هي الاطّراد بمعنى أن السنة التاريخية مطردة ليست علاقة عشوائية وليست رابطة قائمة على أساس الصدفة والاتفاق وإنما هي علاقة ذات طابع موضوعي لا تتخلف في الحالات الاعتيادية التي تجري فيها الطبيعة والكون على السنن العامة، وكان التأكيد على طابع الاطراد في السنة تأكيدا على الطابع العلمي للقانون التاريخي، لان القانون العلمي أهم مميز يميزه عن بقية المعادلات والفروض هو الاطراد والتتابع وعدم التخلف.
ومن هنا استهدف القرآن الكريم، من خلال التأكيد على طابع الاطراد في السنة التاريخية، استهدف أن يؤكد على الطابع العلمي لهذه السنة وأن يخلق في الإنسان المسلم شعوراً واعياً على جريان أحداث التاريخ متبصراً لا عشوائياً ولا مستسلماً ولا ساذجاً، (ولن تجد لسنّة اللّه تبديلاً. )(38)، (ولا تجد لسنّتنا تحويلاً. )(39) «ولا مبدّل لكلمات اللّه »(40.) هذه النصوص القرآنية تقدم استعراضها تؤكد هذه النصوص طابع الاستمرارية والاطراد أي طابع الموضوعية والعلمية للسنة التاريخية، وتستنكر هذه النصوص الشريفة كما تقدم في بعضها، أن يكون هناك تفكير أو طمع لدى جماعة من الجماعات، بأن تكون مستثناة من سنة التاريخ (أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر الله ألا انّ نصر اللّه قريب)(41) هذه الآية تستنكر على من يطمع في أن يكون حالة استثنائية من سنة التاريخ كما شرحنا في ما مضى.
إذن الروح العامة للقرآن تؤكد على هذه الحقيقة الأولى وهي حقيقة الاطراد في السنة التاريخية الذي يعطيها الطابع العلمي من أجل تربية الإنسان على ذهنية واعية علمية يتصرف في إطارها ومن خلالها مع أحداث التاريخ.