ولا يتمكّن منه الا بتحصيل ثالث المراتبالمتقدّمة من اليقين، ولا أقلّ منثانيهما، إذ بعدما حصل له أحد اليقينينبما له بعد مفارقة النفوس السبعيّةوالبهيميّة والشياطين الانسيّة و الجنيّةواتّصاله بالمباديء العالية ووصوله إلىالحضرة القدسية المتعالية كان دائماًطالباً للممات متعطّذشاً شائقاًكالمستسقي للنوع السرمدي الحقيقي منالحياة.
وهذا أحد معاني قوله صلّى الله عليه وآله:«الدنيا سجن المؤمن».
وقد عرفت أنّ هذه المرتبة لاتحصل الا بعدرياضات شاقّة ومجاهدات صعبة، وقطعالعلائق والشهوات بالمرّة، وهجر الرسوموالعادات بالكلّية.
ثم إنّ سائر التصوّرات الباعثة للخوفالمزبور يرجع حاصلها إلى نقص في التعقّلوجهل بالموت وما بعده، وحزن على فوتالحطام الذي عنده، وهذه سهلة الزوالبتحصيل فضائل العاقلة من العلم والفكرواليقين، وسلب العلاقة بالزخارف الفانيةبمشاهده أمثاله والاعتبار ببني نوعه منعدم وفاء الدنيا بهم، فيتفكّر في أنّ توقعالبقاء الأبدي له مستحيل لكون من الكائناتاللازم فسادها، كما تقرّر في محلّه.
وأنّذ ما يفعله الباري تعالى هو النظامالأصلح الأكمل الذي لايعتريه شائبة قصوروخلل.
وأنّ خوفه منه إن كان لأجل حرمانه عناقتناء الشهوات الحسّية فلاريب في أنه بعدكبر سنّه تنحلّ بنيته وتضعف قواه وتزولصحّته التي كان بها يلتذّذذ منها، ولايخلوحينئذ عن ألم حادث ومرض جديد دائماً، وعن
(1) الجامع الصغير: 2/17.