباط المسومةالجياد، واقتناء ما لا يحصى من الخدموالعتاد، بما فتح الله عليهم من غنائمملوك الأرض، الذين أخذوهم بالقوة والقهر،وحووا ممالكهم بتأييد الله لهم والنصر،وأورثوها أبناء أبنائهم، وأحفادهم وأحفادأحفادهم. فلما خالفوا ما جاءهم به رسولهممن الهدى، أحلهم الرزايا المجيحة والردى،وسلط عليهم من رعاع الغوغاء وآحاد الدهماءمن ألحقهم بعد الملك بالهلك، وحطهم بعدالرفعة، وأذلهم بعد المنعة، وصيرهم من رتبالملوك إلى حالة العبد المملوك، جزاء بمااجترحوا من السيئات، واقترفوا من الكبائرالموبقات، واستحلوا من الحرمات،واستهواهم به الشيطان من إتباع الشهوات،وليعتبر أولو البصائر والأفهام، ويخشىأهل النهى مواقع نقم الله العزيز ذيالانتقام، لا إله إلا هو سبحانه.