مواعظ و الحکم

مرتضی المطهری‏

نسخه متنی -صفحه : 48/ 8
نمايش فراداده

طريق السعادة

قال سبحانه في قرآنه الكريم: (وأتواالبيوت من أبوابها). (البقرة: 188)

ربما يبدو هذا الأمر بسيطاً ويسيراً، ذلكأن كل إنسان يتمتع بقدر من الشعوروالإدراك إذا ما أراد أن يدخل بناءً ما كأنيكون منزلاً أو دائرة فإنه يدخل من خلالالباب ولا يعبر الجدار، وهذه قاعدة عامةلا تنحصر بالمنزل أو الدائرة بل تتعدى ذلكلتشمل كل شؤون الحياة. فالحياة والسعادةتشبه بناءً مبنياً باللبن والطين ولهأبواب، وعلى الإنسان أن يعرف تلك الأبوابأولاً ثم يعود نفسه عليها ثانياً أي يسلكالطريق المستقيم والسوي لدخول الحياة ومنثم البحث عن السعاد.

وهذه القاعدة العامة في حياة البشر تحتاجإلى بصيرة لتشخيص السبل الصحيحة للدخولإلى دائرة الحياة لكي لا يبقى المرء خلفجدرانها عاطلاً حيراناً.

إن العديد من الناس يقضون أعمارهم خلفالجدران بمنأى عن السعادة مرددين: "لم نفهمشيئاً من الحياة، إنها حياة بلا معنى"وهؤلاء يقضون حياتهم حيارى ضائعين وقدتتعاظم حيرتهم فتتحول إلى نوع من التشاؤموالحساسية ومن ثم الغرور فإذا بهم يدعوناكتشاف حقيقة الحياة وزيفها ووهم السعادةوخيالها مؤكدين أصالة الألم والشقاء،ولأن الآخرين لا يتمتعون برهافة حسهم؛فإنهم لا يدركون هذه الحقيقة!

إن هؤلاء أنفسهم لا يشعرون بانعدامالرؤية لديهم وبقاءهم خلف جدران الحياةوقد قضوا أعمارهم دون أن يعثروا على بابيمكنهم من الدخول.

لقد تصوروا أول حفرة صادفتهم طريقاً وعلىأساس هذا التصور الخاطىء كانوا ينأون عنالطريق الصحيح يوماً بعد آخر فإذا هميقضون عمرهم في الحفر المظلمة، وعلى حدتعبير أحد العلماء: لقد هيأوا أنفسهمللإحساس بالالم والشقاء فإذا بهم يصرخونويتألمون لأقل شيء يصيبهم وقد تبلدتأحاسيسهم تجاه أسباب السعادة.

قال سبحانه وتعالى: (من عمل صالحاً من ذكرأو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبةولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).(النحل: 97)

وينبغي الإشارة هنا إلى أن القرآن الكريمفي هذه الآية المباركة لا يعتبر الكفاروالمسيئين أحياءً، ذلك أن شرط الحياةالحقيقية والشعور بالسعادة هو الإيمان،وعندها يدرك المرء أن الحياة حافلةبالمعاني زاخرة بالسعادة، فإذا هم يعيشونأوقاتهم دون ألم وشقاء وعذاب.

لقد أوضح الأنبياء طريق الحياة وبعبارةاخرى أشاروا إلى الباب الذي ينفتح علىالحياة الحقيقية والسعادة.

لقد جاءوا ليعلموا الإنسان أن الكذبوالخيانة وعبادة الذات والمصالح الشخصيةوالأحقاد الدفينة ليست طرقاً للوصول إلىالسعادة والطمأنينة، إن طريق السعادة هوالصدق والاستقامة والإحسان والأخلاقالحسنة، وعمل الخير والعطف؛ إن الإيمانبالغيب ومن ثم الإحسان انطلاقاً من ذلكالإيمان هو وحده الذي يهب القلب الطمأنينةوالشعور بالسعادة.

وقد ورد في الحديث الشريف: "إن الله جعلالروح والراحة في الرضا واليقين والهمّوالحزن في الشك والسخط (1)".

واليقين هو الإيمان المتين والثابت بأنلهذا الكون مدبراً حكيماً وأنه ارسلالأنبياء مبشرين ومنذرين، وأنه لا مفر منيوم الجزاء عاجلاً كان أم آجلاً، فمن يعملمثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةشراً يره، وأما الرضا فهو الطمأنينةوالتسليم إلى حكم الله وفرائضه وأداءالواجبات.

يقول الإمام زين العابدين عليه السلام فيدعاء له: "اللهم صل على محمد وآل محمد وبلغبإيماني أكمل الإيمان واجعل يقيني أفضلاليقين وانتهِ بنيتي إلى أحسن النياتوبعملي إلى أحسن الأعمال (2)".

وهذا منتهى السعادة التي ينشدها الإنسان:طمأنينة في الفكر، وطهارة في القلب،وإحسان في العمل؛ فالحياة الطاهرة هيالحياة السعيدة.