باسمه تعالى
ليس في وسع الباحث ـ مهما علا وسما ـ أن يأتي بكمال وصف ما أوتيت سيدتنا الكبرى عليها السلام من الفضائل والشموخ، ولا أن يأمل الوصول إلى شأو ما منحه الله تعالى إياها فيبرز نواحي ذلك ويوفيه. فإذن لا مناص إلا بسط الذراع بوصيد أبيها المكرم وزوجها المطهر وأولادها المنتجبين والاقتباس مما أشادوا به في شأنها العليا، فإنها هي الشخصية الفذة التي تحدثها رسل السماء ويتأسى بها ولدها المذخور لإقامة العدل في أعماله وتخطيط حياته، وهي التي على معرفتها دارت القرون الأولى، وهي التي جاء في شأنها عن الإمام العسكري عليه السلام: (نحن حجج الله على خلقه، وجدتنا حجة الله علينا) كما ستطلع في مستدرك هذه الطبعة الجديدة على مصادرها إن شاء الله تعالى. فكل باحث عن حياتها العريقة يكيلها بكيل نفسه، ويغترف منها بقدر كفه.
وهذا الكتاب لاشيء سوى التوفيق الذي كلل به الديان مجهود عبده الفاني في ولاء آل البيت عليهم السلام شيخنا أحمد الرحماني الهمداني، فإنه من أروع وأنفذ وأشمل كتاب قدمه بفخر وإعزاز خدمة للحنيفية البيضاء واستشفاعاً بذيل عناية سيدتنا الزهراء عليها السلام، وفي غضونه مباحث عميقة وتحقيقات شافية وتتبعات وافرة، منها إيراده نحواً من مائة كلمة من كلماتها عليها السلام وقد ادعى بعضهم أن عددها لا يجاوز عدد الأصابع، ومنها بحث حافل حول موضوعية الولاية دون طريقيتها فحسب، ومنها رد مخرقة خطبة أمير المؤمنين عليه السلام ابنة أبي جهل وإيذائه فاطمة بذلك وفصل مشبع حول مسألة فدك وحول ما وقع عليها من الظلم والأثرة، وإلى ذلك مما يقف عليه القارئ.فمن أجل ذلك كان في بادئ بدئه يتهادى بين الفضلاء والمحققين ويتلقى إقبال القراء الكرام ببشرى وسرور، وبذلك تمت نسخه في زمان يسير، فطبع الثالثة ببيروت، ثم نفدت نسخه أيضاً، فقامت هذه المؤسسة بتجديد طبعة ثالثة، وهذه هي الطبعة الرابعة مع زيادات وافرة وتحقيقات أخرى شافية، ونحن نرجو ألا تكون هذه الطبعة هي الأخيرة وسيطبع فيطبع إن شاء الله تعالى. ونلتفت أنظار الأعزاء بأن الكتاب نقل إلى الفارسية وهو في متناول المحبين، وكما أخبرنا أنه نقل أيضاً إلى لغة (أردو) بباكستان. ونحن نأمل من المؤلف المحقق أن يبرز إلى عالم الثقافة الدينية مؤلفات أخرى حول حياة سائر الأئمة سدنة الوحي وخزنة العلم عليهم السلام. التقريظ
شعر الأديب الألمعي الفاضل
الحاج محمد باقر الإيرواني
لآلي منثورة وفرائد منشورة
عن الإمام الصادق (عليه السلام):
وهي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى.
(البحار، ج23 ص105)
1ـ عن الله تبارك وتعالى:
يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما(1).
(كشف اللآلي لصالح بن عبد الوهاب بن العرندس)
2 ـ عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم:
(ولو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً).
(فرائد السمطين، ج2، ص68)
3 ـ عن علي عليه السلام:
دخلت يوماً منزلي فإذا رسول الله صلّى الله عليه وآله جالس والحسن عن يمينه، والحسين عن يساره، وفاطمة بين يديه، وهو يقول: يا حسن ويا حسين، أنتما كفتا الميزان، وفاطمة لسانه، ولا تعدل الكفتان إلا باللسان، ولا يقوم اللسان إلا على الكفتين... أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.
(كشف الغمة، ج1، ص506)
4 ـ عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها:
... اعلم يا أبا الحسن أن الله تعالى خلق نوري وكان يسبح الله ـ جل جلاله ـ ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلما دخل أبي الجنة أوحى الله إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك، ففعل، فأودعني الله سبحانه صلب أبي صلّى الله عليه وآله، ثم أودعني خديجة بنت خويلد، فوضعتني، وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن. يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالى.
(عوالم العلوم والمعارف، ج6، ص7)
5 ـ عن الحسن بن علي عليهما السلام:
رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار.
(البحار، ج43، ص81)
6 ـ عن الحسين بن علي عليهما السلام:
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: فاطمة بهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمناء ربي، وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا، ومن تخلف عنه هوى.
(فرائد السمطين، ج2، ص66)
7 ـ عن علي بن الحسين عليهما السلام:
ولم يولد لرسول الله صلّى الله عليه وآله من خديجة عليها السلام على فطرة الإسلام إلا فاطمة عليها السلام.
(روضة الكافي، الرقم 536)
8 ـ عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام:
إنما سميت فاطمة بنت محمد (الطاهرة) لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث، وما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً.
(البحار، ج43، ص19)
9ـ عن أبي عبد الله عليه السلام:
حرم الله النساء على علي ما دامت فاطمة حية، لأنها طاهرة لا تحيض.
(المناقب، لابن شهر آشوب، ج3 ص33)
10ـ عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام:
لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين... أو فاطمة من النساء، عليهم السلام.
(سفينة البحار، ج1، ص662)
11 ـ عن الرضا عليه السلام:
قال النبي صلّى الله عليه وآله: لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرائيل عليه السلام فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها، فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة حوراء إنسية. فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة.
(عوالم العلوم والمعارف، ج6، ص10)
12 ـ عن أبي جعفر الثاني جواد الأئمة عليهم السلام:
عن موسى بن القاسم قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: قد أردت أن أطوف عنك وعن أبيك، فقيل لي: إن الأوصياء لا يطاف عنهم. فقال لي: بل طف ما أمكنك فإن ذلك جائز. ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين: إني كنت استأذنتك في الطواف عنك وعن أبيك فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء الله، ثم وقع في قلبي شيء فعملت به، قال: وما هو؟ قلت: طفت يوماً عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ فقال ثلاث مرات: صلى الله على رسول الله ـ ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين، ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن، والرابع عن الحسين، والخامس عن علي بن الحسين، والسادس عن أبي جعفر محمد بن علي، واليوم السابع عن جعفر بن محمد، واليوم الثامن عن أبيك موسى، واليوم التاسع عن أبيك علي، واليوم العاشر عنك يا سيدي، وهؤلاء الذين أدين الله بولايتهم. فقال: إذن والله تدين الله بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره. قلت: وربما طفت عن أمك فاطمة وربما لم أطف، فقال: استكثر من هذا فإنه أفضل ما أنت عامله إن شاء الله.
(البحار، ج50، ص101)
13 ـ عن أبي الحسن الثالث عليه السلام:
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:إنما سميت ابنتي (فاطمة)، لأن الله عز وجل فطمها وفطم من أحبها من النار.
(عوالم العلوم والمعارف، ج6، ص30)
14 ـ عن أبي محمد العسكري عليه السلام:
(عن أبي هاشم العسكري: سألت صاحب العسكر عليه السلام: لم سميت فاطمة بالزهراء عليها السلام؟ فقال:) كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدري.
(عوالم العلوم، ج6، ص33)
15 ـ عن مولانا المهدي، أرواحنا له الفداء:
ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنا عن مخاطبتكم في شغل، مما قد امتحنا من منازعة الظالم العتل الضال المتابع في غيه، المضاد لربه، المدعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب(2). وفي ابنة رسول الله صلّى الله عليه وآله لي أسوة حسنة، وسيردي الجاهل رداءة عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
(البحار، ج53، ص179ـ180)
ولنعم ما قيل
أوردنا في ص9 الحديث القدسي: (لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما) مسنداً(3). ثم أنه قد كثرت المناقشات ودارت الأبحاث والمدافعات بعد طبع هذا الكتاب حول هذا الحديث الشريف مع أن الحديث من حيث السند في كمال الإتقان والإحكام لأنا الناقلين كلهم من المشايخ العظماء والعلماء الكرام والرواة الثقاة لا يرتاب فيه من كان خبيراً بشرائط صحة الخبر والرواية، وإنما الكلام في معنى الحديث لا سيما الجملة الثالثة: (لولا فاطمة لما خلقتكما) فقيل أنه موضوع معللاً بأن هذا الحديث تفوح منه رائحة الغلو، لأن ظاهر هذه الجملة يدل على سمو شأن فاطمة الزهراء عليها السلام وعلو رتبتها على أبيها المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعلها المرتضى ـ صلوات الله عليهما أفضل التحيات والثناء من الله ـ مع أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أشرف الكائنات وسيد الخليقة وعلي عليه السلام أفضل الناس وخير البرية، فكيف تساعد جملة (لولا فاطمة لما خلقتكما)؟
فنقول: قد نسلم أنه في بدء النظر هكذا يتخيل، ولكن ليس الحديث في مقام بيان الأفضلية بل بيان موقف استمرار الشريعة الحنيفية بوجودها ومجاهدتها عليها السلام وأن هذا من معاريض كلامهم عليهم السلام والرجل لا يكون فقيهاً حتى يعلم معاريض كلامهم عليهم السلام فإن مدلول الحديث وموقفه بمعونة الأخبار التي ستطلع عليها إنشاء الله موقف قوله تعالى: (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) (المائدة، 67).
قال العلامة الطباطبائي رحمه الله في الميزان (ج6، ص46).
لو أهمل أمره (أي ترك إبلاغ ما أنزل) كان ذلك في الحقيقة إهمالاً لأمر سائر الأحكام وصيرورتها كالجسد العادم للروح التي بها الحياة الباقية والحس والحركة، وتكون الآية كاشفة عن أن الله سبحانه كان قد أمر رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم بحكم يتم به أمر الدين، ويستوي به على عريشة القرار، وكان من المترقب أن يخالفه الناس ويقلبوا الأمر على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بحيث تنهدم أركان ما بناه من بنيان الدين وتتلاشى أجزاؤه...
قال الآلوسي في روح المعاني (ج6، ص189):
قيل: إن المراد إن تركت تبليغ ما أنزل إليك حكم عليك بأنك لم تبلغ أصلاً...
فكما أن الآية ليست في مقام تفضيل أحد على أحد بل في مقام بيان أهمية الولاية بحيث أنه لولاه لما كان للنبوة رسم ولا أثر، فكذلك الحديث خارج عن هذا المعنى ومعزل عن مفهوم الغلو بل يدل على أنه لولا فاطمة لتنهدم أركان الرسالة والإمامة(4).
وإلى هذا المعنى تشير أخبار كثيرة، وإليك بعضها: إني أنا الله، أرسلت البحرين: علي بن أبي طالب بحر العلم، وفاطمة بحر النبوة (ص632 من هذا الكتاب). عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنا شجرة، وفاطمة أصلها، وعلي لقاحها (ص205). وعنه صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، أنفذ ما أمرتك به فاطمة (ص154).
قال الباقر عليه السلام: الشجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعلي فرعها، وفاطمة عنصر الشجرة (ص205). وفي البحار (ج24، ص143): قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنا شجرة، وفاطمة حملها، وعلي لقاحها...
وكما أن الشجرة تسمو وتنمو بتغذيتها من أصلها وعروقها فكذلك الشريعة البيضاء سمت ونمت بوجودها، والإمامة دامت واستمرت بها، لأن شجرة الإمامة لولا فاطمة عليها السلام لصارت منقطعة بشهادة علي عليه السلام حتى اعترف بذلك الرازي في تفسير قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) وقال:
(القول الثالث: الكوثر أولاده. قالوا: لأن هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه عليه السلام بعدم الأولاد. فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان. فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني أمية أحد يعبأ به: ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام والنفس الزكية وأمثالهم. وبالجملة إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذرية رسوله في صلب علي عليه السلام من جهة فاطمة عليها السلام، فالذرية الطيبة علة بقاء النبوة وفاطمة عليها السلام أصلهم ولولاها ما هم).
ثم إنها عليها السلام بنفسها قد كشفت القناع عن وجه كفر المعاندين والمخالفين، فلا حظ موضعاً من كتاب ابن الخطاب إلى معاوية بن أبي سفيان: (فبهبل أقسم والأصنام والأوثان واللات والعزى ما جحدها عمر مذ عبدها، ولا عبد للكعبة رباً، ولا صدق لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم قولاً، ولا ألقى السلام إلا للحيلة عليه وإيقاع البطش به، فإنه قد أتانا بسحر عظيم، وزاد في سحره على سحر بني إسرائيل، ولقد أتانا بكل ما أتوا به من السحرة وزاد عليهم، ولو أنهم شهدوه لأقروا له أنه سيدهم).
وانظر هذا المبرطش كيف ستر كفره وأبطن بغضه، وما تظاهر من نفسه ليس إلا للحيلة ثم لاحظ مواضع من خطبة بضعة المصطفى وقرينة المرتضى ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ كيف أظهرت مكرهم، وأعلنت غدرهم وحيلتهم، فقالت عليها السلام:
هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين. (التوبة 49).
قال المجلسي رحمه الله في شرحه: أي ادعيتم وأظهرتم للناس كذباً وخديعة إنما أنا اجتمعنا في السقيفة دفعاً للفتنة، مع أن الغرض كان غصب الخلافة عن أهلها وهو عين الفتنة.
وقالت عليها السلام في موضع آخر: وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال.
قال المجلسي رحمه الله في شرحه: والمقصود من تلك الفقرات أنهم لم يزالوا منافقين ولم يؤمنوا قط.
وقالت عليها السلام أيضاً: وانحلت عقدة الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص.
وقال المجلسي رحمه الله: فيه تعريض أنهم لم يؤمنوا قط. وهذا هو المقصد الأعلى من هذا الحديث القدسي لا ما تبادر إلى بعض الأذهان الساذجة من أفضلية علي عليه السلام على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأفضلية فاطمة عليها السلام عليهما.
وقد عبر عما قلناه الأستاذ المرحوم الدكتور محمد إبراهيم الآيتي في كتاب (سرمايه سخن) (ج3، ص171) ببيان آخر وهذا معربه: العلة الغائية للخلقة إنما هي العبادة لله عز وجل، وهذه العلة مقدم في الذهن ومؤخر في الوجود، والسبب في تكون هذه العلة إنما هو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهو أول الممكنات وأشرف الموجودات، والأفلاك إنما خلقت من أجله. ولذلك قال: لولاك لما خلقت الأفلاك.
ولا ينبغي أن يفهم من الجملة الثانية أن المقام العلوي أعلى من النبوي، حاشا من ذلك، كيف وأنه عليه السلام قال: (أنا عبد من عبيد محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل المراد لما كان غاية خلقة النبي إنما هي الهداية للبشر كما قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: (آدم ومن دونه تحت لوائي)، وهذه الهداية لا تتم إلا بوجود المناسبة بين المفيد والمستفيد وهي الولاية، فلولا الولاية لما كانت النبوة مفيداً بل كانت عبثاً ـ وتعالى الله عن ذلك ـ وأصل الولاية إنما هو علي عليه السلام: فلذلك قال: ولولا عليَّ لما خلقتك.
ثم إن الولاية لا تستمر ما لم تكن فاطمة عليها السلام لأنها وعاء الإمامة وشجرة النبوة والولاية، ولولاها لبقيت النبوة والولاية بلا ثمر، ولذلك قال: ولولا فاطمة لما خلقتكما.
أقول: وعلى ضوء هذا البيان إن وجود النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم العلة الغائية لخلق الأفلاك وعالم الكون، وهذه العلة لا تتم إلا بلوازمها وهي الولاية العلوية والعصمة الفاطمية عليهما السلام، فشأن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم محفوظ في مكانها السامي، وهو الأصل في الخلقة حتى خلقة علي وفاطمة عليهما السلام، ولكنهما من لوازم تكميل موقفه الشريف، والأمر واضح بحمد الله.
(1). قال العالم السديد السيد ميرجهاني في كتابه (الجنة العاصمة) ص148: وفدت على العالم الجليل والمحقق الكبير الشيخ محمد السماوي صاحب كتاب (إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام) بمكتبته واستجزته في السير الإجمالي في المكتبة ففي الأثناء رأيت نسخة خطية ثمينة لكتاب (كشف اللآلي) لصالح بن عبد الوهاب بن العرندس، وحينما تصفحت الكتاب صادفت فيه الحديث المذكور بهذا السند: الشيخ إبراهيم بن الحسن الذراق، عن الشيخ علي بن هلال الجزائري، عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي، عن الشيخ زين الدين علي بن الحسن الخازن الحائري، عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن مكي الشهيد بطرقه المتصلة إلى أبي جعفر محمد بن علي بن موسى بن باويه القمي بطريقه إلى جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، عن الله تبارك وتعالى إنه قال... أقول: وأورده أيضاً العلامة المرندي في (ملتقى البحرين) ص14. ويأتي في فصل كناها عليها السلام في معنى (أم أبيها) شرح لهذا الحديث الشريف، فليراجع.
(2). الظاهر أن المراد جعفر الكذاب.
(3). وقد أورده المحقق النمازي رحمه الله في مستدرك سفينة البحار مادة خلق وفطم.
(4). وفذلكة الكلام: إن المراد من الوجود وجود النبوة وبقاؤها واستمرارها، فبقاء النبوة بالولاية وبقاء الولاية بالمجاهدات الفاطمية، فلولا علي عليه السلام لما بقي للنبوة رسم، ولولا فاطمة لما بقي للدين والنبوة والولاية أثر.