الشام و هي جنة الدنيا لهؤلاء العرب وتخرج عنها بلا قتال و لا تعذر و تجتهد؟فقال له: و يحك يا شيخ! فإلى كم تقاتلهم وأنت تعلم أنا قد قاتلناهم بتدمر وبأجنادين و مرج الأصفر و ببعلبك و دمشق وفحل و بلد الأردن و أرض البلقاء (1) حتىأخذوا منكم مدينة مثل مدينة حمص و هي أفضلكورة لكم بالشام، فقال له الشيخ: أيهاالملك! إنه ربما كان ذلك و العساكر تهزم وتهزم، و لكن أشير عليك أن تبعث إلى جميعالبلاد ممن هو على دينك فتحشرهم إليك ثمتلقى هؤلاء العرب بجيش عظيم لم تلقهمبمثله فيما مضى من الأيام التي مضت، فإنظهرت فذلك الذي تريد، و إن تكن الأخرى وهزمت علمت الروم أنك قد أبليت عذرا فلايضعفون لك رأيا.
قال: فعندها كتب هرقل إلى القسطنطينية (2) وإلى رومية (3) و عمورية و لهوانة واليعقوبية و السماوية و المسيحية و جماعةمدائن الروم فأمرهم بالمصير إليه. ثم كتبإلى أهل بيت المقدس و إلى قيسارية (4) و إلىأهل أرمينية و الجزيرة أن لا يبقى أحد منهمممن أدرك الحلم و حمل السلام و كان على دينهرقل إلا صار إليه، فأجابته أهل دينالنصرانية من جميع البلاد من أرض الشام وبلاد الشام و كور أرمينية و أرض الجزيرة،فصار في خلق عظيم لا يحصيهم إلا الذيخلقهم، ثم دعا بوزيره الأعظم و اسمه ماهان(5) فتوجه بتاج و وصله بمائة ألف درهم و ضمإليه مائة و ألف من خواص جيشه و من الذينيعتمد عليهم ثم قال له: اعلم يا ماهان!
قال: ثم أقبل هرقل إلى ماهان فقال له: اعلمأني اخترتك مقدما على جميع
(1) عند الأزدي 151: و في غير موطن منالمواطن، كل ذلك تنهزمون و تفرون و تغلبون.
(2) قسطنطينية: كانت دار ملك الروم، بينها وبين بلاد المسلمين البحر المالح، و بينهاو بين عمورية ستين ميلا، و عمورية دونالخليج.
(3) رومية: هناك روميتان، إحداهما بالروم،و الأخرى بالمدائن.
و رومية الروم هي مدينة رياستهم و علمهم وهي شمالي و غربي القسطنطينية بينهما مسيرةخمسين يوما.
(4) قيسارية: على ساحل بحر الشام، تعد فيأعمال فلسطين بينها و بين طبرية ثلاثةأيام.
(5) بالأصل باهان، و ما أثبتناه عن فتوحالشام للواقدي 1/ 160. و قد ورد في كل مواضعالأصل «باهان» و عند الأزدي و ابن الأثير«باهان».